القاهرة 02 اغسطس 2022 الساعة 09:57 ص
حوار: صلاح صيام
الشعراء لا يموتون، والشعر قد يمرض أو يترنح، ولكن سرعان ما يعود إلى الساحة الثقافية فارسا عملاقا، فقط يحتاج إلى جهود محبيه والمؤمنون به، ذلك المخلوق الرائع الذي يصفي النفوس ويرقق المشاعر، ويخاطب الوجدان، ظللنا مدة غير قليلة نتغنى بمقولة "الشعر ديوان العرب"، وعشنا عليها أزمنة عديدة، ولكن الآن بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي قلبت الموازين رأسا على عقب، وجعلت القصيدة متاحة للاطلاع عليها بعد ثوان من نظمها -بضغطة زر جهاز الحاسوب- وكذلك الكتب والروايات بل والأخبار، فما مستقبل هذه المقولة، خاصة مع تحول المتلقي -الذي لديه القدرة دائما- على الانتقاء والاختيار بشكل جيد عن الشعر.
الشاعرة السورية لبنى عبد الله ونوس ولدت وعاشت بها، درست الأدب الفرنسي ولها اهتمام بالفن التشكيلي، وهي حاليا متفرغة تماما للكتابة.
لها مجموعة إلكترونية وحيدة بعنوان: زلال (أشواق دانية) صادرة عن صفحة بيت النص برعاية الشاعر المصري عبد الوهاب الشيخ.. كان لمجلة "مصر المحروسة" معها هذا الحوار حول أوجاع أصحاب القوافي..
• هل انتهى زمن الشعر وهل مازال ديوان العرب؟
لا يمكن أن ينتهي زمن الشعر أبدا بوصفه حالة روحية عظيمة يحاول الشاعر أن يكتشف فيه ذاته بالغوص في أعماقه وكشف كنه دواخله أو لنقل هو سبر أغوار النفس البشرية.
والشعر لايزال ديوان العرب وسيبقى لأنه لا زمن للشعر على الرغم من تعدد الأجناس الأدبية الأخرى كالرواية التي أعتقد أنها حاليا في زمنها الإبداعي ولكن الشعر حالة خاصة بكونه الحامل الأكبر للهموم والقضايا العربية والمؤرخ الفذ للأحداث على مر الوقت وإن كان من وجهة نظر الشاعر.
والدليل الأكبر على مكانة الشعر التي لا يمكن أن تزول هو الاهتمام الدائم والمتزايد بإعادة نشر الأعمال الشعرية للعديد من الشعراء العرب العظام الذين تركوا بصمتهم في عالمنا العربي أمثال بدر شاكر السياب ونزار قباني واحمد شوقي وسعيد عقل ومحمود درويش...
الشعر في وقتنا الراهن في حالة تحدي عظيمة وله مريدوه الأوفياء الذين يحملون شعلة الإنسانية هم حملة إرث قديم من العصر الجاهلي القديم وحتى عصرنا الحديث على كثرة التحديات والمعوقات التي فرضتها الظروف الراهنة السياسية والاجتماعية التي يعاني منها الشعراء خاصة والشعب عامة.
السؤال بحد ذاته يحتاج الكثير الكثير من الشرح والاستفاضة للإحاطة جيدا بكل جوانب القضية ولكي نفهم تماماً الحالة الشعرية الآن في زمن الحداثة.
• هل ودع القارىء العربي الشعراء؟
لن نستطيع القول إنه ودعهم وإنما بات قراء الشعر هم نخبة في زمن الركاكة والضعف وتدني مستوى الكلمة واللغة الأدبية ومع هذا لايزال للشعر الحقيقي قدم راسخة لايمكن أن تتزعزع في الساحة الثقافية.
• لما انخفضت مبيعات الشعر وصارت دور النشر تتجاهل نشره؟
بالنسبة لي لم افكر أبدا حتى هذه اللحظة في إصدار ورقي بالرغم من تشجيع بعض الأصدقاء لخوض التجربة ولم أتعامل مع أي دار نشر ولا دراية لي بالواقع الراهن لتلك الدور.
أنا أعيش حالة عزلة اختيارية، أكتب فقط ما تبوح به الروح، ألتقط بريق الكلمة لأستدرج كل مفردة أو لفظ يعبر عن الحالة الوجدانية التي تتملكني.
عالمي الشعري هو فقط تجربة وحيدة كانت منذ سنة ونصف لمجموعة إلكترونية عنوانها: زلال (أشواق دانية) عبر منصة بيت النص وبتشجيع من الشاعر المصري عبد الوهاب الشيخ.
كانت تجربة افتخر بها جدا كإنجاز وحيد بدعم أشخاص يؤمنون بصدق ما أكتب.
ولكن على ضوء الواقع الحالي أعتقد أن طغيان الرواية والأسماء الكثيرة الجديدة بغض النظر عن مستواها وكثرة مبيعاتها أحد الاسباب.
• نشر قصيدة الآن في صحيفة ورقية يحتاج لمعجزة من المسؤول وما الحل؟
يحتاج من يريد النشر للعلاقات المتشعبة والمال لكي يستطيع أن يبرز اسمه في صحيفة ورقية حتى لو لم يكن يملك الإبداع الذي يستحق ذلك، لأن أصحاب النفوذ والمال والتجارة تدخلوا فى كل شيء حتى الثقافة للأسف.
لهذا جاء منبر "فيس بوك" كقارب نجاة للكثير من المواهب التي باتت حرة في نشر إبداعها دون أن تكون بحاجة لمركز أحدهم أو كرسيه بالإضافة إلى رعاية بعض الصفحات للأقلام الجادة والموهوبة والكشف عنها.
• هل نملك شعراء جادين؟
بالتأكيد ولكن الشاعر الجاد والمبدع أظن لا يظهر نفسه متعمدا هو يفرض وجوده من خلال حرفه.
الكثير من الشعراء المتمكنين الذين يتقنون موهبتهم يجلسون في الظل لأنهم يعرفون أن هذا الزمن ليس زمنهم حاليا وإنما زمن النفاق والوساطات ووووو.
• كيف نعيد المجد لديوان العرب؟
هذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع من أفراد ومؤسسات على صعوبة المهمة هذه في عالم التكنولوجيا والعولمة وانحدار القيم والمبادئ لأنه كما قلت الشعر هو إرثنا الحضاري والثقافي الذي درسناه في مناهجنا المدرسية فكان الركيزة التي نشأنا عليها أما الآن فالوضع المزري للمناهج الدراسية الفارغة من كل فن وأدب وجمال جعل الوضع أكثر تعقيدا.
المسؤولية كبيرة والمهمة صعبة وبات الأمر منوط بكل إنسان وطريقة تعاطيه مع كل هذه المستجدات.
• ما تقييمك لحالة الشعر العربي حاليا؟
بصراحة أنا بعيدة كل البعد عن المشهد الثقافي في بلدي لأسباب كثيرة وأهمها عدم رغبتي أنا بذلك.
ولكن هناك حدس داخلي يقول لي إن المرحلة القادمة ستفرز الكثير من الأسماء التي نستطيع أن نقول عنهم بحق شعراء بعد أن ينفض فينيق الشعر الرماد عن جناحيه.
مايمر به الشعر العربي من ركود هو مرحلة آنية مؤقتة مهما طالت ستفرج بالنهاية عن شمس فن المعنى والعبارة.
|