القاهرة 05 يوليو 2022 الساعة 08:54 ص
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
كيف حالك؟! حتما بخير..
مر أسبوع آخر حافل بالأحداث، تمر علينا لحظات نفكر بها أكثر مما ينبغي، فنفسد كل شيء، هذا ما حدث معي مؤخرًا!
شب خلاف عنيف بيني وبين أحدهم. فقدت سيطرتي على أعصابي وتفوهت بما لا يصح. تخليت عن رزانتي وأصبحت فريسة لغضبي. وهكذا تطور الأمر يننا واشتعل الموقف على غير العادة.
تساءلت ما الذي حدث؟! و من هذا؟! وحتما راودته نفس الأسئلة؟!
ما تعجبت له حقا انه كيف لنا أن نفعل ما فعلنا...؟!
لم تكن المرة الأولى، لكنها أيضا كانت الأعنف الأقوى. الأصدم..!
صدم بي وصدمت به.
ثم، تناقشنا مجددًا، وتشاجرنا مرة أخرى، تعاتبنا وتجدد الخلاف..!
حتى قررنا التوقف عن التحدث حتى تمر العاصفة. حتى لا ينقطع حبل الود بيننا.
رغم أنني لا أظن أنه يمكن أن يتهدد بأي شكل كان، فمهما حدث نتخطى الأمر ونزداد تفهما، وتقاربا مع الوقت.
لا أخفي عليك أننا كلما تشاجرنا، يتملكني خوف وهمي، وأظننا على الحافة وأننا على شفا قطع الأواصر التي يفصلنا عنها شعره..!
لأجد أن الله يمن عليه بحكمة في التصرف، فتمر العاصفة والأجمل أننا ننسى ما حدث تمامًا وكأنه لم يكن...!
لا أخفي عليك أني أتضايق كثيرًا من إصداره لأحكام مسبقة، قد نكون مقربين حد الالتحام لكن هذا لا يعطيه المبرر لوصفي بعدة أوصاف ويعدد مساوئي، ناسيا أننا بشر وحتمًا لسنا مثاليين. هو ذاته ليس كاملا، بالرغم من أنني أراه العالم بأكمله خلق خصيصًا لي، وأعتقد أنني خلقت له.
لست أدري لماذا فعلنا ما فعلنا..!
قطعًا ما حدث ترك أثرًا كبيرا، لا سيما هو..!
ما حدث لفت نظري أننا نفتقر للعديد من الأمور المهمة، التي بدونها لا تستقيم الحياة، ويتهدد استقرار الأسر والعلاقات.
أريد أن يتعلم الآخرون ثقافة الاختلاف وثقافة الالتقاء وتصويب الخطأ بل والاعتراف بالخطأ..!
ثقافة الاعتذار.
لماذا لا نعترف أننا أخطأنا بحق المقربين، لماذا نعتبر الأسف إهانة، بل وتعدي على الكرامة..!
وهل توجد كرامة بين الأحباء بين أفراد الأسرة الواحدة..!
يبدو أننا نفتقد للعديد من الأمور التي كانت من البديهيات وألف باء علاقات إنسانية..
عزيزي عمر خورشيد..
مررت من مجمع سكني تجمع حولنا كلاب المنطقة يلعبون معنا، فوجئنا برجل في أواخر الأربعينيات يهبط من سيارته ويتحدث معنا بغضب يحاول كتمانه.. تركته يتحدث ويجادل من معي وأترقب بصمت، حتى وصل النقاش لطريق مسدود. تدخلت منهية الحديث قائلة: حسنًا.. نعتذر، أعدك ألا نطعمهم إلا في الأماكن البعيدة عن مدخل المجمع السكني.. بل سنتوقف عن إحضار الطعام إليهم إذا أردت..!
قال الرجل بخجل، لا أقصد ذلك.. أطعموهم، لكني أعدد مساوئ وجودهم..!
سألته وما الحل من وجهة نظرك؟!
