القاهرة 28 يونيو 2022 الساعة 12:20 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
كيف حالك؟ أتمنى أن تكون بخير فأنت تستحق ذلك وأكثر.. يكفي أنك سبب في أجمل وأكبر وأغلى صدف حياتي.. فمن النادر أو من المستحيل أن تجد من يحبك مثلي ويحب رصاصتك التي صوبتها منذ عام 1974 فاستقرت في قلوبنا للأبد.. لم يخطر ببالي قط أن هناك من تشاركه أحلامه وحياته بنفس الوهج والشغف غيري.. لك العديد من الألحان الأخاذة الآسرة للقلوب، لكن يظل لحن رصاصتك الملحمي أجملهم، أقيمهم، أغلاهم على قلبي وروحي، فهو عنوان للنصر في كل مراحل الحياة وليست مشاهد العبور في الفيلم فقط.
ها هي الأيام تمر مجددا حاملة معها عبق العديد من اللحظات الجميلة التي ستحفر في الذاكرة لتمدنا بالعديد والعديد من الحُب والحياة..
هذا الأسبوع كان حافلاً بالأحداث المهمة على المستويات كافة..
على الرغم من أنني عاهدتك ألا اكتب إلا عما هو إيجابي ومصدر للفرح والسعادة، إلا أن هناك قضايا مهمة تمسنا جميعا فيتحتم علينا التعليق عليها حتى لا تتكرر، ربما كانت رسائلنا مصدرًا للوعي، لا سيما لتجنب تكرارها مستقبلا.. أوقن بذلك يكفي أن يزيل الرسالة اسمك ولحنك الذي أحُب ويحبه من يحبك!!
لا أتعجب الحقيقة من تقلبات الحياة.. فدأبها أن تجعلنا محلقين في السماء تارة، وتارة تجذبك لأسفل سافلين، تاركة إياك بمفردك تجاهد وتحفر بالصخر كي تتنفس بقايا من أمل وحُب وحرية..
فكلما زادت القيود زاد التوق للحرية.. اعتقد أن هذا ما حدث خلال هذا الأسبوع بما شهده من أحداث مؤسفة..فهذا يقتل زميلته بأسم الحُب وهذا ينهي حياته بإرادته موصيًا بألا يسير والده خلفه في آخر لحظاته على ظهر هذا الكوكب..!
وآخر يقفز من أجمل أماكن مصر العريقة، من الجزيرة، من برج القاهرة الأبية، منهيًا حياته بقفزة وكأنه اختار البرج ليكون موعدا مع الجنة، فالجزيرة من أجمل بقاع مصر خيط رفيع يربط بين القاهرة بصخبها وأجوائها الخانقة ومحافظة الجيزة بتراثها الأثري التاريخي.. فوجدت الجزيرة تلك الرقعة المليئة بالحدائق الغناء التي يحتضنها نهر النيل عازلًا إياها عن ضوضاء المحافظتين برقة وعذوبة..
كالعادة يفقد قلمي اتزانه عندما يكون محور الحديث أرضنا العزيزة مصر.. فهو مثلك عاشق لتراب هذا الوطن بكل ما به من تناقضات وحيرة وحُب. ربما هذا سر تميز هذا الوطن وهذا الشعب ونحن وأنت ذاتك!!
لغز سيظل يحير الجميع على مدار التاريخ...!
ثلاث حالات قتل مفزعة حدثت في أسبوع واحد! بل تكاد أن تكون في يوم واحد! لن أبحث عن مسببات ولا مبررات لما حدث وقد يحدث مستقبلا!
لا أخفي عليك لاحظت أن هذا الجيل يعاني من خيبة أمل كبيرة، يواجهون ضغوط تفوق أي احتمال.. بفضل التكنولوجيا التي تزيف الواقع بشكل كبير التي تزرع فيهم اليأس والهم والحزن والإحباط. تتفنن في تسليط الضوء على توافه الأمور، مهمشة الخير والطموح والنجاح والسعي خلف الأحلام والإصرار عليها والتمسك بآخر ضوء ينير نفق الحياة.
يساعدهم في ذلك وسائل الإعلام، وصناع السينما الذين يسلطون الضوء عما هو أسوأ وليس سيئا فقط!!
بالبحث ومزيد من التقصي اكتشفت أن هذا الجيل يفتقد لذويهم، للتواصل الأسري.
فالتكنولوجيا فرضت عليهم عزلة سحرية.. فهم أسرى الهواتف الذكية.. أظنهم بحاجة لإغلاق كل هذا الصخب ليوم واحد على الأقل، سيلاحظون الفرق حتما.!!
أتمنى أن تغلق الحكومات الهواتف عدة ساعات يوميًا- للراحة- بقرار حكومي حازم!!
حل قد يبدو خياليا لكنه ليس مستحيلا أيضا!
فنحن في حاجة للجلوس معًا -للشعور بالأجواء الأسرية التي نفتقد.. نحن في حاجة أن نستمع لبعضنا البعض، أن نمازح بعضا، أن نعبر عن حبنا، وسخطنا وجها لوجه، وليس من خلال شاشة، مرددين نكات الآخرين، مرتدين ثوب المثالية والاستقرار ونحن أبعد ما نكون عن ذلك...!
