القاهرة 06 سبتمبر 2022 الساعة 11:04 ص
كتبت: نضال ممدوح
منذ أن أعلنت حركة ما سمي بـ "الصحوة الإسلامية"، في سبعينيات القرن الماضي، والمجتمع المصري يشهد العديد من الظواهر السلبية التي تتسربل برداء الدين. وربما تكون من أوضح هذه الظواهر، ظاهرة الدعاة ومريديهم الذي يصدقون كل ما ينطقون به وكأنهم جمعوا كل معارف العالم، الدين والدنيا. وهو ما تدل عليه ردود أفعال الكثيرين تجاه أفعال هؤلاء الدعاة، وتظهر عبر تعليقاتهم في السوشيال ميديا.
وهو ما يطرح السؤال مجددا -وربما دومًا- حول دور الأدب والثقافة في مواجهة تيارات التشدد، ولماذا نجحت التيارات المتطرفة في جذب قطاعات كثيرة من المصريين مقارنة بالأدب والثقافة.. مصر المحروسة استطلعت آراء بعض المثقفين حول هذه القضية في هذا التحقيق.
بداية يقول الروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي: الأفكار المتطرفة هي ذات الأفكار في كل زمان ولها ناسها ومريدوها، ربما سهّلت وسائل التواصل الاجتماعي تبادلها فيما بينهم، وساهمت في تكتلهم في مجموعات كبيرة عابرة للحدود والعوائق التي كانت تحول دون اجتماعهم في زمان سابق.
وبدوره قال الروائي فكري داود: القضية كبيرة في الحقيقة، ولها أسباب كثيرة أخطرها أن المتاجرين بالدين يعون تمامًا أن الثقافة والفكر المستنير هو الخطر الحقيقي على عرشهم، الذي شيدوه بدغدغة مشاعر العامة ومحدودي المعرفة بمصطلحات تسييء للغير وتتهمهم بمحاربة الدين وأن هذا لا يرضي الله، ويجب ألا يقف المتدين مكتوف الأيدي، وعليه لا بد من محاربة مخالفيهم باليد أو بالقول أو بالقلب وهذا أقل شيء، وهذا الكلام المأخوذ من حديث شريف صحيح، لكن المتاجرين جعلوا ظاهره الرحمة لكن باطنه العذاب، الرحمة إذا كان خالصًا لوجه الله، أما العذاب فيأتي من كونهم جعلوه كلامًا تجاريًّا يقيمون بمدى نجاحهم في استغلاله من أجل تكوين سلطة دنيوية قوامها المال والامتلاك، ويأتي العامة ليكونوا أداة في أيدي هؤلاء، منزوعي العقل والفكر، فالطاعة واجبة عليهم من أجل نوال الجائزة في الآخرة أن آجلا أو عاجلا.
وأوضح "داود": في المقابل نرى دور الثقافة الحقيقية محدود وسط هذا الضجيج وهذه التفاهة السائدة في كل المجالات، ماذا نفعل تجاه هذا الركام من الكتب الهزيلة لكل من هب ودب دون مرجعية ثقافية واعية، سرقات أدبية، وشللية، وبرامج موجهة مدفوعة الأجر، و...، ما الذي يمكن أن ينتجه هذا من فن أو ثقافة، ماذا يعني أن نجد شخصًا أو أكثر يسب الجميع علنا دون حساب، بل ويتخذه البعض مثلًا أعلى، ...أما المؤسسات الدينية الرسمية، فقط اكتفت بدور الموظفين، الذين يرون دورهم في مجرد التوقيع في الموعد بدفاتر الحضور والانصراف. الموضوع كبير ويحتاج إلى ثورة، لا تقل عن الثورة التي نحتاجها في التعليم والصحة وغيرهما.
