القاهرة 23 اغسطس 2022 الساعة 10:27 ص
تقديم وعرض: حاتم عبد الهادي السيد
يٌعد كتاب "الموضوعية في العلوم الإنسانية" للدكتور صلاح قنصوة، الصادر عن دار التنوير للطباعة والنشر عام 2007، أحد أهم الكتب التي تتناول إشكاليات العلوم الإنسانية من الناحية الموضوعية حيث تهتم بقضايا العلم؛ومناهجه وأثره في العلوم الاجتماعية.
كما يعرض الكاتب لمقاربات المناهج الإنسانية، وعلاقتها بالعلوم الطبيعية والعلوم الإجتماعية كذلك. كما يعرض لأبرز قضايا العصر الحديث والتحديات التي تواجهها البشرية، كما يناقش قضايا العلم التي تجذب عقل الإنسان للتفكير، والبحث في محتواها لفهمها؛ وبالتالي تعليمها للبشرية وعرض أساسياتها ومقابساتها المنهجية.
وتأتي أهمية الكتاب في كونه يطرح أبرز القضايا التى تهتم بإشكالات الموضوعية في العلوم الإنسانية، كما أنه معني بالإجابة على الأسئلة الكبرى، ومن بينها السؤال الأهم: هل هناك إمكانية لتأسيس علوم الإنسان على أرض الموضوعية الصُّلْبَة بحيث تختفي من مباحثها الأهواء والأغراض والتحيزات والأحكام المسبقة وغيرها، لا سيما وأن الموضوع العام الذي تدرسه العلوم الإنسانية وهو "الإنسان -في المجتمع- إزاء العالم" قد فرض -حتى الآن- على هذه العلوم دور التابع المتواضع للفلسفات والأيديولوجيات والنظم السياسية، ولتبيان الموقع الذي تقف فيه العلوم الإنسانية من ثقافة العصر، والمهام التي تحمل تبعتها، والدور الذي ينبغي أن تؤديه في عالمنا المعاصر؟!
كما تجىء أهمية الكتاب كونه يناقش المصطلحات، عبر التسميات التى تُطلق على البحوث والدراسات التى تتناول الإنسان ومناشطه الحياتية والاجتماعية والثقافية؛ وعبر العلوم السلوكية؛ والعلوم العقلية والبيلوجية كذلك. كما يحاول المؤلف احتواء الطابع الإشكالي للعلوم الإنسانية؛وفتح الباب واسعا أمام كل الأفكار والرؤى، عبر مُتضمناتها الفلسفية والأيديولوجية داخلها؛ أي أنها تفسح المجال لقراءة الإنسان بصورة أكثر وعيا عبر هذه العلوم بشكل خاص وعلاقتها بعلم الحياة بشكل عام.
محتوى الكتاب:
يتكون الكتاب من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة وإحالة بالمراجع والمصادر التى استقى منها المؤلف مادته، كما يحوي خاتمة تلخص أهم النتائح التى توصل إليها؛ والتى تضمنتها رؤاه النقدية والفلسفية عبر فكرة الموضوعية ودورها وأثرها في العلوم الإنسانية.
ويبدأ المؤلف كتابه بمقدمة يشرح فيها التعريف بالمسميات التي عرفتها العلوم الإنسانية، كما يناقش العديد من المواقف التى ترتبط بالمناشط العامة التى تخص الفرد خاصة، ونظرة الآخرين إلى الإنسان باعتباره جوهرا يستعصى على مناهج العلوم الطبيعية، كما يعرض لنظرة القائلين بأن ما يُطبق في مجال الطبيعة هو جدِيرُ بالاحتذاء في الشأن الإنساني، كما يتعرض بالمناقشة والرأى لتعريفات الموضوعية، ويناقش جوهر الفكرة الكُليَّة لها؛ثم يخلص إلى تعريف عام عن الموضوعية، فيقول: "الموضوعية هي المشكلة الأساسية لهذه العلوم الطبيعية؛وهي مشكلة تتعلق بالموضوع العلمي من حيث تَصَوّر طبيعته، وإمكان قيامه وطرق تحققه".
