القاهرة 29 يونيو 2022 الساعة 11:33 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
مصطلح فن ما قبل التاريخ أو Prehistoric art يعني كل الفن المنتج في الحضارات قبل التاريخية وقبل بدء الكتابة أو التدوين، وفي الفصول التي سبقت تحدثنا عن تاريخ ظهور الكتابة ومررنا علي الفنون بشكل عابر، ولكن الفن في تلك الفترة كان هو المعبر الأساسي عن الأفكار، من خلال رسم حيوانات وطيور وشخوص على جدران الكهوف وغيرها.
وفنون ذلك العصر ليست جامدة أو ثابتة، وإنما هي شكل حي متحرك يعالج مشاكل التعبير عن الواقع ويؤدي مهمته بدرجات متفاوتة من الإتقان، أي أن الفن استطاع أن يتجاوز بالإنسان العاقل المرحلة الغريزية الفجة.
ويقول أرنولد هاورز في كتابة "الفن والمجتمع عبر التاريخ": "إنه لا توجد أية موازاة بين فن ما قبل التاريخ وبين فن الأطفال أو فن معظم الشعوب البدائية الأقرب عهدا، ذلك لأن تصاوير الأطفال وكذلك الإنتاج الفني للشعوب البدائية المعاصرة تتسم بنزعة عقلية حسية فهي تكشف عما يعرفه الطفل الفنان البدائي لا عما يراه بالفعل، وهي تقدم للموضوع صورة تتسم بالتركيب النظري لا بالطابع العضوي البصري، وهي تجمع بين المنظور الأمامي والمنظور الجانبي أو المنظور من أعلى، ولا تترك شيئا مما يعتقدون أنه يستحق أن يعرف عن الموضوع وتزيد من مقياس ما له أهمية بيولوجية وعملية، بينما تتجاهل كل شيء لا يقوم بدور مباشر في سياق الموضوع مهما كانت روعته في ذاته".
ويبدو أن حرفية التصاوير للإنسان البدائي في عصور ما قبل التاريخ قد وجدت من أربعين ألف سنة في العصر الحجري القديم الأعلى مع احتمالية بدئها قبل ذلك بكثير، حيث اكتشفت في سبتمبر 2018 أقدم لوحة رسمها إنسان عاقل في التاريخ، وقدر العلماء عمرها ب 37 ألف سنة، أي أقدم بكثير من أدوات الرسم أو حتى اللوحات التي تقدر بتاريخ 40 ألف عام.
أما الفنون التي وجدت للإنسان المنتصب والتي يرجع تاريخها إلى نصف مليون عام فالعلماء لا يسمون هذه الآثار فنا على الرغم من النقوش المرسومة على القواقع، ولكن نستطيع أن نقول إن بداية الفن الحجري القديم بدأ في العصر الحجري الوسيط أكثر، بعد أن استطاع الإنسان أن يكتشف أكثر، ويستخدم يده أكثر، فكانت أعمال الفخار والتماثيل وأدوات الزينة، كذلك بدأ نحت الأحجار.
كانت المواد المستخدمة في ذلك العصر هي كل المواد التي استطاع الإنسان أن تصل يده إليها، مثل عظام الحيوانات وخاصة الماموث، الحجر الجيري، والصخور بأنواعها كافة، واستخدمت أحجار الصوان للنحت والتشكيل، وهي الأدوات البدائية التي شكلت أوائل المواد المستخدمة في إنتاج هذه الفنون.
ويبدو جليا أن الدين البدائي كان أساسا في تشكيل هذا الفن البدائي، مثل تمثال امرأة ويلندروف، وهو تمثال لامرأة يعتقد أنه كان يمثل الخصوبة في وقتها، حيث نحت التمثال يمثل أجزاء جلية واضحة لشكل المرأة.
أما أرنولد هاورز فينفي دور الدين تماما في فن هذا العصر، ويقول: فماذا كان السبب والغرض الكامن وراء هذا الفن؟ أكان تعبيرا عن الاستمتاع بالحياة؟ أم إرضاء لغريزة اللهو والتمتع بالتزيين؟ أكان ثمرة الفراغ؟ إلى آخر تساؤلاته ويستطرد هاورز:
إننا نعلم أنه كان فن لصيادين بدائيين يعيشون مستوي اقتصادي طفيلي غير منتج، كان عليهم أن يجمعوا غذاءهم أو يلتقطونه بدلا من أن ينتجوه بأنفسهم، أي أنه فن أنتجه أناس يعيشون في مرحله الفردية البدائية وفي أنماط اجتماعية غير مستقرة تكاد تكون مفتقرة إلى التنظيم، ولم يكونوا يؤمنون بآلهة أو بعالم آخر ولا بحياة بعد الموت، ويستكمل هاورز أن جميع الدلائل تشير إلى أنه كان أداة لأسلوب سحري، وكانت له بهذا الوصف وظيفة عملية بحتة تستهدف أغراضا اقتصادية، ولم يكن هناك عنصر مشترك بين هذا الفن والدين، فلم يكن يعرف صلوات ولم يكن يعبد قوي مقدسة.
واختلف مع أرنولد هاورز فالإنسان البدائي كان يقضي أوقات فراغه الكثيرة في التأمل ليحاول معرفة من الذي يسير الرياح ويسقط المطر، ويرجع ذلك إلى القوى الخفية، فبدأ يعرف الآلهة، ثم الإله الواحد، لذلك فالفن لا ينفصل عن الدين وخصوصا في هذا العصر، حيث كان كل شيء مبهما بالنسبة للإنسان، فاضطر إلى اختراع الفن واختراع الدين.
واللطيف في الأمر أن الإنسان البدائي عندما كان يرسم لم يكن يتقيد بعناصر الفن والظلال وغيرها، وإنما جاءت في مرحلة لاحقة بالطبع، ولكنه كان يرسم ما يراه بشكل مجرد، يصور بمعنى أدق، حتى لو كانت خطوطه البسيطة غير متسقة أو متناسقة إلا أنه ترك لنا فنا ثريا للغاية.
|