أخبرني أن لا حل سوى أن يتم ترحليهم من المكان..!
أخبرته أن هذا حل يستحيل تنفيذه، وأن هناك آخرين ينتظرون خلاء المكان ليسكنوا محلهم، وأن هذا يدعي التوازن البيئي، وأن تواجدهم يفيد، وأن.. وأن ..
هدأت نبرة الرجل الغاضبة، لكنه أعاد الكرة، وعلى وشك إعادة ما قاله منذ قليل، فقاطعته بحزم قائلة: حسنًا.. نكرر اعتذارنا وسنبحث مع المهتمين بالأمر بخصوص ما تفضلت واقترحت..
وغادرنا المكان وسط حالة سخط من مرافقي الثائر..!
لماذا لم تعامليه بالمثل، لماذا تركتي له اليد العليا في الحديث؟!
ولماذا.. ولماذا..؟
ابتسمت قائلة: لأن من نحب ضمن نطاق سيطرته، وحوله! لأننا الطرف الأضعف في الحلقة، لدينا ما نخشى فقدانهم، لا يمكن أن أبدي غضبي أو تذمري مما قال!
لا يمكن أن أخبره أنه مخطئ في معتقده واقتراحه المستحيل التحقق، والذي لا يحمد عقباه.. وضحت له ما أريد، دون شجار، دون صخب.. أوصلت رسالتي بهدوء، وكياسة، وليس بعصبية وعناد.
عندما أقابل مثل هؤلاء، أتريث كثيرا، أضع نصب عينياي أن لديهم ما يخصني.. فمن السهل أن أبادله الهجوم والحُجة، والإساءة، بل من السهل تحديه والتعامل بندية، لكن وماذا بعد؟ من الخاسر في المعادلة؟!
هناك حسابات أخرى تتحكم بنا.. ولهذا أدعو الجميع للتريث وقت الغضب.. أدعوهم للهدوء، للبعد، للصمت، ألا ينساقوا وراء أي استفزاز..!
أرجو أن نتمكن من إتقان فن الاحتواء، فن الانحناء وقت العواصف.. أرجو أن نتعلم فن السباحة مع التيار وقت الثورة وارتفاع الأمواج..
لا تتركوا أنفسكم للعواصف الحياتية، لأن هناك خسارات يستحيل تعويضها والعاصفة تكسر، تحطم. هناك أشياء تنكسر للأبد، لا يمكن ترميمها..
لأنه حتى ولو تم إصلاحها ستكون مليئًة بالشروخ والندوب التي ستبقي للأبد..
لا تكونوا سببًا في ندوب وشروخ الآخرين، كونوا ذوي أثر طيب فيمن حولكم.. اجعلوهم يتحسرون على فقدانكم لا أن يتمنون رحيلكم..
لا تنسوا أن الغضب لحظات قد تؤدي لفوز مؤقت، فأنا الأقوى، أنا صاحب اليد العليا، وحدي على صواب، وحدي أفهم وأنتم لا..
لكن لا تنسوا أن تضعوا نصب أعينيكم مقابل هذا الفوز المؤقت، خسارات ممتدة، وحياة وحُب لا تعوض..
لابد أن نتعلم أنه لا يجب أن نخرج من أي نقاش منتصرين..
لابد أن ندرك أن هذا ليس هدفا، على الأقل بالنسبة لي، لم أعد بحاجة لإثبات صحة وجهة نظري بقدر إيصال الرسالة من خلال الحديث.. والأمر متروك لك.. عندما تهدأ ستدرك أنه ربما كنت على صواب..!
حاورهم بالتي هي أحسن.. مبدئي في الحياة، وأتمنى أن يكون مبدأنا جميعا لا سيما مع من نهتم لأمرهم..
أتمنى أن ننتبه إلى حقيقة أن الغضب لا يولد إلا العناد، والعناد لا يؤدي إلا إلى الخسارة، فأحرص على ألا تغضب.