ويتعرض المؤلف -بداية- إلى مفهوم العلوم الإنسانية؛حيث يقول بأن هذا المصطلح لم يُتَّفَق عليه من قبل العلماء والفلاسفة، حيث هناك الكثير من العلماء بُطلقون على مُسَمَّى العلوم الإنسانية "العلوم الاجتماعية"، العلوم الثقافية، العلوم العقلية أو الروحية والعلوم المعنوية. كما يوضح د. صلاح قنصوة انحيازه إلى مسمى العلوم الاجتماعية كأقرب التسميات لمصطلح العلوم الإنسانية؛يقول: إن الإنسان مهما يكن من تَنوَع سلوكه وتفرده، لابد أن يكون مُنْضَوِيَا في سياقٍ اجتماعي، حيث انبثق هذا المصطلح من التعريفات "الأنجلو سكسونية" التى تستخدم مصطلح "إنسانيات" humanities للدلالة إلى الآداب والفلسفات والدراسات المعيارية، وهو ما لا ينبغى أن يخلط عندها بالعلوم. كما أحال التعريفات الأخرى إلى علم النفس وعلوم الطبيعة، وإن ألمح إلى تثمين إطلاقات اليونسكو عليه بالعلوم الإنسانية، لكنه أشار إلى أن العلماء أخرجوا علم النفس والتاريخ عند حديثهم عن العلوم الاجتماعية، لأن العلوم الاجتماعية تبحث في محور الإنسان، وهذا يتطلب بحث الجوانب النفسية والسلوكية كذلك، ودور وأثر الطبيعة في تشكيل ثقافة الفرد والذات المجتمعية، ومن هنا تبدو إشكالات المصطلح وتفرعاته الكثيرة.
كما يتعرض المؤلف لمناقشة فكرة الموضوعية وكيف يناقش البشر الموضوعات الحياتية فيما بينهم بموضعية، دون تحيز لفريق على آخر، أو السؤال عن الطرق والمناهج التى يسلكها الباحث ليكون قراره مُتَّسِمَا بالموضوعية والثبات والقيمة العلمية والاجتماعية والسياسية والثقافية أيضا.
كما يعرض د. قنصوة لآراء وأعمال أهم المفكرين المعاصرين أمثال: إيميل دوركايم؛ ديلتاي، فيبر، هوسرل، ليفي شتراوس، مورينو، وغيرهم من الكُتَّاَبْ -خاصةً الألمان- الذين أَثَّرُوا في الفكر والعلوم الاجتماعية كذلك.
والكتاب -كما جاء قى المقدمة- هو دعوة للتأمل ومبحث للطلاب والدارسين ومحبي القراءة فى البحث الفلسفي والاجتماعي، كما أنه مُوَجَّهٌ للمشتغلين بالبحث العلمي كذلك.
الفصل الأول:
يعرض المؤلف في هذا الفصل لمشكلة العلوم الإنسانية من خلال حديثه عن مكانة العلوم الإنسانية من ثقافة العصر، من خلال ثلاثة خطوط:
معالم بارزة في تاريخ العلوم الإنسانية.
تحديات في وجه العلوم الإنسانية.
"الموضوعية" مشكلة العلوم الإنسانية.
ولقد ألمح إلى شغف العلماء بالتَّسْمِيَات للعصور عبر تاريخ الفكر، كمسمى عصر النهضة عصر التنوير، عصر اللاهوت، أوالعقل الأيديولوجية. كما يتعرض لمفهوم الثقافة حيث عًرَّفَها بأنها الوجه الإنساني الآخر للعالم، أي ما خَلفه الإنسان، ومازال يخلفه في قلب العقل الغُفل.كما يركز على أن الثقافة هى عتاد الإنسان وأسلوبه في غزو الطبيعة، أو استجابته لها.
