القاهرة 05 يوليو 2022 الساعة 08:52 ص
قصة: د. محمد سمير عبد السلام
الغبار الكثيف يحيط بوجوهنا، وأقنعتنا الزجاجية التي تتدافع وتتداخل وحدها في الهواء؛ أقنعة لدببة، وأسود، وقطط، وغربان، وووجوه سمينة مبتسمة، تخفي وراءها جماجم زرقاء تتناثر فيها أوراق ورد قرمزي، تتكاثر الأقنعة ممزوجة بالضحكات الساخرة، الصرخات، والأصوات العميقة التي تحاكي الهواء في لقائه بحوائط الكهوف، ويبرز من بينها قناع لرجل تتسع عيناه تدريجيا وتحيطهما أوراق شجر وشموع، وسيوف صغيرة، نقيم حوارا صامتا طويلا معا، وتتسع عيوننا جميعا في دهشة حين يعلو الضحك، أو الصراخ، أو الزئير، أو حين يستبدل القناع بآخر، أو حين نكتشف أننا دخلنا لعبة جديدة، أو مسرحية هوائية أخرى.
-أهي رقصة أم معركة؟
صوت مجرد عميق لرجل، يأتينا متلهفا من مكان ليس ببعيد:
-أسرعوا، أغلقوا البوابة الخشبية الكبرى، أشعر بأقدام ديناصور كبير، وبأجنحة ديناصور طائر آخر.
يزاد تدافعنا الآن في قوة، نختلط، نتماذج، نرقص في تيه الغبار، ونستمع إلى أصوات متعالية لاحتكاك أقدام الصراصير بالورق، والأخشاب، نستمع إلى ضجيج أقدامك أيها الديناصور الكبير.
أين أنت؟
هل صرت هوائيا؟
أم نغمة ذات مخالب كبرى بداخلنا؟
نشعر الآن بمجالك دون أن نراك، أنت الآن ضحكة هستيرية كبرى تتشكل في الهواء في خطوط، ومنحنيات ذات كتلة كبرى تعلو بداخلنا تدريجيا كسكين أحمر تتوسطه دائرة سوداء.
لم تتعقبنا، وتراقصنا أيها الصوت؟
هل تدفعنا للهروب باتجاه ذلك الكهف البعيد؟ أم إلى تلك الدائرة المضيئة المطلة على سحب بيضاء هادئة فيما وراء تلك الفتحة الهوائية البهيجة التي تقع وراء ذلك الكوخ؟
في حلمنا الثالث، تتشكل أمامنا بقايا عيون، وأطراف أقنعة تشبه عمالقة فاجنر، ورؤوس بجع تصرخ، أو تغني، تطلق أغنية تبدو مثل أعين حادة تطير في الهواء، وتواجهنا، وتتعقبنا من الجهة المضادة لمجالك أيها الديناصور.
ما هذه الأصوات المعدنية الإلكترونية؟ أهي أجنحتك الخفية أيها الديناصور الطائر؟ هل تشعر بصوت المرأة الحاد المجرد في رأسك؟ أم أنه يولد، ويبعث في رؤوسنا، وأقنعتنا الزجاجية الفزعة المرعبة؟
أتسخر منا؟ أم تدفعنا نحو دائرة المياه الساخنة الصاخبة المعلقة وحدها في الأفق وسط زهور ليلك بنفسجية تشبه أقنعة الدببة، والتماسيح، والصقور؟
من يحيطنا الآن بضربات سيمفونية زرادشت لشتراوس؟ أتخرج أيضا من أجنحتك أيها الطائر؟ أم أنها انتشار لأعينك الهوائية الأخرى في الهواء؟
إنها تتصارع الآن مع نغمات الكمبيوتر الإلكترونية المتداخلة ..
تتصارع
تتفكك
تتصل بدواخلنا بأوتار تشبه أوتار العود، أو الكمان، أو خطوط رمال الصحراء، تمر بأقنعتنا، وببقعة المياه الساخنة التي بدأت تتحرك مسرعة نحونا من الجانب الآخر.
أصوات كثيفة لمعركة تتدافع فيها أقدام الجمال، والخيول، والفيلة، والدببة، تحيط بنا مختلطة بصخب ملهى ليلي، تعلو فيه أصوات أوراق الكوتشينة، والزجاج، والأطباق، والضحكات النسائية، تتوسطها صرخة حادة لامرأة، يحيطها كمان ناقص به بقع غبار، وفراغ أبيض.
نحاول الآن الطيران فوق رقصة المرأة، وصرختها الحادة، ندور، ونتدافع لنشاهد لعبتك الأخرى أيها الصوت عبر شاشة كبيرة خلفها جبل بنفسجي.
تأتيني فتاة ترتدي خليطا من أزياء غجر، وبحارة، وحلة فضية تشبه ملابس شخصيات ألعاب الكمبيوتر.
-أمازلت تسمعين تلك النغمات التي تأتي من المعركة أو من الملهى؟
-نعم، إنها تشبهني حين أضحك أو أصرخ هكذا..
تضحك
يستطيل ضحكها فيما يشبه المربعات، والموجات، والدوائر، والخطوط المنحنية التي تغيب بداياتها ونهاياتها في الهواء، وبقع الفراغ الراقصة ..
تصرخ فجأة أمام قناعي:
-لم جئت إلى هنا، أنا لا أعرفك.
-أنا لا أعرفك أيضا يا فتاتي الجميلة، هل حملتنا الأمواج الهوائية إلى هذه البقعة؟
-ربما، ربما، لا أهتم.
-أترين؟
-ماذا؟
-موجة هوائية أخرى كبيرة تجري نحونا.
-نعم، نعم، ومحملة بأوتار كمان ممتدة في الأفق.
-تمر برشاقة بين الجبال والتلال.
-وتمر بجسد الجبل البنفسجي الشفاف.
-تعبرنا أيضا، وتعبر الشجر، وترحل.
|