القاهرة 26 يونيو 2022 الساعة 02:24 م

كتبت: إنجي عبد المنعم
• عبد الدايم: أجمع مثقفين العرب أن رحيل عصفور ترك فراغا كبيرا
• هشام عزمي: جابر عصفور صاحبُ مشروع الترجمةِ الأكبرِ من نوعه في العالم العربي
افتتحت صباح اليوم فعاليات الملتقى الدولي "جابر عصفور .. الإنجاز والتنوير"، وذلك في تمام الحادية عشرة والنصف صباحًا بمقر المجلس الأعلى للثقافة، حيث بدأت الدكتورة إيناس عبد الدايم كلمتها بأن عام 2021 أبى أن يمر دون أن يفجعنا بخبر شديد الحزن، وهو رحيل المفكر العظيم الدكتور جابر عصفور، لينهي بهذا الخبر رحلة طويلة لحياة مفكر من طراز فريد كانت حياته كثيرة الجوانب والتصنيف، فهو الأكاديمي، والمفكر البارز الذي أثرى المكتبة العربية بعدد وافر من كتب النقد، وهو أيضًا المترجم الفذ.
وعن القيادة قالت إننا لا نستطيع أن ننسى إسهاماته في العمل القيادي بوزارة الثقافة كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة، ومديرا للمركز القومي للترجمة، ووزيرا للثقافة، وقد استطاع في كل فتراته تلك أن يعطي دروسًا في فنون الإدارة، مشيرة إلى إجماع المثقفين على أن رحيل جابر عصفور سيترك فراغًا لن يشغله غيره، لذا لم يكن من المستغرب أن تأتي كل تلك الكوكبة من رفاقه وتلاميذه اليوم، والذين استشعروا فداحة الخسارة.
وأكدت عبدالدايم أن ملتقى اليوم ما هو إلا اعتراف وتقدير من وزارة الثقافة لمكانة وقيمة هذا الرجل، واعتراف بدوره في مصر والعالم العربي، وستبقى إنجازاته وبصماته في الساحة الثقافية خالدة على مر العصور تشهد لمسيرة عمل مشرف وعظيم.
وتحدث الدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة قائلًا: نجتمع اليوم لنحتفي بالأستاذ الدكتور جابر عصفور، تلك الشخصية المتفردة التي احتلت مكانةً خاصةً في الثقافةِ المصريةِ والعربية، والتي امتد تأثيرُها ليتجاوزَ حدود مصر إلي العالم العربي الكبير من محيطهِ إلي خليجهِ، ولم يكن هذا التفرد يقينًا محض صُدفةٍ، بل كان نتاجًا لمشوارٍ طويل من العمل الدؤوب والجهد المخلص والفكر الجاد المستنير، حتى تبوأ مكانته كواحدٍ من أبرز وأهم المثقفين والمفكرين العرب خلال العقود الخمسة الأخيرة، ويقينًا، لقد ترك رحيل الدكتور جابر عُصفور فراغًا استشعره كل منتسبي المشهد الثقافي المصري والعربي، وبخاصة زملاءه وتلاميذه ومحبيه، بل كل من عرفه واقترب منه وأفاد من مشروعه الفكري والثقافي.
ويشهد هذا الملتقى حضورِ كوكبةٍ من المثقفين والمفكرين الذين جاؤوا من كل حَدبٍ وصوب، من مصر، والبحرين، وتونس، والجزائر، والسعودية، والسودان، ومن سوريا، والعراق، وفلسطين، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمغرب، واليمن، جاؤوا جميعُهم تكريمًا لهذا الرمز الثقافي الكبير وتقديرًا لدورهِ ومكانته.
مؤكدًا أن مآثر الراحل كثيرة وإنجازاته واضحة، فهل نتحدثُ عن جابر عُصفور التنويري البارز الذي آل على نفسه استكمال جهود التنويرين الأوائل محمد عبده وطه حسين وقاسم أمين وغيرهَم، في فترة حرجة مر بها الوطن، فكتب الكثير عن قضية التنوير راصدًا لمحنتةِ، ومدافعًا عنه، ثم خطَ بهوامشه على دفترهِ ليُكرس جزءا كبيرا مشروعه الثقافي مؤكدًا على هُويةِ مصر الثقافية وعلى أهميةِ التواصل بين الثقافات والحضارات وعلى حتمية قَبول الآخر؟، أم نتحدث عن الأستاذ الأكاديمي صاحب الرصيد الزاخر بالدراسات الأدبية والنقدية؟، أم نتحدثُ عن الناقدِ الكبير صاحب التأثير البارز في مدرسةِ النقدِ الجديد؟ أم نرصد أعمال هذا المترجم القدير صاحب الترجمات العميقة الرصينة؟ .. وهذا فيضٌ من غيث.