كما يقرر بأنه من الصعب اطلاق صفة بعينها على العصر؛ إلا أنه يصف عصرنا الحالي بأنه أزهى العصور، فهو عصر العلم التكنولوجيا، الأزمة، القلق، والعبث أو اللامعقول، الثورة الشاملة، الحرب العالمية، غزو الفضاء... إلخ.
كما يعرض لأثر العلم على الثقافة في آراء: برتراند رسل برونوفسكي، برنال الذبن أجمعوا على أهمية وأثر العلم في توجيه الثقافة عبر تلاحقاتها التحديثية والتكنولوجية؛ إذ العلم هو الذى يوجّه ويحرك كل ثقافة؛ لأنها تنحو نحو تقدم الإنسان، الذى هو جزء في منظومة المجتمع والكون والعالم والحياة.
كما تحدث عن قيم العلم التى هى أنبل زهرات الإنسانية؛ ويشير -بدهشة- إلى مُشْكِلِ السؤال:كيف نزيل التَّعَارض، أو الجفوة بين العلم وسائر ألوان الثقافة؟!.
وفى إجابته عن هذه المشكلة يقول: "لقد بالغ بعض المفكرين في تصوير الأمر وكأنه بين ثقافتين لا سبيل إلى عبور الْهِوَّةِ بينهما، إحداهما علمية، والأخرى أدبية أو تقليدية، على النحو الذى أشار إليه "تشارل سنو"، فهناك في رأيه نقيضان مُستقطبان، نجد في أحدهما أصحاب الفكر الأدبي -أي المُشتغلين بالإنسانيات- الذين يشيرون إلى أنفسهم دائما على أنهم "أهل الفكر"؛ وفى القطب الآخر العلماء خاصة علماء الطبيعة. وبين الطائفتين أخدود عميق من افتقاد التفاهم .
الفصل الثاني:
يتناول د. صلاح قنصوة -هنا- دور العلم باعتباره قوة رئيسة في التحول الاجتماعى، ويؤكد على أن افتقاد الوعي يفسد من جوهر العلم وروح البحث الحر، ومن هنا يمكن للقوى المهيمنة أن تجعل العلم أداة طَيِّعَةً لتحقيق مصالحها وأغراضها، كما يبرز دور العلم في تَحَرّرِ الثقافة والمجتمع، وإن تغيرت مقتضيات العصر -على حد رأى هربرت دنجل، كما كان هدف العلم في عصر "فرنسيس بيكون" هو السيطرة على الطليعة؛ إلا أن هدف العلم اليوم هو السيطرة على الإنسان!
ثم يجازف د. صلاح قنصوة بقوله الرائد: إن القضايا العلمية سواء كانت فرضية أو قانونا يجب أن تكون واحدة من ثلاثة أمور: أن تعكس وضعا أيديولوجيا استمر منذ القدم، أو دعوة ترسم طريق المستقبل، أو تقريرا عن الواقع القائم. ويضيف: أما الموضوعية فهي جوهر العلوم الإنسانية، وكل من أنكرها أو أَقَرَّها فهو يفترض ضمنا، صورة معينة للمشروع العلمي الذى يمكن أن تدركه العلوم الإنسانية، كما يوجز آراء الباحثين في ثلاثة محاور: الواقعة، الماهية، البنية. وهنا يتحدث عن الصلة بين الواقعة والموضوعية من وجهة نظر "إميل دور كايم"، كما يخالف المؤلف وجهة نظر "دور كايم" الذى يراه قد خلط بين المستويين: الأنطولوجي، المنهجي، عند حديثه عن الموضوعية عبر قاعدة كايم التى تقول: إن الوقائع الاجتماعية يمكن أن تُعرض موضوعيا بقدر ما تتجرد تماما عن الوقائع الفردية التي تتحلى بها، فهو يرفض كل الوسائل التى تعتمد على المشاعر الذاتية أو الاستبطان، لأنها لا تصدق على وقائع علم الاجتماع، كما يرى.