عزيزي عمر خورشيد..
نحتفل هذه الأيام بذكرى عزيزة، وغالية على قلوبنا، ألا وهي ذكرى العبور، عبور مصر وشعبها من دعاة الظلام للنور.. "ذكرى 30 يونيو"..
أريد أن نحتفل طيلة هذا الشهر بهذه المناسبة العظيمة شأنها شان شهر أكتوبر، فانتصار أكتوبر يضاهي ما حدث في 30 يونيو قوة وأهمية، مصر عبرت القناة وحطمت خط بارليف وانتصرت في أكتوبر، ونحن بشعبنا وجيشنا وقيادتنا الحكيمة عبرنا بها من النفق المظلم.
أتمنى أن نبث خلال هذه المناسبة وأي مناسبة وطنية على شاكلتها أفلام أكتوبر والأغاني الوطنية، فلهذه الأفلام دور كبير في ترسيخ حب الوطن.. نشئنا على مثل هذه النوعيات من الأفلام التي شكلت وجداننا.. وأثرت بنا لا سيما رصاصتك التي أطلقها واستقرت في القلوب.
لا أخفي عليك أنه في 30 يونيو عبرت مصر أصعب فترات حياتها في التاريخ الحديث، مرت بنا أيام عصيبة كلها خوف وترقب، لكن كنا على يقين أن الله يحميها، وأنها لن تضيع، بفضل دعوات قلوب أهلها الطيبين.. فسخر لها جنودها، الذين أنقذوها من براثن الإرهاب الأسود، بجسارة، وشجاعة وبلا تردد.
تذكرت هذه الأيام، وتردد في قلبي وذهني لحن رصاصتك الملحمي، لأجدني اطمئن وأرى مصر باقية وبهية ومنتصرة.. باقية بعقول شبابها الواعد وسواعد أبناءها الأوفياء.
لا أخفي عليك أنني كنت أرى الحزن.. نظرات الضياع والخوف في أعين الجميع، والسؤال الوحيد.. ما المصير المنتظر؟! هل انتهينا؟ أهذه نهاية تليق بنا؟
وقضى الله أمرا كان مفعولا.. وتوحد الشعب ونزل عن بكرة أبيه، وطالب بالتغير، وحقق مراده في أجواء احتفالية ونصر كبير..
ما ينقصنا فقط؛ انت وجيتارك ولحنك الملحمي في خلفية المشهد..
لقد عبرنا للنصر والمستقبل من جديد.. وياله من نصر عزيز وغالي.. دفعنا ثمنه باهظا من دماء شهدائنا وأبنائنا، وبقيت مصر، وستبقى، وسوف يرحل الجميع.. وسنرحل معهم..
هكذا الأوطان خلقت لتبقى، لتعيش للأبد برفقة رصاصتك ولحنك الذي أحب.
عزيزي عمر خورشيد..
لا يمكن أن يمر حدث عظيم مثل هذا بشكل روتيني، فقد احتفلت وأبنائي وأبناء أخي بهذه المناسبة السعيدة، وكأنها يوم ميلاد لأحد الغاليين، وكيف لا أفعل ومصر هي التي تحتفل؟!
أخبرتهم أن هذا اليوم مميز وخاص، لديكم كل الحرية في فعل ما تشاءوا..! برتوكول اتبعه أنا وأبنائي في المناسبات السعيدة.. لا مكان اليوم لأي ضيق أو حزن.. صاحب المناسبة لديه استثناء لمدة يوم واحد ليفعل أي شيء، ومهما حدث نتحمله، ونمرر ما يفعل بسعة صدر، وطيب خاطر..
يوم واحد فقط نتوقف عن العتاب، عن اللوم، عن التربص ببعضنا البعض.. يوم واحد فقط في العام نجعله مميزًا بسعادة ونقضيه بمرح مع من تأتلف له الروح والنفس..