ومن جهته قال الشاعر وليد سيف: التشدد والعنف الدينى مرتبط بغياب الأمل على الأرض والسعى نحو تحقيق الخلاص فى السماء أو مناجل السماء، وهو مرتبط ارتباط وثيق بالفقر والبطالة والشعور بالظلم الاجتماعى، أما الآداب والفنون فهى أمور لا تنتعش كظاهرة جماعية إلا فى ظل مجتمعات تنعم بالحرية وتنشد الكمال فى مناخ ثقافى وعلمى وتعليمى جيد، وهذا هو الفارق المؤكد بين مصر الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وبين مصر الثمانينات والتسعينيات والألفية الأولى من القرن الجديد التى شهدت أشد درجات الانحدار والتدنى فى كل مناحى الحياة فى مصر، والتى أدت إلى قيام ثورة يناير 2011.
ومن ناحيته قال القاص أحمد الخميسي: إذا تحدثنا عن الأفكار المتطرفة فإن جزءًا كبيرًا منها يعود إلى الدوائر الغربية الاستعمارية التي خلقت وغذت ومولت التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وغيرها، ويعود جزء آخر إلى ظروف شعوب العالم الثالث التي يعيش معظمها حالة إحباط وخيبة أمل في امكانية تحقيق الحلم بالعدل والتحرر والكرامة، فيتقدم من يستثمر اليأس ويلوح براية الظلام لتحقيق أغراضه ومصالحه.
بينما يذهب الشاعر والروائي وليد علاء الدين، إلى أن: الجهل والفقر هما أساس التربة الخصبة لنمو الأفكار القاتلة. يمر العالم بفترة شديدة القسوة تتراجع فيها كل القيم، قيمة العمل وقيمة الكفاح وقيمة الخير وقيمة الجمال وقيمة العلم وقيمة الثقافة، لا شيء يمنح الشباب أملًا في أن قيمًا منها العلم والعمل والصبر والكفاح والخير والمحبة يمكنها أن تجعل غدهم أفضل. في بيئة كهذه يزداد الإحباط والقلق وتنمو الكراهية كالفطر وتعلو نبرة المستفيدين من نشر أفكار اليقين المغلق والغيبيات ومغازلة القلوب والعقول بحيوات أفضل لا يمكن اختبارها. ويكثر القتل والعنف وهو ما أخشى أننا لن نتخلص منه قريبا.
ويقول الناقد الدكتور رضا عطية: حقيقة في العقود الأربعة الأخيرة هناك تماد رهيب للتطرف وانتشار فكر الإرهاب والقتل باسم المقدس تصفية للكتاب الذين لا تعجب آراؤهم المتطرفين، هو ليس تواريًا للأدب والفن بقدر ما هو استشراء للتطرف والإرهاب الذي عملت أياد كثيرة ماهرة وخفية على تغذيته ومنها الغرب المفترض أن يكون واعيًا بخطورة اللعب بالنار، لكن تحت دعاوى الليبرالية نفسها استضاف الغرب جماعات الإرهاب من لاجئي الإسلام السياسي وهو ما ارتدت سهامه إلى صدورهم واكتوى الغرب نفسه بنيران إرهابهم، فانتشار الإرهاب هو نتيجة تمويل آثم للتطرف ودعم له وأيضًا عدم اتخاذ الدول إجراءات كافية وحاسمة وجذرية في مواجهة التطرف والإرهاب.
بينما يذهب الكاتب الشاب الروائي علي قطب إلى أن: المفترض والأصل هو التعايش بين الأفكار والشاذ هو العنف، والعنف دائما يُسلط الضوء عليه الأدب يؤدي وظيفته ويحفظ استمرار الإنسانية حتى وإن انتشرت الأفكار المتشددة، فلولا وجوده لظل الإنسان بدائي. الرهان على فاعلية الآداب والفنون في وحدة الروح الإنسانية هو رهان الحياة الحقيقي وهو ما يدفع الحياة للاستمرار بشكل آمن وواعي.