كما يعرض لآراء"جون ديوى"في حديثه عن المنهج الإجرائي وأثره في البحث العلمي، والذى يختلف عن رأي "لندبرغ" في عدم قناعته بالمماثلة المنهجية، لأن العلوم الاجتماعية والطبيعية يجب أن يُضاف إليها مماثلة المحتوى النظري.
كما يعرض لآراء الفارابي عن العلم المدني، ويشيد بفكر ابن خلدون، وإسهاماته فى العلم والموضوعية؛ وفى تأسيسه لعلم الاجتماع الحديث.
كما يعرض لمفكرى الإسلام، أو ما سُمِّى "منطق الأصوليين العرب"؛ ومخالفتهم لأرسطو؛ حيث خلت علومهم من مباحث الميتافيزيقا التى جعلت المنطق الأرسطي علما للفكر الصوري؛ بحيث أصبح عند هؤلاء الأصوليين منطلقا عمليا يجمع بين الخبرة الحسية، والاستدلال العقلي، وهما معا يؤلفان جوهر المنهج العلمى، وليس القياس الأصولي، وهو أهم ما في هذا المنطق الذى يسميه المتكلمون بقياس الغائب على الشاهد، بدعوى أن كليهما هو انتقال من جزئي إلى جزئي، فقياس الأصوليين يقيني، وهو عند أرسطو قائم على الظن.
كما يشير المؤلف إلى المَنْحَى الإمبريقي، من خلال تناوله للموضوعية في الواقعة، ويعتبر أن أصحاب هذا المنهج لم يشغلوا أنفسهم بدراسة العوامل النفسية أو الميتافيزيقية؛حيث يُعَبِّرُ فهمهم عن أفق ضيق لفهم ماهية الواقعية العلمية في مجال الإنسان والمجتمع، كما يعرض لاتفاق العلماء على أن أرفع مهام المعرفة الإنسانية هى تزويدنا بالواقع، وقد دَلَّلَ على ذلك بآراء: ماكس بلانك؛ أينشتين؛ماخ، نيوتن.
الفصل الثالث: الموضوعية والماهية:
يركز د. صلاح قنصوه في هذا الفصل على الموضوعية من الداخل (الماهية) ويعرض لآراء" بديلتاي"والذى يعد أحد المستفيدين من أفكار" كانط"؛ "هيجل"؛ حيث إن"التَّفَهُّمَ" هو الحقيقة الأساسية لفهم العلوم الإنسانية؛ وهو-أى التفهم- هو بمثابة الأرض الأم؛ وهو العلاقة بين الجزء والكل في عملية حيَّة بلفظة موجزة، وتعني"الماهية". كما يشير إلى تصنيف "ديلتاى"المبنى على العلوم التاريخية:(سيرة ذاتية، بيوغرافي، تدوين التاريخ) يقول: "كل ما هو مُعطى فهو نتاج تاريخي فالعقل الموضوعي إذا كان مادة لبحث العلوم الإنسانية؛ فإنما يعني دراسة التجليات والمظاهر التى مَوْضَعَ فيها العقلُ نفسه".
كما يتعرض إلى آراء "ماكس فيبر" في تناوله لمفهوم الموضوعية، وتجلِية مقاييسها الموضوعية في مبحثه عن:(الموضوعية بين النمط المثالي والحيدة الأخلاقية)معتبرا أنه يمكن حصر المشكلات الأساسية في أمرين: الصلة بين المفهومات والقضايا السيسيولوجية العامة من جهة؛ الواقع التاريخي القيمي من جهة أخرى؛ كما رأيناه يضع حلاً لهاتين المشكلتين من خلال مصطلحي: النمط المثالي؛الحيدة الأخلاقية.
كما نراه يتحدث عن: "علم الظواهر" أو "الفنومنولوجيا"، ويجمع برنامجه بين المنهج والمذهب؛ إذ علم النفس الفنومنولوجي لا يمكن أن يَتَعَرَّفَ إلا عن الماهية؛ أو العلاقات الماهوية لأنه تأسَّسَ على:" الحدس الداخلي"، والذى يتعلق بماهية النفس ذاتها؛ فالذات لديه لا تعني"الكوجيتو الديكارتي"، بل الأنا "الترنسندنتالية"، بتجاربها المعاشة.
