القاهرة 16 اغسطس 2022 الساعة 08:57 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
في مقدمتها لكتابها "الحكايات الشعبية بين التنوع والاختلاف" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، تقول د. غراء مهنا إن الحكايات تتنوع وتختلف في الزمان والمكان، ومن راو لآخر، ومن مؤلف لآخر، وتتخذ مسارات متعددة، وقد يضيف الراوي للحكاية الشعبية مقطعًا غنائيًا، أو وصفًا جميلًا لشخصية من الشخصيات التي تتنوع ويختلف دورها من حكاية لأخرى، ذاكرةً مثلاً أن الحكاية التي كتبها شارل بيرو في القرن السابع عشر تختلف عما كتبه الإخوة جريم في القرن التاسع عشر. كذلك تذكر الكاتبة أن العبارات الإطارية التي تبدأ الحكاية، أو الختامية التي تنهيها، تتنوع وتختلف كما تختلف الحكاية من سياق لآخر، ومن مجتمع لآخر في الشرق والغرب، في الماضي والحاضر، وكذلك تختلف باختلاف الراوي.
"مهنا" تتساءل ماذا عن إعادة كتابة الحكاية برؤية جديدة، بحجة التحديث والتغيير ومواكبة العصر؟ وماذا تفيد كتابتها وإخراجها من مضمونها، والعبث بها وجعْلها لا هي شبيهة بالحكاية الشعبية المحفوظة في ذاكرة الشعوب، ولا هي مختلفة عنها، ولكن نوع من المسخ والتشويه يرفضه الكثير من الكُتّاب ودور النشر والقراء وخاصة الأطفال.
أيضا تطرح "مهنا" سؤالاً آخر عن الهدف من وراء جعل سندريلا غير مهذبة وغير مطيعة ولا تخضع للآخرين؟ وماذا يفيد أن تصبح ذاتُ الرداء الأحمر ذاتَ رداء أزرق أو أخضر أو أكثر ذكاءً وإيجابية؟ حتى تصل إلى أن تتساءل لماذا نربط حكايات كل زمان ومكان بعصر محدد ومكان محدد؟ ثم لماذا نجعل شخصيات الحكايات التي نعرفها جيدًا ونألفها تُغيّر شكلها وطباعها ودورها؟ ولماذا نجعلها تركب المترو والسيارة، وتذهب إلى مدرسة بعينها، وترتدي أحدث الثياب وتحمل الهاتف المحمول؟ خاصة وأن المستمع والقاريء لا يتقبلان هذا التخريب لأنه يختلف عما اعتاده.
• تراث ثمين
هنا تحاول الكاتبة أن تحدد الاختلاف والتنوع بين الحكايات سواء في الأدب الشفهي أو المكتوب، معتمدةً على نصوص مختلفة كروايات شفوية مختلفة للحكاية نفسها، روايات شفوية ومكتوبة لحكاية واحدة، حكاية يحكيها عدد من الرواة وتختلف من راو لآخر، حكاية تنتمي لفترات زمنية مختلفة، مسارات متعددة لحكاية واحدة، انتقلت من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى آخر.
كما حاولت الكاتبة تأكيد أن هذا التنوع والاختلاف بين الحكايات، أو بين الروايات المختلفة لحكاية واحدة يوجد على مستوى الشكل والمضمون في السرد والشخصيات واللغة المستخدمة. هنا أيضا تدعو "مهنا" إلى عدم المساس بالحكاية الشعبية بدعوى التحديث والتي أصبحت تُشكل جزءا من تراثنا الشعبي، خاصة وأن محاولة التغيير ومسايرة العصر تمثل خطورة كبيرة على الحكايات التقليدية المعروفة والتي عاشت في ذاكرة الناس وقلوبهم وتخطت الحواجز الزمانية والمكانية، داعيةً إلى عدم العبث بهذا التراث الثمين من الحكايات ومحاولة إخراجه من مضمونه ووأْده بتحويله إلى مسارات وحكايات أخرى تخدم أفكارا وإيديولوجيات بعيدة كل البعد عما احتفظت به الذاكرة الشعبية على مر العصور.