فهل من مجيب؟.. لا أظن..!
هذا الجيل بصورة خاصة يحتاج لمن ينصت إليهم لا من يلقي عليهم تعليمات وأوامر..
شاركوهم همومهم ولو كانت تافهة، فما تراه تافهًا، قد يكون عظيمًا أمامهم.. تحملوهم باندفاعهم.. بعنادهم.. دعوهم يقنعوكم بوجهات نظرهم حتى يدركوا أن لوجودهم معنى.. حتى ولو كانوا على خطأ ،من حقهم أن يعبروا عما بداخلهم.. من حقهم أن يخطئوا حتى يدركوا قيمة الصواب.. دعوهم يجربوا ويفشلوا، فنحن لم نقف وننجح على طول الخط، سقطنا وأحبطنا وواصلنا التجربة حتى نجحنا والتقطنا أول طرف خيط الأحلام..
تخلوا عن مكانتكم ووقاركم للحظات، وراقبوهم جيدًا ، اصطحبوهم في جولات حرة، اجلسوا معهم على المقاهي، تأملوا ملامحهم.
لا تجعلوا العلاقة التي تربطكم بهم هي المادة فقط.. فالنقود ليست السبيل الوحيد للقضاء على الإحباط واليأس وهشاشة الأنفس.
ما يحتاجونه حقًا هو احتواء المقربين، ألا يتركوا أنفسهم في مهب الريح تفعل بهم ما تشاء. لا تدعوا الحياة تفعل ما تفعله باستسلام، تعلموا فن الانحناء عندما تشتد الرياح وتعلو الأمواج، تعلموا فن التجاوز ازرعوا فيهم فن التخطي وتصغير الأمور فكل شيء مهما عظم هان بفضل الله وحوله وقوته.
علموهم فن المقاومة والوقوف بعد الانكسار والخذلان.. فكل سقطة درس وكل خذلان قوة.. لو بيدي كنت مررت عليهم فردًا فردًا وجعلته ينصت للحن رصاصتك الأبدية،
لكن بقلبي وروحي كي يدركوا أن هناك أرواحا معلقة بهذا اللحن الساحر، وان هذا اللحن أنقذها من السقوط وكان سببا في تحقيق ما ظنناه مستحيلًا يومًا، لأنه ببساطة عنوان للفرح.. للنصر.. للغد.. للحُب!
أخبروهم أنهم مصدر للنور في حياتنا، أشعروهم بقيمتهم وقيمة وجودهم بيننا.. أثبتت التجارب الحياتية أنهم بحاجة للاحتواء الإنساني وليس لتلبية رغباتهم المادية فقط!
شجعوهم، ادعموهم لا تكونوا جلادين في حياة أغلى ما لديكم، عبروا عن محبتكم لهم، اغمروهم بالحُب والحنان والعطاء لا تشعروهم أن مشاكلهم عظيمة بل اجعلوهم يشعرون أنهم الأعظم من كل شيء، وأي شيء.
علموهم دعاء يقولونه في لحظات اليـأس والإحباط أخبروهم أن الحياة دونهم جحيم مستعر..
أخبروهم أنهم النفس الذي نتنفسه وأنهم نبض القلب، بدونهم تتوقف الحياة، أخبروهم أن كسر الأفئدة ليس بالهين، وأن دموع الأهل عزيزة، وغالية تحرق الأخضر واليابس وليست الأفئدة فقط.
لا تفعلوا ما يحرق قلوب أمهاتكم فدموعهن غاليات.. دعها نصب عينيك قبل أن تقدم على أي أمر بفعل اليأس.. فالعديد منكم لا يعلم أن الأبناء في حياة الأمهات هم العوض الجميل عن سوء الاختيار!
هم الحلم -هم كل شيء- دونه تتوقف الحياة تمامًا.. وتبهت الصورة.
أخبروهم أن الحياة جميلة، بالرغم ما بها من إحباط وانكسار ربما سر جمالها هذا الخليط الذي لولاه لما كان لأي شيء بريق!
أخبروهم أن العمر لحظة!
لحظة سعادة بالعمر كله، ولحظة حزن تمر كالطيف، حتى ولو طالت مدتها قليلا.
الحزن وما على شاكلته عمره قصير!
خلقه الله هكذا، عكس كل شيء، كونوا على يقين أن اليأس والإحباط والاستسلام كله أصغر من أن يتحكم بنا وأن ينهي حياة مليئة بالحُب والحلم والحياة.!
كونوا على يقين أن الأحلام خلقت لتتحقق وأنها ستتحقق حتى ولو بعد حين..
تعلموا فن التمسك بالحياة؛ لأن الحياة مليئة بالمفاجآت، التي لا نهاية لها والتي لابد أن تُعاش، مليئة بالتجارب التي لابد أن نمر بها، تأكدوا أن هناك أماكن جميلة لم نزرها من قبل من حقنا أن تطأها أقدامنا وأن نتمتع بها.. الحياة أمامكم بأكملها بما فيها من جمال وقبح فا لنركز على الجميل ونتجنب السيئ.. نطمح للأجمل وننحي الأسوأ!