كما يناقش الكتاب أفكار علم النفس الفنومنولوجي عند "جون سارتر"، والذى رفض أن يكون العلم الطبيعي مَثَلاً أعلى للإنسان؛ لأن عالم العلم يعتمد مبدأ الكَمّ؛ والكَمٌّ نقيضٌ لأي وحدةٍ أو تأليف.
الفصل الرابع:
لقد خَصَّ الكاتب -هذا الفصل- بالحديث عن الموضوعية من الداخل والخارج، ولقد عالج فيه أنموذجين مهمين أَثَّرَا -وما زالا- في كل المباحث المعاصرة؛ فقد عرض إلى: "البنيوية من الناحية النظرية والمنهجية لدى" كلود ليفي شتراوس"، والسوميترية التي تعني القياس الاجتماعي عند جاكوب مورينو. ويصل قنصوة -في النهاية- إلى استنتاج بأن البنيوية تطمح إلى إقامة مبدأ كُلِّيٍّ لتفسير الإنسان من خلال مظاهره المتعددة المتباينة؛حيث التكامل المنهجي للعمق والشكل، يعكس تكاملاً أشد جوهرية؛ أي تكامل المنهج والواقع.
كما يناقش فكرة السوميترية ذات القطبين عند:
"مورينو" للكشف عن أعمق بنيات المجتمع؛ بينما القطب الآخر يتجه إلى إحداث التغيير في ذلك المجتمع المُؤَسَّسِ على الوقائع الدينامية، التي يتم اكتشافها في بُنيته؛ حيث أفادت السوميترية العلوم الإنسانية بوصفها أحد روافد علم النفس الاجتماعي.
الفصل الخامس:
وفى هذا الفصل تناول د. صلاح قنصوة اقتراح الحل للمشكلات الموضوعية والعامة، من وضع المشكلة ذاتها عند حديثه عن "موضوعية العلم الإنساني"؛ حيث ناقش فرضيات ورؤى تخصه،لوضع المشكلة وتحديدها، والحديث عما يعتريها، ثم يضع اقتراحا للحل، وهو ليس مقترحا نهائيا -كما يذكر- ليظل المشتغلون بالعلم في نظرٍ دائم وطرحٍ لرؤى جديدة بشكل مُستمر، وهى اقتراحات تخص جوهر العلم وموضوعيته وعلاقته بالعلوم الإنسانية؛وهى أفكار مؤسسة على دور العلم وآثاره في تفسير الظواهر الإنسانية وأثرها على العلوم الاجتماعية أو علوم الإنسان، وعلم الحياة كذلك.
كما يتحدث المؤلف فى الفصل الخامس -هنا- عن موضوعية العلوم الإنسانية من خلال مناقشاته لأمرين يخصان المشكلة الموضوعية وهما:
وضع المشكلة، والتمييز في العلم بين السياق الثقافي والمحتوى المعرفي.
اقتراح بالحل: من خلال فكرتي: التفسير والتنبؤ، بين الوحدة الوقائعية، والموقف الكلي.
حيث يرى د. صلاح قنصوة أنه لابد أن نميز الأمر منذ البداية، فنحدد المشكلة في التمييز -في العلم- بين السياق الثقافي والمحتوى المعرفي؛ ويرى أنه لابد من ضرورة النظر إلى العناصر الفلسفية والأيديولوجية والقيمة من جهة والعناصر العملية في الجهة المقابلة لحل هذه المشكلة، ويؤكدعلى ذلك بعرضه للعلماء الذين نادوا بمسألة "الاتصال والانفصال"، ولقد رأيناه يدعو إلى الانفصال لاستعادة الاتصال من جديد، على نحوٍ تَتَّحدد فيه المقاييس والأدوار -كما يذكر- وبهذا تتعين مكانة الموضوعية الخاصة بين العلوم الإنسانية، كما يطرح مقترحا لحل تلك الإشكالات في التفسير والتنبؤ بين الوحدة الوقائعية والموقف الكلي.