ويوضح الكاتب نعيم صبري: في ظني هى أزمة عالمية يمر بها العالم أجمع، تماثل الأزمات التى مر بها العالم بعد الحرب العالمية الأولى وبعد الحرب العالمية الثانية، لكنها هذه المرة بعد نهاية عصر الاستعمار بنجاح حركات التحرر الوطنى في الخمسينيات والستينيات واكتشاف شعوب العالم الثالث التى كانت مستعمرة، مدى سوء الحالة الاقتصادية التى كانت فيها بعد استنزاف ثرواتها من الدول المستعمرة، هنا بدأت موجات الهجرة للدول الغربية الغنية وموجات اللجوء إلى الأديان عجزًا ويأسًا، فظهرت الحركات المتطرفة الموتورة من وسط ركام الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة وأهمِل التعليم والثقافة لضعف الموارد وانتشار الفقر فضعف التعليم والثقافة والفنون، وزاد انتشار الخرافة والتعصب فى بيئة الحرمان والجهل والضياع. العالم الثالث تعرض لظلم واستنزاف طويل من الدول الاستعمارية، وتطور النظام الرأسمالى وجبروته تسبب فى زيادة الفجوة بين المرفهين والمعدمين فزاد انتشار الفقر والتخلف والخرافة والتعصب وإهملت الثقافة والفنون لضعف الميزانيات والفقر.
وبدوره قال الكاتب مصطفي البلكي: لأسباب كثيرة، في كثير من دول عالمنا العربي والإسلامي تم التضييق على أصحاب الفكر فلجأ أغلبهم إلى العزلة، هذا التخلي استغلته الكثير من قوى الظلام فعمدوا إلى نشر أفكارهم الظلامية.
ومن جانب آخر ولفترة معينة تخلت بعض الدول عن مراقبة بيوت العبادة فأصبحت ساحة خلفية لنشر الأفكار الأفكار المتشددة التي لا تتوافق مع وسطية العقيدة.
اعتبار التنمية الثقافية من أمور الرفاهية، وبذلك تم غض الطرف عنها وغياب الإرادة السياسية الجادة لتحصين الفرد ضد من يلعبون بالعقول الهشة.
بينما يذهب القاص عادل موسي إلى: تغييب الوعي عن طريق مساعدة المواد غير الهادفة والمتدنية المستوى على الانتشار ليصبح المقابل للفكر المتشدد هو الانحلال الأخلاقي أو التفكير السطحي وليس التفكير المستنير القادر بقوة على الوقوف امام هذه التيارات وهزيمتها، وبالتالى فالشخص غير المستقر والحائر بين هذه الأفكار سيجد حجة الأفكار اليمينة أقوى وأكثر معقولية واتزانا مما يقابلها من أفكار هزيلة أو عبثية.
بشكل مباشر فإن غياب أمثال المفكر فرج فودة وظهور أمثال إسلام البحيري وأمثاله مع طغيان الأعمال الفنية والأدبية السيئة يساعد هذه التيارات المتطرفة على الاستمرار.
وتوضح الشاعرة السورية ريتا الحكيم: أرى أن هناك من يموِّل هذه الأفكار بشكل أو بآخر وذلك لتشويه صورتنا كعرب متخلفين.. يريدون لنا أن نعود إلى الوراء ليتمكنوا من السيطرة على عقولنا مستغلين نقاط ضعفنا التي عزَّزوها بمشاركة وسطائهم.. يعلمون أننا أرض خصبة لأهدافهم المخفية منها والظاهرة.
حين يتصدر الأدب والفن مكانة عالية لن يكون لرجال الدين أي دور ولن تكون تجارتهم بالدين رائجة، وأعتقد أن أبسط الناس لو أعمل عقله بشكل صحيح سيفهم تمامًا رسائلهم وغاياتهم.. يريدون أن نكون قطعانًا لا حول لها ولا قوة. الأدب والفن حرية وانعتاق، وهذا ما لايريدونه لنا أبدًا.
|