القاهرة 28 يونيو 2022 الساعة 07:33 م
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
لا شك في أن الكتابات الساخرة التي برع فيها أساتذة في هذا المجال، ولها جمهورها الذي يلجأ إلى قراءتها ليُسَرّي عن نفسه، ويرسم على شفتيه ابتسامة، عزَّ وجودها في عالم طاحن لا يترك للإنسان فرصة ولو بسيطة لالتقاط الأنفاس والراحة من عناء الحياة اليومية واللهث وراء لقمة العيش. أما الكتَّاب فيلجأون إلى هذه الكتابات ليبثوا خلالها ما قد يعجز بعضهم عن بثه في الكتابات الجادة نتيجة للتضييق على الحريات وخاصة حرية الرأي والفكر.
• المقامات النجارية
في كتابه" ابتسامات في المقامات.. المقامات النجارية " يقول لكاتب عبد العزيز عبد المجيد النجار:
بعض هذه المقامات أحداث جرت في الحياة، وبعضها سمعته فسطرته، احتوت على بعض المواقف السارة المضحكة، آثرت أن أسجلها، وقمت بكتابتها على صورة قصص، لكني راجعت نفسي وفضّلت أن أسردها على هيئة مقامات شبيهة بمقامات الهمزاني والحريري. ويُعرّف النجار المقامة بأنها حَدَثٌ به الخبر والعِبر، تتخلله البسمات والضحكات.
ولا ينسى النجار في مقدمته لكتابه هذا أن يذكر أن فن المقامة يكاد ينفرد به الأدب العربي في جميع آداب العالم، ويتساءل: لماذا نواريه ونطمسه؟
وعن كتابه هذا يقول المؤلف على ظهر غلافه الأخير:
إنها إطلالة على المقامات بما فيها من حكايات ونوادر وبسمات وضحكات، هذا الفن الذي درسناه وأعجبنا به، ولكننا كدنا أن ننساه، ولقد حاولت أن أقدم للقارئ في هذه المقامات متعة فنية مبتعدًا عن الألفاظ الغريبة. هذا ولقد زود المؤلف كل مقامة بأبيات من الشعر كما جرت العادة في كل المقامات، كما زود كل مقامة بلوحة مرسومة ملونة معبرة عن أحداثها.
• هات ما عندك هات
ومعلقًا على هذه المقامات يقول صبحي لبيب الحوفي: أ. عبد العزيز النجار، مقاماتك الظريفة أسعدتني، ولسردها المليح جذبتني، وبصدق مضمونها أعجبتني... فمن العمة طايلة ذات الشهامة والثبات، إلى العميد الذي نتعلم منه أحلى الصفات، ومن شيبة الحمد الذي يعلمنا أن الظلم ظلمات، إلى رجل اهتزت فرائصه لذكر الرسول عليه أفضل الصلوات، ونرى قصصاً من الخيال العلمي، ممثلة فيما جرى من الجن والحلاق الوهمي.ومن تمرية ثم قوقعية ثم كعكية وكنافية، نحس بها صوصوة في البطون، ومن نجارية مقلدية ثم إجرامية وأصيلية، نرى أن الحب أحلى من كل الظنون.وإما مقامات علمية ونفيسية، فبالعلم والخلق تمح كل الشجون. ويضيف الحوفي موجهًا كلامه إلى مؤلف هذه المقامات: هات ما عندك هات، هاته قبل الفوات، لتجعلنا نستمتع بأحلى القفشات واللفتات ونعيش معها أجمل الأمسيات.
• المقامة الكنافية
في مقامته التي يفتتح بها كتابه هذا ويسميها المقامة الكنافية، يقارن بين القرية العتيقة الضاربة بحضارتها إلى الحضارة الفرعونية الأصيلة العريقة وبين المدينة التي كان لها السبق في التقدم والحضارة، وفي الشوارع والعمارة وحسن الذوق والنظافة، وفي هذا يقول المؤلف:
حدثني صديقي المقدام، والفتى الضرغام، بعذب المقال والصدق فيما قال:
لم أكن أدري يا سيدي أن اختلاف المستويات الاجتماعية، هو فقط بين المدينة والقرية.ويسأل الصديق المقدام صديقه عن الكنافة، فيجيبه: نعم أعرفها وأتمناها، وأرقص والله طرباً لها وأنا أول من اشتهاها.ثم يختتم المؤلف مقامته هذه بقصيدة عصماء يقول فيها شاعر البطحاء:
وكنافة قد ذقت يوما طعمها
فمحت حلاوتها جميع سقامي
وافرنقع الحزن استحال سعادة
وانزاح همي وانتهت آلامي
لله درك يا كنافة أقبلي
وعلى الصواني إ ذ تُرَصُّ أمامي
كالشمس تسطع والصحون كواكب
مملوءة قد داعبت أحلامي.
مقامة الفطرة والبراءة
وفي ثاني مقاماته الضاحكة المقامة النجارية المقْلدية ويصفها بأنها مقامة الفطرة والبراءة يروي حكاية الانتساب إلى عائلة النجار أو عائلة مقلد، على لسان جدته التي تحكي فتقول إن عائلة النجار ومقلد كانتا متجاورتين في القرية، وتعيشان في الحارة معاً، لكنهما في نيْل السبْق في أي شيء تتباريان، ذلك بالرغم من أنهما جيران بل صهران، وفي نفس المكان يقطنان.أما في المقامة الكعكية فيروي المؤلف على لسان قريب له ما حدث في حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر من عبور للقناة، وصعود الساتر الترابي، ورفع العلم المصري شرق القنال، على الروابي والتلال، ثم اقتحام خط بارليف، بلا تأخير أو تسويف.
في المقامة التعليمية، وبعد أن يذكر أن كل تقدم للأمم يقوم على العلم والعلماء، يقول المؤلف: مرت على مصرنا فترة من السنوات، عم فيها الجهل والخزعبلات، وأصبح من يفك الخط هو سيد العلماء ونجيب النجباء. وبعد مرور السنوات يدرك أن المدرس إذا لم يكن ذا علم ومعلومات، فمَن يتخرج على يديه من الأجيال، يا لها من أجيال، إنها أجيال الجهل والتخلف والاضمحلال.
• مقامات أخرى
في الكتاب نقرأ أيضًا مقامات أخرى كالمقامة العفاريتية، مقامة الأصيل، المقامة الطائلية، التمرية، القوقعية، الإجرامية التجرمية، الشرطية، المجتمعية. وهكذا يواصل عبد العزيز النجار كتابة مقاماته هذه بأسلوب ساخر، ضاحك، بسيط وسلس، يصيب كل من يتعاطاه بنوبات ضحك متواصلة، بعد أن يكون قد استفاد معلومة ما.
|