القاهرة 26 يونيو 2022 الساعة 03:32 م
سألت طبيبي النفسي عن مدي تأثير التغييرات الفكرية على شخصية الإنسان؟ وهل هناك علاقة بين التغيير الفكري والمراحل العمرية للإنسان؟، وإذا كان هناك تأثير؛إلي أي مدى من الممكن أن يتغير فكر الإنسان؟ وما هي المجالات التي قد يطالها التغيير الفكري في حياة الإنسان؟ وهل هناك بوادر أو ملامح أو تمهيد مسبق ينذر بحدوث تغير فكري تظهر على شخصية الإنسان؟ أم أن هذا التغيير إن حدث يكون مفاجئا أو طارئا؟
أجاب صديقي الطبيب، قائلًا: "يا عزيزي إن الإنسان دائمًا يقع أسيرًا لما يقرأ، أما أن يتحدث به أو يكتب عنه، وإن حدث هذا يكون تأكيدًا صريحًا على حدوث التغيير الفكري في شخصيته"، ولكنه صمت للحظة، ثم عاد ليقول: "وهناك أناس يحدث لديهم التغيير الفكري ويظهر بشكل تراكمي، يكون ممزوجا بقدر كبير من التجارب والخبرات والقراءات، وهؤلاء يكون لديهم قدر من الحكمة، تنعكس على كل تصرفاتهم واختيارتهم العملية والعلمية والاجتماعية".
واستطرد طبيبي النفسي في حديثه وسألني: هل تعرف الفيلسوف وعالم الرياضيات والفيزياء الفرنسي "رينيه ديكارت" الملقب بـ(أبو الفلسفة الحديثة)، هذا الفيلسوف له مقولة شهيرة هي "أنا أشك فأنا أفكر؛ فأنا إذن موجود"، لقدر أثار هذا العالم الفيلسوف إشكاليات جدلية كثيرة نتيجة لنظريته ومنهجيته العلمية، فركز "ديكارت" على العقل كمنهجية لتشكيل المعارف البشرية، وأكد أن بدون العقل لا يمكن أو من المستحيل تحصيل المعارف البشرية، التي وضع لها عدد من القواعد وأوجب اتباعها في شكل منهج للوصول إلى ضالته، التي نقض بها منطق الإرث الفلسفي لـ"أفلاطون" و"أرسطو"، إذ إنه اعتمد على استعمال العقل كمنهج في أبحاثه الفلسفية، ولم يخضع للجمود الفكري المُعيق للتقدم الفكري في أبحاث أسلافه.
توقفت عن الاستماع لحديث صديقي الطبيب، قبل أن أشرد بفكري في هذه النُبذة الفلسفية العميقة، وسألته عن العلاقة بين ما كنت استفسر عنه وأفكار السيد "رينيه ديكارت"، فضحك الطبيب مع إيماءة برأسه المُثقل بالكثير الأفكار، ليقول:" العلاقة شديدة الصلة يا صديقي، ما جعل "ديكارت" يذهب إلي الشك هو تأثره بما قرأ عن أسلافه، فحدث لديه تغيير فكري، ونظرًا لما لديه من قدرات عقلية استخدم هذا التغيير في وضع فلسفة جديدة، وهكذا يحدث مع أي إنسان آخر، قد يتأثر بما يقرأ، فيحدث لديه تغيير فكري، ولكن ليس كل من يقرأ ويحدث له تغيير يصبح "ديكارت"!
سألته: ماذا تقصد يا طبيب؟، قال:" ليست كل القراءات صحية بالنسبة لكل الأشخاص، فهناك قراءات يجب أن يسبقها تمهيد ثقافي للشخص حتى يستطيع أن يهضم مايقرأه ويتفاعل معه بشكل علمي سليم، حتى لا تكون هذه القراءاة بمثابة سهم مسموم أصابه في عقله، فحذاري أن تقترب من القراءات التي تثير بداخلك الشكوك، وأنت تظن أنها سوف تحدث لديك التغيير الفكري الذي تسعي إليه".
فسألته، لماذا تحذرني بهذه الطريقة المخيفة؟، وكيف أحصن نفسي من إثارة الشكوك، فقال:"إن التغيير الفكري له تأثير مباشر على شخصية الإنسان، وهناك في بطون الكتب ما هو خبيث من الأفكار، وإذا كان القارئ لا يمتلك من البداهة والاستنباط ما يؤهله لكشف هذه الخباثة فسوف يقع فريسة لهذه الأفكار المسمومة التي سوف تثير داخله الآلاف من الشكوك، التي سوف تودي به إلى متاهة فكرية لا مناص منها".
|