القاهرة 20 يوليو 2022 الساعة 03:42 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
شهد الفن المصري القديم تطورا ملحوظا مع قيام الثورة الثقافية الكبرى علي يد أمنحتب الرابع أو ما يعرف باسم أخناتون، المؤسس لعقيدة جديدة وهي عقيدة التوحيد، ولم يكن ذلك فقط بل أيضا مجددا واعيا في شتى مجالات الفنون، ونستطيع أن نقول أن أخناتون قدم رؤية جديدة للفنون حتى أن كبير نحاتيه "بيك" من شدة إعجابه برؤية مليكه أضاف إلى ألقابه "تلميذ صاحب الجلالة.
عرف فن أخناتون أو مرحلته باسم "فن العمارنة" وهو أسلوب اتبع أثناء فترة حكم أخناتون نحو 1351-1334 ق. م خلال الأسرة الثامنة عشرة، ورغم أن الفن المصري لا يعرف بالتغيير فقد كان أسلوب العمارنة مختلفا،
ويقول أرنولد هاورز في كتابة الفن والمجتمع: "ومن الواضح أن ما يدين به الفن له -يقصد أخناتون- وما تعلمه الفنانون عنه، إنما كان حبا جديدا للحقيقة، وحساسية جديدة ورهافة شعور يؤديان إلى نوع من الانطباعية في الفن المصري، وكان تغلب فنانه على الأسلوب الأكاديمي الجامد متمشيا مع صراعه هو ضد التقاليد الحرفية الفارغة العقيمة في الدين، وبفضل تأثيره حلت محل النزعة الشكلية السائدة في المملكة الوسطى نظرة دينامية طبيعية في مجالي الدين والفن، تشجع الناس على أن يجدوا متعة في الاهتداء إلى كشوف جديدة، وأصبح الفنانون يختارون موضوعات جديدة غير مألوفة، ويحاولون أن يصوروا الحياة الروحية الفردية الباطنة، بل يحاولون فوق ذلك أن يرسموا صورا شخصية تحمل معاني التوتر العقلي، والحساسية المرهفة، والحيوية التي تكاد تصل إلى حد العصبية غير العادية. وقد بدأت تظهر لديهم البوادر الأولى للمنظور في الرسم ومحاولات لتكوينات جماعية أكثر تماسكا، واهتماما بالمظهر الطبيعي" وغيرها من الأسس الفنية الجديدة التي سردها هاورز.
ومن الواضح من الدراسات التي أجريت على أخناتون أنه لم يكن مجرد ملك تجرد من لقب إله ودعا إلى التوحيد وفقط، بل أنه كان أيضا فيلسوفا وهو الأمر الذي انعكس ذلك على فنه الذي سقاه بشكل مباشر إلى فناني عصره، فأخناتون يقول في إحدى الجداريات: "عيوني مقتنعة يوميا برؤياه، عندما يتضح للعقل في بيت آتون ويملآنه بنفسه الخاصة بواسطة إشعاعاته".
وفي دراسة بعنوان الأسس الفكرية لمظاهر التحرر من القيود الفنية وجمالياتها في فن العمارنة (دراسة تحليلية) نشرت مجلة الفنون التشكيلية والتربية الفنية – المجلد الثاني – العدد الثاني– يوليو 2018 م يقول الباحثين: بسمة منير، د.سعاد حسن، د.نبيل عبد السلام: "كان أخناتون صاحب آراء جديدة ومغايرة في الفن، وكان يوضح اتجاهاته الفنية ويدعو الفنانين لتطبيقها بإشراف شخصي منه. ومن أبرز ما اهتم به في الفنون هو البعد عن المثالية الشديدة التي كانت متبعة فيما قبل خاصةً عند تصوير الملوك. حيث كانت نسب الأجساد مثالية وتظهر القوة والصلابة والرسمية الشديدة. وجاء أخناتون فكان صاحب اتجاه واقعي في الفن يميل إلى المبالغات في بعض الأحيان ويتسم بتصوير الحقيقة ومظاهر الحياة كما هي بطبيعتها، مع الميل للخطوط اللينة والرشيقة".
كيف انعكست أفكار أخناتون على جماليات الفن الآتوني؟ إن طبيعة أخناتون وأفكاره وثورته الدينية المفاجئة التي تفاعلت مع الظروف المحيطة به نتج عنها عدد من التغيرات في شكل الفن وسماته، وكان لها تأثير تحرري دفع بالفن إلى ثورة موازية للثورة الدينية، ولكنها كانت ثورة على التقاليد الفنية الجامدة والمثالية مع الاحتفاظ ببعضها التي لم يمسها تغير كبير. فإن سمة التحرر في (الفن الآتوني) تولد عنها العديد من الجماليات التشكيلية؛ هي سمة بدهية للغاية بالنسبة إلى حقبة فنية عاصرت حركة ثورية دينية كبيرة، يقودها ملك فيلسوف متحرر مثل (أخناتون). وهي لم تعاصرها فقط، بل كانت أيضاً بمثابة أداه لتلك الثورة.
ويبدو أن أخناتون قد جاء بثورة فلسفية ودينية وفنية واجتماعية، حتى أن منازل الكهنة والطبقة العليا في عصره كانت تتشابه أيضا في عمارتها مع منازل الطبقة الدنيا، وبالطبع اختفت المعبودات القديمة من على الجدران.
ولكن وبعد انتهاء عصر أخناتون، عاد الفن المصري القديم لسابق عهده بعد أن كان لطبقة الكهنة دور كبير في إنهاء تلك الحالة الدينية الجديدة، ولكن بقيت أفكار أخناتون في الفن المصري القديم جلية وواضحة حتى أن فنه أصبح يسمى فن العمارنة.
|