القاهرة 10 اغسطس 2022 الساعة 11:24 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
الفنون في عصور اليونان القديمة تحتاج إلى أكثر من مبحث للحديث عنها، ولكننا نحاول الإيجاز كي تكون تلك الموسوعة التي بين أيديكم مجرد نبراس فقط وليس مرجعا، دليلا مرشدا وليس أساسيا، عموما.. ونحن في خضم البحث حول اليونان وتاريخها سنجد أن هؤلاء القوم برعوا في العديد من المجالات وخاصة الفلسفة بجوار فنون أخرى مثل الشعر والنحت والرسم.
ولأننا في هذا المبحث وما يليه بصدد الحديث فقط عن الفنون في اليونان فإننا سنرجئ باقي الموضوعات في موضعها، ولكننا لا بد وأن نشير إلى أن الحضارة اليونانية القديمة قد تأثرت وأثرت بشكل مذهل مع وعلى الحضارات المجاورة لها وخاصة مع الحضارة المصرية القديمة، فكان التأثر واضحا في الكثير من الجوانب مثل العلوم التي تلقاها علماء وفلاسفة اليونان في الإسكندرية، ثم تزاوجت الآلهة المصرية مع الآلهة اليونانية، وغيرها من تلك الجوانب، فضلا عن تأثرهم بحضارات الصين والهند وغيرها، وهكذا يمكننا القول أن أصل الحضارة الغربية كلها مستمد من اليونان التي استمدتها من مصر وغيرها من الحضارات.
ولنعود إلى الفن اليوناني، والفن في اليونان القديمة هو الأسلوب الذي اتبعه الفنانون الإغريق القدامى، وكانت ميزته أنه يبحث ويكشف عن الجمال المثالي متأثرا بالفلسفة الأفلاطونية أو محاكاة الطبيعة بفلسفة أرسطية، ولكن يبدو أنه لم يبدأ في التخفف من قيود القوالب الهندسية إلا منذ القرن السابع قبل الميلاد، عندما بدأت تظهر أشكال حضرية تحل محل المجتمعات الريفية، ويرجع الأسلوب الآرخي ويحل محل الأسلوب الهندسي، إلى مركب بين أسلوبي الشرق والغرب، ولم يوجد في تلك الحقبة المسماه العصر الموقينائي -نسبة لتراث كريت الموقينائي- أية مبان ضخمة أو قصور او معابد.
ولكن مع بداية الأسلوب الآرخي في الفن الذي كان نتاج لتجارة مزدهرة ومدن ثرية، بدا عصر جديد من فنون النحت والعمارة، في مجتمع نشأت صفوته من بين صفوف الفلاحين الذين أصبحوا بعد ذلك حكاما للمدن.
وفي بحث بعنوان "النحت اليوناني" للباحثين جهاد طارق فتحي، مروة حافظ عسران، نرمين وليام فهمي، بهاء أحمد محمد نجم، بإشراف د. أكمل أنور، يقولون: لم تكن أعداد كبيرة من أعمال النحت مثل التماثيل والألواح المنحوتة بالحجم الطبيعي أو ما يزيد عن ذلك تصنع في اليونان قبل منتصف القرن السابع ق. م، وحتى تماثيل العبادة في الفترة السابقة كانت صغيرة الحجم تقريبا ومعظمها من الخشب.
ويتضح أنه بالاحتكاك مع الشرق قد بدأت صناعة النحت على الألواح الحجرية الكبيرة في اليونان، وقد تغلبت مصر على الآشوريين في عام 672ق. م، ومن ثم فتح الشرق أمام التجارة الإغريقية.
يقول هيرودوت (II، I، 54) أن الملك المصري بسماتيك (606 – 906 ق. م) قد أعطى الأيونيين والكاريين "قصورا يسكنونها على ضفاف النيل" وكانوا أول الأجانب الذين استقروا في مصر، واستند إلى ما ذكر بالإضافة إلى أقوال كتاب قدماء آخرين، الأمر الذي يتفق نوعا ما مع الدليل الأثري المتبقي، فإنه من الممكن أن نعتبر عام 650 ق. م تقريبا هو الحد الأعلى لتاريخ النحت الإغريقي فيما يتعلق بالأحجام الكبيرة.
وهذا ما يؤكده أيضا أرنولد هاوزر فيقول: ولا يتجلى في هذا الفن من مظاهر تلك النظرة السكونية الضيقة التي يتصف بها الفلاح، وإنما هو فن حضري ليس فقط في تلك المهام الضخمة التي أخذها على عاتقه، بل أيضا في ازدرائه للتراث وتفتحه للمؤثرات الأجنبية، صحيح أنه كان لا يزال خاضعا لسيطرة المبادئ الشكلية وأهمها مبدأ المواجهة والتماثل والشكل التكعيبي والجوانب الأربعة الأساسية، بحيث لا يكاد يمكن القول أن الأسلوب الهندسي قد انتهى تماما إلا بعد بداية العصر الكلاسيكي.
|