القاهرة 23 يوليو 2022 الساعة 03:16 م

قصة: خوان كارلوس أونيتي *
ترجمة: أسامة الزغبي
أفرغ المطر شارع رامبلاس من المارة وبقيت فقط مجموعة من الناس مجتمعين في مقهى زجاجي حيث، لشهور خلت، لم يكن يسمحون لها بالدخول.
رأت سونيا، الواقفة على عتب المنزل المهجور، المطر ينحسر، ويتحول لرذاذ خفيف، رأته يتوقف بينما تزداد برودة الرياح، واعتبرت ذلك علامة على حسن الطالع.
على بعد قليل، في الجانب الآخر من الطريق العريض، بدأت أنوار المدينة في السطوع. فرد الليل جناحه بينما تتشمم الرائحة الحزينة لمعطفها المبتل، ظنت سونيا أن الأمل أيضا بدأ في التحقق. ابتسمت، دون أن تصدق في الحقيقة، مثل طفلة يقصون عليها حكاية سمعتها من قبل وغير قابلة للتصديق.
عاودت فحص الباروكة الشقراء المجعدة بحرص شديد -كانت أظافرها شديدة الطول- رفعت الجوارب الممزقة التي يحملها رباط الوسط. شعرت بالجوع مجددا وتذكرت أنه كان معها ساندويتش من لحم الخنزير بالحقيبة. لكن لا يمكنها إفساد طلاء الشفاه الذي وضعته بقلم بالروج وبعناية كبيرة.
تذكرت أيضا أنها تخضع لمراقبة الشرطة حتى نهاية الشهر وأجبرت نفسها على السير، مقتربة من حافة الأرصفة للابتسام للسيارات، وهز مؤخرتها، وتوقفت متظاهرة بالبحث عن شيء ما بالحقيبة الكبيرة.
لكن لا شيء، لا أحد، ودون نقود كي تجرب حظها في البارات التي كانت لا تزال تسمح لها بالدخول.
انقضى الليل وانبلج الفجر في الحي القذر بالمدينة الكبيرة. ولا زالت سونيا، دون جوع الآن، وبلا أمل تقريبا، تواصل السير فوق الألم الذي يسببه كعبا حذائها الرفيعان والمدببان.
تكررت المحادثات الخاطفة مع المارة من الرجال.
- هيا. هل ستأتي؟
- لتذهب للجحيم.
- أرغب في ذلك. أيضا يمكن أن أخذك معي، إذا كنت تودين في معرفته.
رجال ورجال يثيرون اشمئزازها. كان ضوء النهار ينبئ بالوصول من ناحية الميناء، والأضواء الصناعية تتلاشى تدريجيا. صعدت درجات السلم وهي تطؤها بالجوارب الحريرية باهظة الثمن. فتحت الباب المتسخ.
- كيف سارت ليلتك؟
- نحساء، يا حبيبي، أنا جوعانة. أعتقد أنه كان لدينا علبة سردين وخبز متبق من الفطور.
نهض الصبي، الأسمر النحيل، من السرير وبدأ يقلب في الخزانة؛ قال بصوت به دلع وشكوى:
- لم تقبلينني حتى الآن.
- حالا.
خلعت سونيا، الباروكة، أمام المرآة، وداعبت وجنتيها.
- مرة أخرى منبتة الذقن.
تعرت بعد ذلك وظلت تنظر إلى نهديها المنتفخين بالبارافين وفرجها الذي سيظل مرتخيا بلا فائدة حتى الانتهاء من أكل السردين.
* كاتب أورجواياني، ولد في مونتيفيديو في يوليو عام 1909، وتوفي في مدريد في مايو عام 1994، ويُعد أونتيني أحد أبرز كُتاب اللغة الأسبانية -في أورجواي- في العصر الحديث، وقد عاش سنواته الاثنتي عشرة الأخيرة معتزلا العالم، وعبر عن عالم أمريكا اللاتينية برواياته وأعماله التي اخترع لها عالما خاصا أسماه عالم "سانتا ماريا".
|