نتجاهله حتى يخفت وينزوي للأبد.. بلا رجعة.!
تأكدوا أنه ما تزال هناك أحلام ممتدة لا نهاية لها.. فور أن يتحقق أولهم تستمر بالصعود والصعود إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعوًلا..
علموا أولادكم ألا ينظرون لغيرهم ألا يقارنوا أنفسهم بالآخرين.. فكل منا لديه ما يميزه عن ذويه المهم أن يعرف ما يتميز به.. وأن يطوره وأن يحقق ذاته.. تعلموا فن زرع الحلم وثقافة التفوق والتميز.. نحن أجيال تربت وفقا لتنشئة رتيبة تفتقر للعديد من الأمور والأساسيات وبالرغم من ذلك منا من استطاع تحقيق حلمه أو سعى إليه وتوقف لأسباب ما، المهم انه أدرك ما يميزه عن الآخرين!
هناك من حصر أحلامه في تأسيس أسرة وخلق جيل من العلماء ومنا سعى للتميز في مجال عمله ومنا من عاش يبحث عن حب حياته حتى وجده في قلب المحيط.. الأهم انه استمر بالسعي والبحث حتى وجده.. يكفي أن كلا منا وضع يده على مسببات السعادة الحقيقية في حياته.
علموهم أن السعادة من السهل خلقها، أخبروهم أن مسببات السعادة متاحة كل ما عليهم البحث عنها وإيجادها..!
علموهم الأنانية فالأنانية في حب النفس محمودة.. من حقك أن تستقطع من يومك بضع دقائق تتنعم فيها بسعادتك الخاصة.. التي تعيد شحن طاقاتك حتى تتمكن من مواجهة الأيام و المستقبل.
لا ضير من حب النفس وقت الانكسار والحزن.
تأكدوا أن وجودنا على ظهر هذا الكوكب لهدف قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا اجتهد أن يكون وجودك إيجابيا قدر الإمكان.. حاول لن تخسر شيئا!
على الأقل تكون راضيا عن ذاتك- كونك حاولت ولم توفق.. يكفيك شرف المحاولة.. أليس كذلك؟!
عزيزي عمر خورشيد..
عشت يومين في حالة هدوء تام تحطم هاتفي وبت دون أية وسيلة للتواصل مر يومان بمنتهى السلام النفسي والهدوء مازحني ابني قائلا كيف حالك أيتها القادمة من العصور الوسطى؟!!
أخبرته أنني بأفضل حال، فلا أستطيع التواصل مع الآخرين يا له من إنجاز!!
رغم أن هناك من اهتم لأمرهم واحتاج للتواصل معهم لا سيما أمي بخلاف أن هناك عدة التزامات..لا يمكن تأجليها..
وترتبط ارتباطا تامًا بالتكنولوجيا!
اكتشفت أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل نوعًا من الضغط النفسي..
حمدت الله أن الهاتف تحطم أثناء هذه الأحداث المؤسفة، لست ممن يتتبع هذه الأمور، لكن ربما أتعثر فيها رغما عني من خلال أحدهم!
ذهبت لزيارة أمي، لعبت مع أبناء أخي، ابتكرنا لعبة ولعبتها معهم وانهزمت أمامهم بكل روح رياضية وسط أجواء احتفالية كبيرة تضاهي احتفالات كأس العالم لكرة القدم في أهميتها!
عزيزي عمر خورشيد..
مررت خلال هذا الأسبوع بحدث جلل آخر آلمني كثيرًا،
مرضت ابنة أخي بمرض مجهول، أعقبه عدة إصابات مخيفة وغير متوقعة. ليبدأ أخي -الأقرب الأحب إلي- الصديق رفيق الطفولة، أول من لعبت معه، أول من نطقت اسمه، أول من ارتكبت معه جريمة وعوقبنا بسببها في حياتي، صديقي الإنساني، صديقي في مغامرات الطفولة، أول من شاركني دفن كتكوت أحضره لنا أبي يوما، أعتبره أفضل ما فينا.. أطيب ما فينا.
بدأ رحلة كبيرة من العذاب في البحث عن علاج يناسب حالتها حتى وفقه الله واطمأن عليها.
ليعود النور لملامحه وتضيء البسمة روحه مجددا، بعد العديد من الشهور التي راقبته بها وهو ينطفئ وينزوي خوفًا على ما يحُب..
سأخبرك يوما عن قصتي أنا وأخي هذا..
عزيزي عمر خورشيد..
لا يمكن أن أنهي رسالتي إلا بعد أن أطمئنك أن الميدالية ما تزال في قلبي -وليست في جيبي كرصاصتك التي زينت جيبوبنا وأرواحنا... اطمئن فهي ستظل في قلبي وقلب من يحبك مثلي.. وللأبد.
وإلى لقاء.
|