الخاتمة :
تجىء الخاتمة ليستعرض كل الآراء التى سبقته في الحديث عن الموضوعية؛ ثم يطرح السؤال: ما حصاد ذلك جميعا؟ أو أين سيكون موضع العلوم الإنسانية من ثقافة العصر؟!. وما مهامها التى يجب أن تحملها؟ وما هو دورها في النهاية؟!
لقد رأيناه يعترف -في محاولة ماكرة؛ وذكية، منه كذلك- بأنه كان يجب عليه أن يبدأ من حيث انتهى في تأليفه لهذا الكتاب، ويضع ما يزعمه على طريق الحل لهذا المشكل الفلسفي لمسألة الموضوعية؛ أي أنه أراد أن يترك البحث مفتوحاً؛ وكأنه يقدم بعض نصائح، لا آراء قاطعة؛ وهو بهذا يفتح المجال أمام العلماء والباحثين لينتقدوا كلامه؛ يضيفوا إليه، أو يعارضوه؛ أو ينفوه كُلِّيَةَ كذلك .
والكتاب بشكل عام هو محاولة في أول طريق البحث؛ وهو كما يقول عن كتابه: لا أهدف إلى تشييد "يوتوبيا علمية للعلوم الإنسانية"، بل اقتراح بمسارٍ واقعي للمشروع العلمي. كما أنه يهدف إلى ايجاد متشاركات أو جسورٍ علمية بينه وبين الباحثين، لمناقشة أي مشكلة تتعلق بالعلوم الإنسانية.
كما أن لى ملاحظة شخصية إن جاز أن أوردها هنا؛ وهى: أن هنا تناقضا بين ما جاء فى الفصل الأول في مسألة تحَمُّسَه إلى إطلاق اسم العلوم الإجتماعية على هذه العلوم التى تدور حول مفهوم ومحور الإنسان؛ لكنه في كل فصول الكتاب لم نجد تحمسا إلى وصف ذلك العلم الذى يناقش قضايا الإنسان ووجوده؛ أي العلوم الاجتماعية؛ ووجدناه يُسهب في مصطلح "العلوم الإنسانية"؛ بل يجعل ذلك المصطلح هو المهيمن على كل رؤاه؛ ليجعلنا نقف على تناقضات الآراء من جهة، وعلى التناقض في التصريحات، واستعمال مصطلح العلوم الإنسانية من خلال الموضوعية؛ وهو ما انتصر له في النهاية؛ إلا أنه لم يُصرِّح بذلك؛ فلربما أراد كما قال: أنه لا يَتقَصَّد من هذا الكتاب تشييد "يوتوبيا علمية للعلوم الإنسانية" ولم يقل العلوم الاجتماعية كذلك. كما أن في الكتاب إسهاب كثير؛ وإطالة؛وربما تكرار ملحوظ، وكان من الممكن اختصاره كذلك.
إن هذا الكتاب في النهاية يطرح إشكالات "الموضوعية"؛ودورها في القضايا التى تتعلق بالعلوم الاجتماعية، أو الإنسانية، بحسب اختلاف التسمية لهذا العلم المهم، في تاريخ العلوم الإنسانية والفلسفية، وتاريخ العلم أيضا.
الأفكار الرئيسة التى يطرحها الكتاب:
- دور تاريخ العلم في نشأة وفهم الوجود الإنساني.
- الموضوعية ومشكل العلم والفلسفة والتاريخ وعلم النفس.
- دور العقل والعلم في نشأة العلوم الإنسانية.
- اختلاف العلماء في مصطلح العلوم الاجتماعية أو العلوم الفلسفية.
- قاعدة عدم التسليم بالرأى القاطع في العلم.