ولقد كان منطقيًّا أن تلقي هذه الإنجازات عظيم التقدير وأن تحظى بالعديد من التكريمات من أهم المؤسسات الثقافية داخل مصر وخارجها تثمينًا للدكتور جابر عصفور ومُنجزه الفكري، فمن جائزةِ أفضل كتابٍ في الدراسات النقدية من وزارة الثقافة المصرية? إلى جائزة أفضل كتابٍ في الدراسات الأدبية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، إلى أخرى لأفضل كتابٍ في الدراسات الإنسانية من معرضِ القاهرة الدولي للكتاب، إلى جائزة سلطان بن على العويس الثقافية لأفضلِ كتابٍ في مجال الدراسات الأدبية والنقد، لتتوج تلك المسيرةُ الحافلة بحصولهِ على أرفعِ جائزة تمنحها الدولةُ المصرية لمثقفيها ومبدعيها، جائزة النيل في الآداب? منذ ثلاث سنوات خلت وفي هذه القاعةِ نفسِها، وكان التكريم الأخير الذي لم يتم تسليط الضوء عليه، هو ذلك التكريم الذي منحه إياه منتدى الجوائز العربية كأحد رواد الجوائز العربية في قبل أسابيع من رحيله، والذي شرُفت فيه بتسلم الجائزة نيابةً عن سيادته من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس المنتدى في حضور كوكبةٍ من المثقفين والمفكرين العرب بالرياض في أكتوبر الماضي.
مشيرًا أن الدكتور عصفور قضى جزءًا كبيرًا من حياتهِ المهنية داخل جدران هذا الكيان العريق، المجلس الأعلى للثقافة? أمينًا عامًا له لنحو سبعة عشرة عامًا، وحيث إنني أشرُف اليومَ بتحملِ المسؤوليةَ ذاتَها، فأمانةُ الكلمة تقَتضي أن أُسجلَ أن الرجلَ قد وضعَ بصمةً متميزةً على المجلس خلال تلك الفترة الطويلة، إداريًّا ومهنيًّا، فقد عِملَ على ترسيخ دعائمِ المجلس الأعلى للثقافة وأركانهِ ليؤكد مكانتهَ كأهم كيانٍ مؤسسي ثقافي في مُحيطة العربي والإقليمي، كما أضحت مؤتمراتهُ الدوليةُ في الروايةِ والشعرٍ التي تنعقدُ دوريًّا من الأحداث الثقافية الكبرى، وغدت قبلةً للمثقفين والمبدعين العرب، في جِلساتها وندواتها يجتمعون، يتحاورون ويتناقشون في كل مناحي الشأن الثقافي بُغية دعمه وتطويره، ولقد كان للدكتور جابر عصفور إسهاماته البارزة في عدد من المؤتمرات والمُلتقيات التي استحدثها وما تزال تقترن باسمهِ حتى وقتنا هذا.
وكان جابر عصفور صاحبُ مشروع الترجمةِ الأكبرِ من نوعه في العالم العربي، ربما منذ عصر الخليفة المأمون العصر العباسي "المشروع القومي للترجمة" الذي شهد ترجمة آلاف العناوين في شتى المجالات العلمية والفنية والإبداعية، والتي شكلت إضافة ثرية للمكتبة العربي هذا المشروع العملاق الذي عُد اللبنةَ الأولى للمركز القومي للترجمة الذي كان هو صاحبُ فكرتهِ ومؤسسهِ ثم أصبح مديرًا له.
كما استحدث الدكتور جابر عصفور عددًا من الجوائز الأدبية الكبيرة، لعل من أهمها جائزة نجيب محفوظ للروايةٍ التي أضحت واحدة من أهم وأبرز الجوائز في مجالها، وهي مُمثلة المجلس الأعلى للثقافة في منتدى الجوائز العربية مع جائزة النيل للمبدعين العرب.
واختتم عزمي كلمته قائلاً:
ربما يكون الجسدُ قد رحل? لكن اسم جابر عُصفور سيظل باقيًا في قلوبِ كل من عاصره أو زامله، أو نهل من علمه أو أفاد من مشروعه الثقافي وفكره ومنهجه، وهم كُثر، وما قدمه هو أيضًا كثير.

|