القاهرة 05 يوليو 2022 الساعة 09:00 ص

بقلم: خالد وفائي
"إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ". يوحنا الرسول.
منذ أيام كان عيد ميلاد المخرج الكبير خيري بشارة الخامس والسبعين، وبهذه المناسبة هناك ملمح أود أن أشير إليه فيما يخص سينما خيري بشارة، وهو المخرج الذي أعده مع سعيد مرزوق وحسين كمال، ممن أرى أنهم بحاجة إلى تقدير بشكل أكبر لتأثيرهم في السينما المصرية، وخاصة خيري بشارة الذي بدأ مشواره بسينما تتشابه مع باقي مبدعي جيله، ولكنه تمرد فيما بعد على السردية ولغة الصورة والشكل النمطي لهم، ليقدم سينما واقعية مغايرة تخصه هو فقط، وذلك منذ فيلمه "كابوريا"، ليحكي ويسرد عن شخصيات مهمشة لم يتناولها أحد من قبله، ويغير جلده تماما، حتى أنك ربما لن تصدق أن الذي أخرج فيلم "الطوق والأسورة" هو ذاته مخرج فيلم "آيس كريم في جليم".
ولكن هناك ملمح في شريطه السينمائي أكاد أجزم أنه يتكرر في معظم أفلامه، وهو طقس "الاعتراف"، والاعتراف أصلا هو ركن مهم في الديانة المسيحية، الاعتراف للكاهن الذي يكون شاهدا أمام الرب على خطايا وزلات الإنسان وضعفه، ليتطور مفهوم الاعتراف فيما يسمى بأدب الاعتراف، منذ أول اعترافات للقديس أوغسطين، ليتطور المفهوم بشكل أكبر في كتابات جان جاك روسو وأوسكار وايلد ومكسيم جوركي، ونجده في الكتابات العربية عند محمد شكري في الخبز الحافي، ولكن يجب الإشارة إلى أن الاعتراف يختلف عن السيرة الذاتية؛ لأن الاعتراف أساسه التطهير والإقرار بضعف وزلات الإنسان وخطاياه الناتجة عن ضعفه، فهو أقرب لغسيل الروح وتطهير النفس الإنسانية، وليس بالضرورة أن يكون في إطار لاهوتي أو ديني، كما لا يُشترط أن يكون الاعتراف ناتجا عن خطيئة إنما هو نتيجة لضعف النفس البشرية التي تعد هي المسبب الأول للخطيئة، أما السيرة الذاتية فمن الممكن أن تزخرف ببعض المثالية المزيفة.
وقد اخترت أربعة مشاهد من أفلام خيري بشارة لأربع شخصيات من أبطاله يعترف كل منهم بضعفه واحتياجه وزلاته وخطاياه..
شخصية "حمامة" في فيلم "حرب الفراولة" الذي يعترف لأمه التي ماتت بحبه لفردوس، وأنه فرط فيها رغم حبه، ومدى إحساسه بالضعف..
شخصية "سيف" في فيلم "آيس كريم في جليم" الذي يعترف لأصحابه بإحساسه بالفشل والعجز وضياع حلمه مع مرور الزمن..
شخصية "عايشة" في فيلم "يوم مر ويوم حلو" التي تبعث برساله للإمام الشافعي تشكو زوجها الذي مات وتركها تعاني من قلة الحيلة والضعف أمام ابنها الصغير الأقرب لقلبها..
وشخصية "دكتور فؤاد" في فيلم "أمريكا شيكا بيكا" الذي اتهمه "المنسي" بالخذلان ليعترف فؤاد أمامه بضعفه وأن ظاهر الأمور غير بواطنها..
الأبطال كلهم يبكون في النهاية، وكأن الدموع هي تطهير للنفس.
كما نلاحظ أن هناك شخصيات أخرى في ذات الأفلام المذكورة لها مشاهد للاعتراف، ومشاهد أخرى في أفلام بشارة المتعددة نجدها تتضمن نفس الملمح مثل أفلام "قشر البندق" و"كابوريا" وحتى "الطوق والإسورة"..
كل سنة وخيري بشارة طيب وبخير ومتجدد وملهم وقابل للاكتشاف.




|