- السيميترية وعلوم الفنمونوجيا وأثرهما في حل المشكلات.
- كيف نفكر في علاج المشكلات التى تعترض حياتنا بشكل عام .
- إعادة الاعتبار لفلسفة العلم ودورها في التأثير على العلوم.
- مثاقفات العلوم والفنون والفلسفات في عصر العلم.
- تثمين دور العلم في المسائل الموضوعية في الحياة.
الأيديولوجيا ودورها في فلسفة العلم.
- دور العلوم الإنسانية الاجتماعية في تقدم العصر وعلاقتها بالعلم.
- الموضوعية ودورها في التميز بين السياق الثقافى، والمحتوى المعرفي المفاهيمي.
المؤلف في سطور:
الأستاذ الدكتور صلاح قنصوة، مفكر وفيلسوف وعالم مصري، ولد في القاهرة عام 1936م؛ ثم التحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة بقسم الفلسفة، وتخرح فيها عام 1957م. عمل في بداية حياته العلمية باحثا بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، وشغل منصب أستاذ ورئيس قسم الفلسفة في جامعة الزقازيق بمصر، وجامعة صنعاء في اليمن. عمل أستاذا لفلسفة الجمال في أكاديمية الفنون؛ثم أصبح عميدا للمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون؛ومقررا للجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.
ويعد د. صلاح قنصوة أحد أشهر علماء الفلسفة في العالم العربي، حيث عمل أستاذًا في فلسفة الفن، وفلسفة العلوم، وفلسفة العلوم الاجتماعية، والنقد الفني، وأستاذًا في مناهج البحث وعلم الجمال، وخبيرا بلجنة الفلسفة وعلم الاجتماع بالمجمع اللغوي بالقاهرة. كما شغل منصب عضو الرابطة الدولية لنقاد الفن التشكيلي "الأيكا" في باريس. وشارك في تأسيس كثير من الجمعيات العلمية والفلسفية والفنية والنقدية في مصر،والعالم العربي.
الجوائز:
حازالمؤلف العديد من الجوائز المصرية والعربية والدولية منها: جائزة الدولة التشجيعية 1981م، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1983م، جائزة التفوق في العلوم الاجتماعية1999م، جائزة الدولة التقديرية، جائزة نقاد الفن التشكيلي "الإيكا" في باريس.
مؤلفاته :
قام د. صلاح قنصوة بتأليف العديد من الكتب العلمية والنقدية والفنية التى أثرت الحياة العلمية منها: فلسفة العلم، اغتراب العلم، الدين والفكر والسياسة، العلم والدين وأسلمة العلم، الحقيقة العلمية والإبداع الإنساني، العلم الاجتماعي وسيطا بين العلم والتكنولوجيا، إطلالة فلسفية داخل العلم والفكر المعاصر، نظرية القيم في الفكر المعاصر في فلسفة الفن، في فلسفة العلوم الاجتماعية,تمارين في النقد الثقافي,الموضوعية في العلوم الإنسانية، هل قدمت الفنومنولوجيا جديدا للعلوم الإنسانية، كتاب هل يمكن فصل الأيديولوجيا عن النظرية الاجتماعية، معوقات البحث الاجتماعي في المجتمع العربي، وحدة المنهج وتعدد المنحى في العلوم الاجتماعية. كما قدم العديد من الكتب التى أبرزت شهرته وتميزه منها: الموضوعية عند ماكس فيبر، الشك عند "رَسل" بداية طريق أم نهاية، كتاب المشروع العلمي والنقد الفلسفي في التراث الماركسي؛ كتاب "اعتقال الغرب في علم الاستغراب"، قراءة مختلفة لعلم الاستغراب؛ ماركس واللاهوت الإنساني الماركسية إعادة ترتيب مستقبل الفلسفة في القرن الواحد والعشرين العولمة وفلسفة التفكيك. كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والأدبية، وتُوفَّى في القاهرة بعد مسيرة رحلة طويلة وعراك مع الحياة عام 2019م.
|