• عملية تخريب
في السياق نفسه تذكر الكاتبة أن الحكاية الشعبية في صورتها الأولى الشفوية لا تنتمي إلى مجتمع بعينه، لكنها تصلح لكل زمان ومكان وهي تتغير حسب الرواة، وعندما تُكتب تصبح ثابتة ثم تعود لتتغير إذا كُتبت على أيدي أكثر من مؤلف، مضيفة أن حكايات شارل بيرو ترتبط بمجتمع القرن السابع عشر في فرنسا حيث كانت الفتيات مهذبات، خاضعات، جميلات، ولكن بلا شخصية، فالذكاء للذكر وحده: عقلة الإصبع، القط لابس الحذاء..إذ يتسم كل الذكور بالشجاعة والذكاء وحسن التصرف، أما بياض الثلج، سندريلا، الأميرة النائمة فكنّ مستسلمات لمصيرهن لا تثورن ولكن تتقبلن قدرهن في خضوع، لذلك يحاول الكُتاب المحدثون أن يغيروا من هذه الحكايات القديمة التي لم تعد تصلح لهذا الزمان في رأيهم بحيث تتفق مع احتياجات مجتمعهم في الوقت في الوقت الحالي، إذ لم تعد ذات الرداء الأحمر ساذجة وضعيفة، ولم تعد الأميرة النائمة في تابوتها تنتظر قبلة الأميرة ليعيد لها الحياة، ولم تعد سندريلا مستسلمة لزوجة أبيها الشريرة غير قادرة على رفض أوامرها. هنا تذكر "مهنا" أن هناك عملية تخريب لحقت ببعض الحكايات الشعبية ممثلة بحكاية عنوانها المفتش توتو، رافضة أن يتم تخريب هذه الحكايات الشعبية التقليدية، ذاكرةً أن تحديث هذه الحكايات ليس في تغيير سمات شخصياتها وتشويهها، واتهام الحكايات التقليدية بأنها تقدم أفكارًا قديمة ولا تتفق مع الواقع الراهن.
وفي سياق حديثها عن الحكايات الشعبية ومحاولات التحديث تقول الكاتبة إن الحكاية الشعبية الشفوية تصور الحياة والواقع، وهي حكاية لكل العصور، وهي صوت الإنسان وواقعه ومشاكله، في حين أن إعادة كتابة الحكاية الشعبية يضعها في قالب واحد فتعكس صورة المجتمع الذي كُتبت فيه، مؤكدة أن الكاتب يقوم بتحريف المعنى الأصلي للحكاية، أو يقوم بإضافة فكرة أو مغزى سياسي يعبران عن آرائه ومعتقداته، في حين يلتزم الراوي الشعبي بالنموذج العام للحكاية دون أن يقع في إقليمية ضيقة ودون أن يربطها بزمان معين.
• سحر خاص
وبعد أن تَعْرض لعدد من الحكايات التي لحق بها التغيير، تصل الكاتبة إلى القول بأن الحكاية التقليدية التي توارثها الأبناء عن الأجداد، وظلت معلقة في الذاكرة الجماعية للشعوب، وحفظها الجميع عن ظهر قلب، سواء كانت شفوية أو مكتوبة، لها سحرها الخاص وعالمها الذي شغلنا صغارًا وكبارًا. نعرفها كما حكاها الأجداد من قبل، ونألفها في صورتها الأولى فلماذا هذا التشويه والتخريب بحجة الحضارة والمدنية والمساواة؟ ولماذا نربطها بزمان ومكان وهي حكاية كل زمان ومكان. الكاتبة تذكر أن الأمريكي جاك زيبس يرى أنه لمن الغريب أن غالبية النقاد والدارسين لا يهتمون بدراسة النمو التاريخي للحكاية كنوع، متساءلا هل حدث ذلك بسبب وضعها خارج الزمن، أم بسبب عالميتها التي تجعل الاهتمام بمعرفة أين ومتى تمت كتابتها قليلا، وترى أن بعض الحكايات قد امتزجت مع غيرها، وغيّرها الرواة أو الكُتاب وجعلوها تحمل علامة العصر: الثياب، العادات، اللغة.
وبعد أن تتحدث عن شخصيات الحكايات بين التكرار والتنوع من خلال عالمها الإنساني وشكلها وطبقاتها الإجتماعية مؤكدة أن الحكاية الشعبية تعطي الأمل للإنسان الضعيف والمريض والفقير، فهو يستطيع أن يقهر المرض ويهزم الضعف ويتغلب على فقره، إذ كل شيء ممكن وجائز وسهل التحقيق، تحذر في الأخير "مهنا" قائلة اختاروا ما تشاءون قراءته، واكتبوا ما ترونه مناسبا ولكن حذار من العبث والتخريب للحكايات الشعبية التقليدية، اتركوها كما هي فهي تراث وهي ميراث أحببناه واعتدنا عليه.
|