يوم واحد كل عام نجتهد أن نجعله أجمل، حتى ولو كان وقعه ثقيلا، ففيه نحتفل بانقضاء عام وبداية آخر..!
لست أدري لماذا يتغافل البعض عن هذه الأمور الصغيرة، التي رغم صغرها إلا أن لها أثرا كبيرا..
يبدو أن مجتمعاتنا بحاجة للعديد من الأمور لإعادة التثقيف، لا سيما العلاقات الخاصة، والأسرية بشكل عام.
عزيزي عمر خورشيد..
هاتفتني صديقة الممر لأنني وعدتها باللقاء وتخلفت عن الحضور. مجرد سماع صوتها المبهج يرسم البسمة على وجهي. تخبرني أنها تفتقدني وأن هناك ما كنا سنتحدث عنه.
لا أخفي عليك حقا هي مصدر سعادتي، هي ومن يحبك ويحب لحن رصاصتك الأبدي.
أحاديثنا مختلفة، ضحكتنا مختلفة. محظوظة أنا بوجودهما في حياتي، أخبرتني أنها ستناقش رسالتها أمام لفيف من العلماء. حمدت الله أنني لست من الحضور وإلا فسد الأمر تماما. يكفي أن تلتقي العيون فنتذكر أي شيء بيينا، فنسقط فريسة للضحك فتنسى ما ستقوله.!
بثتني مخاوفها وأيدتها في ذلك. لأجدها تخبرني أنها ستبتكر نوعا جديدا من العلاجات النفسية. ألا وهو العلاج بالضحك. كم أود أن يقابلها كل من اهتم لأمرهم. يكفي أن يشعروا ببهجتها وحدسها الذي لا يخيب. أريدها أن تقابل أمي لمدة عشر دقائق فقط. أريد أن تنتقل لأمي جرعة تفاؤل مركزة. المزيد من السعادة التي تنثر عبيرها في كل مكان تذهب اليه وعن طيب خاطر.
عزيزي عمر خورشيد..
تود صديقة الممر أن تتعلم العزف على الجيتار بسبب حبها لك مثلي. أعتقد أنكم ستكونون فريقا مميزا، أنت بحضورك الطاغي، وهي بجاذبيتها وروحها وشخصيتها الخاطفة للقلوب.
عزيزي عمر خورشيد..
لابد أن يتم تعميم لحن رصاصتك الأبدية، لابد أن نجبر الجميع على الإنصات إليه.. بأرواحهم، حتى يشعروا بقيمة الوطن، والحياة، والحُب، بل بقيمتهم هم أنفسهم..
لست أدري ماذا أفعل غير ذلك..؟!
يبدو أنني يئست من محاولات توزيع السعادة واقتسام الفرحة مع العالم..!
رغم أن هذه المحاولات الدؤوبة، أتت بثمارها مع المقربين مني.. انتقلت إليهم عدوى السعادة..!
حادثتني إحداهن، أخبرتني أنها تذكرت إحدى أحاديثي معها وباتت الابتسامة وكأنها مطبوعة في ملامحها.. يحادثها المحيطون في أمور جادة وهي تقابلهم بالابتسام..! يخبروها بهموم وهي تبتسم.. أخبرتني أنهم حتما ينعتوها بالمعتوهة.!
أخبرتني أنها لن تسمح لهم أن يتغذوا على لحظات الفرح القليلة التي عثرت عليها.. راقني إعادة تقييمها للأمور .. راقني أنها عثرت عما يسعدها ..
مازلت عند رأيي أنني أتمنى أن يخترعوا عقارا للسعادة، علنا نقضي على الحزن، علنا نتمكن من رسم البهجة والبسمة على الوجوه..!
عزيزي عمر خورشيد..
كن بخير، لأننا لن نكون بخير دونك، أنا ومن يحبك مثلي.. ولا تنس أن سر سعادتي، كون الميدالية ما تزال في جيبي، وجيب من يحبك.
وإلى لقاء..
|