القاهرة 03 اغسطس 2022 الساعة 10:38 ص

بقلم: أحمد محمد صلاح
تعددت الحضارات على أرض بلاد ما بين النهرين، وكانت لكل حضارة منهم سمة وتفرد سواء في الفن أو المعمار، وأيضا في الحالة السياسية والاجتماعية، وتشابكت الحضارات على أرض ما بين النهرين سواء في الأزمنة أو الأماكن لتنتج لنا تراثا انسانيا ضخما سنناقشه بالتفصيل فيما بعد..
ولنبدا مع الحضارة السومرية، التي ينسب لها الكثير من الاكتشافات مثل اكتشاف الكتابة، أو تقسيم الوقت، ولكن ولأننا في معرض الكتابة عن الفن في هذا المبحث فإن الحضارة السومرية وكما أسلفنا كانت شديدة الصرامة مثلها مثل كل الفنون في تلك المنطقة، ولكن في نفس الوقت فإن السومريون استطاعوا الوصول بفن العمارة إلى درجة جيدة للغاية.
• الحضارة السومرية:
تميز العصر السومري بالتنوع في فن العمارة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وتتسم العمارة الدينية في سومر بالتطور إلى حد كبير، حيث كان المعبد نمطا معماريا تتميز خواصه تبعا لوظيفته، فالمعبد كان يتكون من أربعة جدران تشير الي الاتجهات الأربعة، ويتكون من عدة غرف يتواجد بها تمثال الإله أو رمز المعبود، وشيدت المعابد في سومر على مصاطب "زقورات" لتسهيل الاتصال مع السماء في العقيدة السومرية .
أما العمارة الدنيوية فتتمثل في القصور التي شيدها حكام الدويلات في المدن السومرية بغرض السكن والإدارة، وتختلف القصور عن المعابد حيث أحيطت بأسوار ضخمة مزودة في بعض الأحيان بأبراج دفاعية، وتتميز القصور بالتعقيد المعماري عن المعابد، فضلا عن النقوش التي كانت تزين هذه القصور مثل الهيئات البشرية والحيوانية والنباتية وتجسيد نهري دجلة والفرات وغيرها.
• الحضارة الأكدية:
لم يضع الأكاديون بصمة واضحة على الفنون في حضارة ما بين النهرين، فعندما استولى الأكاديون بقيادة سرجيون الأكدي على بلاد سور وقاموا بتوحيدها، أعادوا توسعة المعابد السومرية القائمة والعديد من القصور الملكية على أنقاض وطرز القصور والمعابد السومرية، لذلك يقول المؤرخون وعلماء الفن أن الحضارة الأكدية في الفن تعد امتدادا للحضارة السومرية.
• الحضارة البابلية:
ببساطة انقسم العصر البابلي إلى قسمين: العصر البابلي القديم وأبرز حكامه حامورابي، والعصر البابلي الحديث وأبرز حكامه نبوخذ نصر، ورث البابليون عن السومريين والأكاديين دولة واسعة على قدر كبير من الثقافة والحضارة، واتسمت العمارة في العصر البابلي ببناء القصور الفخمة التي فاقت بضخامتها أبنية المعابد، لتليق بالملوك العظام الذين تفاخروا بألقابهم، وبقيت أبنية المعابد على نفس الطرز القديمة للحضارة الأكدية والسومرية من قبلها.
وفي العصر البابلي الحديث بدأ الفن الجداري المزجج ومثال ذلك بوابة عشتار التي تصور رسومها الحيوانات الخرافية الضخمة، ومارس النحات البابلي النحت البارز لتجسيد الأشكال، ويعد الفن البابلي قمة التطور الفني لحضارة ما بين النهرين، وتميز بخصوصية دينية متطورة.
• الحضارة الأشورية:
يمكن وصف الحضارة الأشورية بالقوة العظمى في وقتها بسبب قدراتها العسكرية الضخمة التي كانت عليها في ذلك الوقت، وبالرغم من التربية العسكرية لأبناء هذه الحضارة إلا أنها لم تغفل الجانب الفني في جذورها، فقد اهتم الملوك الأشوريين بالإنجازات المعمارية ولا سيما المعابد، واستخدمت تلك المعابد كدواوين للكتابة لتسجيل أعمال الملوك على الجدران، لذلك كان الاهتمام ببناء المعابد وإعادة ترميمها، حيث العلاقة الروحية بين الملك والآلهة، وانعكاسه على عقيدة الشعب، وفي العصر الآشوري الوسيط تم بناء أبراج مرتفعة لهذه المعابد واستخدام عناصر بنائية غير الطوب اللبن فاستبدل بحجر الكلس لحماية المعابد من الفيضانات، مع استمرار المنحوتات الجدارية التي تمثل الحيوانات والأشخاص.
كانت العصور الأشورية من أكثر العصور القديمة التي اهتمت بالفن عموما، ولأن أرض الرافدين طينية ولا توجد بها جبال إلا في المناطق الشمالية وبندرة شديدة فقد افتقرت إلى الأحجار، ولكن في تلك المناطق الشمالية توافرت أحجار الكلس والمرمر والرخام، مما جعل الفنان الأشوري يقوم بالنحت وتسجيل فنونه، كما استخدمت هذه الأحجار في كساء سور مدينة "نينوى" التي عرفت بالمدينة العظيمة وتعد ثالث المدن الآشورية.
|