القاهرة 20 يونيو 2022 الساعة 11:53 ص

كتب: مصطفى عبدالله
على ضفاف نهر النيل، غزل العشاق قصصهم، فاستبشر المحبين بقربه، فمنهم من أمسك قلم حبيبته ليكتب لنفسه ورقة ويلقيها فيُشهده بعد الله على حبها، وفيهم من كان ينظر للنيل وحبيبته في آن واحد علَّ شوق الفراق يُطفئة نهر النيل في غيابها، ظل شط النيل مكانًا للحب المشروع والعشق، فللحب مذاق خاص على ضفاف نهر النيل بالقاهرة..
عزيزي القارئ دعني أسحبك قليلًا للوراء رجوعًا إلى الستينات والسبعينات، وأصور لك مشهدًا بجوار كوبري قصر النيل، والعندليب عبدالحليم حافظ أتى مارًا بسيارته لتصوير بعض المشاهد الخارجية من أحد أفلامه ومن بين المشاهد، أداءه لأغنية من أغانيه على ألحان بليغ حمدي، وهذا المشهد المفاجئ يحدث وأنت تجلس مع حبيتك، لن أطيل عليك الكادر، ولكن خارج الكاميرات والوحدات التصويرية كان هناك شابًا نحيلًا يقف بمنتهى سعادته بأغنية قد كتبها للعندليب، وأتى ليشاهدها أثناء تصويرها؛ أعلم أنك لن تهتم لأمره، ولكن ماذا لو كان ذلك النحيل هو الشاعر الراحل محمد حمزة صاحب الـ 1200 أغنية التي ترسخت في العقل الجمعي المصري، فلو ذكرنا الشاعر الكبير لتذكرنا أجمل ما تغنى به العندليب عبدالحليم حافظ، سواح، وجانا الهوى، وموعود، وأي دمعت حزن لا، وبحلم بيوم، ومين أنا، بالرجوع إلى المشهد.. لم يخلُ النيل من دفتر الشاعر الكبير وجاء مع شادية في القطعة الفنية الخالدة، يا حبيتي يا مصر عندما قال "ولا شاف النيل في أحضان الشجر"، تلك الجملة وحدها كفيلة بأن تعرفك على الشاعر العبقري، فلو كنت كاتبًا للشعر أو حتى متذوقًا له لتوقفت كثيرًا عند فرحة الشجر بإرتماء مياهه في أحضانه.
تمر اليوم ذكرى ميلاد شاعر الحب محمد حمزة صاحب المدرسة الشعرية البسيطة، والكلمات العامية اللينة التي كانت سببًا في تزيين موسيقى بليغ حمدي بعديد من الأغاني مع قامات من المطربيبن والمطربات.
سأرجعك مجددًا للمشهد السابق، بوقوف عبدالحليم حافظ أمامه هذا الشاب غير المعروف ليمازحه قبل أن يركب سيارته ويغادر لوكيشن التصوير؛ الآن أنت وحبيبتك تلح عليك شهوة المعرفة بسؤال "من هذا الشاب الذي مازحه العندليب"؟، لن تجد ردًا لسؤالك، هكذا أرى الشاعر الكبير محمد حمزة، ظلت كتاباته معروفة لأجيال متلاحقة دون معرفة شكل من مكتب أو صوره، تلك الكلمات عادة لامست قلبك عند شعورك بالحب، بالفطرة ستجد نفسك تبحث عن أغاني عبدالحليم حافظ، وشادية، ووردة، وصباح، وفايزة أحمد، وعفاف راضي، أنا عاشق لكل تلك الاسماء ودرواشيهم.
بصمات عدة للشاعر الكبير حتى بين الأجيال الجديدة لمدحت صالح، وهاني شاكر، وأصالة نصري، وغيرهم، فقد جاء الشاعر الكبير في حقبة متوهجة بالشعراء، فلك أن تتخيل الأسماء والقامات التي أتى بينهم، فتحي قورة، ومأمون الشناوي، ومرسي جميل عزيز، وحسين السيد.
سطر الشاعر الكبير اسمه وسط نجوم كبار، وصنع لنفسه مجدًا كبيرًا في وقت كانت الأغنية المصرية فيه صاحبة باع في الشرق الأوسط والوطن العربي.
عمدة الأغنية المصرية عمل صحفيًا في أعرق المجلات المصرية: في روزاليوسف، وفي الصحف بجريدة الوفد، والأهرام الرياضي، وكتب في الرياضة كما كتب في النقد المسرحي والسينمائي، ولكنه وجد ضالته في الشعر، ففضل البقاء صحفيًا وشاعرًا في آن واحد.
اعتبرت وسط البلد مكانا شرعيًا لكل من عرف طريق الفن والأدب والثقافة، فقد كان للشاعر الكبير صولات وجولات بمقاهي وسط البلد، وتردد على مقهى زهرة البستان، وريش، وجروبي، والندوة الثقافية، والحرية، أذكر في إحدى الليالي أني كنت أسير في وقت متأخر من الليل بمنطقة باب اللوق وقد أنهيت عملي بجريدتي، وذهبت للمقهى المفضل لقلبي لأجلس بعض الوقت وأستريح من تعبي، فسمعت أغنية موعود، وكعادتي سرحت بها وأتاني صاحب المقهى ليسلم عليّ ويجلس معي، فقد كانت تربطني به علاقة وطيدة، وكان يعلم أني مشغول بالقصص النادرة والحكايات التي تقص أسرار عظماء الفن والأدب والثقافة؛ وقتها فاجأني العم سعيد صاحب مقهى الندوة الثقافية أن الشاعر صاحب الأغنية كان من جلساء المقهى وكتب عدد من الاغاني بها، وقال لي أنه كان كثير التردد على مقاهي وسط البلد، وأنا كنت عاشقا لجمع جوانب حياتهم، كنت مشغول بجمع القصص النادرة عن شاعر القمر، لم أكذب يومها خبر وذهبت لمقابلة صاحب مقهى آخر ليحدثني عن أغرب عادات الشاعر محمد حمزة، قص لي أن محمد حمزة لو امتلأ دفتره كان من الممكن أن يلتقط ورقة من الأرض ليكتب عليها مطلع قصيدة، وهذا ما أكده لي المعلم سعيد صاحب مقهى الندوة الثقافية وهو يحدثني، تردد سؤال برأسي، أي مقهى كتب فيه الشاعر العظيم أغنية مداح القمر؟ وظللت أتأمل جدران المقاهي المتردد عليها شاعر الحب محمد حمزة بمقاهي وسط البلد، وأنا أراه حاضرًا أمامي باغنية "سواح وماشي فى البلاد سواح .. والخطوة بيني وبين حبيبي براح".
|