القاهرة 07 اغسطس 2022 الساعة 11:48 ص

"غني للدنيا.. مهما كان منها.. تفرح الدنيا ..لو تغنيلها"، كلمات بسيطة لكن لها معني، ومبهجة بكل ما تحمل البهجة من معني، غناها ولحنها الفنان الراحل محمد فوزي ولحنها، وكتبها الرائد الشعري مأمون الشناوي.
لو كنت لم تسمع هذه الأغنية من قبل، جرب تسمعها الآن، فسوف يلامس مسامعك شئ من البساطة المبهجة الخارجة من حروف الكلمات والأنغام الموسيقية، ومغلفة ببهجة وحلاوة صوت المبدع الفني محمد فوزي، "الأسطورة" في الأسلوب والأداء ونمط اختياره للأعمال على مدار 400 أغنية، و39 فيلم قدمهم خلال مشواره الفني.
حقيقي؛ كان مختلفا عن فناني جيله والأجيال السابقة، لكن لم يحد أبدا عن سياق الذوق العام والثقافة المصرية والمنارة العربية الأصيلة، والتي تتلمذ في فصولها مبدعين عرب أصبحوا رموزا في أوطانهم الآن.
"فوزي" بخفة دمه قادر على تلوين موسيقاه وغُناه وتمثيله بلونه الخاص، وعجنه بخلطة فنية سرها عنده هو فقط، عمل لنفسه وبنفسه صفحة بأسمه في تاريخ الفن المصري والعربي، ليأكد أن مصر جاءت ومن بعدها وصل الآخرون.
"في لوعة القلب غني.. وف نشوة الحب غني.. للقمر غني. للشجر غني.. للنجوم غني.. للنسيم غني"، الشاعر مأمون الشناوي، كان لاعب لا يستهان بقلمه، ولا مهارة اختياره للكلمات وإبداعه في تجميعها وتركيبها وتشكيلها في جمل شعرية غنائية تنفذ كالأسهم إلي القلوب وتسكن فيها، وتبدل حالها إلى حالة من الراحة النفسية والاسترخاء للاستعداد للدخول في حالة البهجة بكل بساطة.
لا أستطيع الجزم، بمن هو صاحب الفضل على الآخر في العلاقة بين "محمد فوزي" و"مأمون الشناوي" فكلاهما مبدع وساهم إبداعه في الإضافة للآخر، ولكن التجربة أثبتت أن العلاقة بين "فوزي" و"الشناوي" حققت قيمة مضافة للأثنين.
"إن كنت عايش في ملل.. تلقي الغنا يحيي المني.. مافيش حياة من غير أمل.. ولافيش أمل من غير غنا.. إن طال عليك الليل غني.. وف كل وقت جميل غني"، هذه دعوة صريحة إليك لتشاركني التصدي ومواجهة ومحاربة "الملل" والتخلص منه، وتعالى نبعد عن الوصفات الشعبية أو الأدوية الطبية، أنصحك بقبول دعوتي، وأوعدك- وأتمنى تصدقني- أنك لن تخسر.
لو ظننت أنك الآن فتحت تطبيق الأغاني على تليفونك أو جهاز الكمبيوتر، وبحثت عن الأغنية لتختبر إحساسي وإحساسك، وتجرب وصفة "فوزي" دكتور "البساطة والبهجة"، في التخلص من الملل، فسوف تكون قد صدقتني بالتأكيد، واكتسبت أنا ثقتك، وربما أكون قد نجحت في إقناعك بالغناء للقضاء على الملل.
وصفات " فوزي" دكتور البساطة والبهجة كثيرة ولا تنتهي، ولكن آخر وصفة في هذه الأغنية، كانت في أبسط وأرقي طريقة لجلب الحبيب، قال فيها:" ياللي حبيبك بعيد.. غنيله يسمعانداك"، هكذا كانت المناجاة في الحب، وبهذا الرقي كان الإعتذار والعتاب بين الأحباب، أرجو أن تصدقني حين أقول لك أن شعورا بالإغتراب هاجمني عند سماع هذا المقطع من الأغنية، فقد شعرت بمدى البعد والفجوة بين ما نحيا فيه وما كان يعيش فيه هؤلاء المبدعين، وأنه لسخيف جدًا أن يسخر جيل من أسلافه لمجرد أنهم تمسكوا بالرقي وتحلو بالذوق ورفعوا القيم وأعلوا من الفضائل بينهم.
يبدو لىِ غريب هذا الزمن عن زمن الفن الجميل، وغربته، في كم الذوق والرقة والرقي والثقافة، في منهج بناء العلاقات بكافة أنواعها وأشكالها، وفي رسم سياقها على كل المسافات والمدى، إننا نفقد أدميتنا حين نفتقد الشعور القدسي بقيمة المشاعر، والاستهانة بطريقة التعبير عنها، إننا نعيش في زمن يبعد عن زمن الحب بخمسون ألف سنة شعورية.
|