القاهرة 19 يونيو 2022 الساعة 04:53 م
عظيم هو الإحساس بأنك لست في انتظار ما يبهرك؛ ولا تخشى من شيء يحزنك، وكأنها تساوت لديك المعاني والمشاعر والأحاسيس، وكأنه لا يوجد لديك ما تخسره، وإن كان؛ فسوف تخسر ما هو ليس ملكك في الأصل.
أتذكر حين كان يجن جنوني من أجل الحصول على فرصة لأكون أحد اللاعبين فوق تلك الطاولة الملعونة، وكم سهرت ليالٍ أدبر وأُحُيِك في سيناريوهات الوصول إليها، كنت لا أفكر إلا في تلك اللحظة التي أري فيها نفسي فوق أحد المقاعد حول طاولة يلتف حولها أقذر من حملت الأرض فوق ترابها.
بلغتُ مبتغاي؛ وياليتني ما رأيت ولا عرفت ما التقطته عيناي والتصق بعقلي وضاق به صدري، لقد لهثتُ خلف ما لاقيمة له، ورغبت في الاقتراب أكثر فأكثر، ورأيت ما لم يخطر بفكري حين كنت أتمنى أن أقضي بعض الدقائق بالقرب من هؤلاء الأقزام قيمةٍ وقامة.
ولَهَتُ؛ واشتد ولَهَى حين اكتشفت السراب الذي تركتُ من أجله كل شئ، شغف مزيف، وحلم مسموم، لقد ظننتُ أن كل الربح في مرافقتهم، والخير في أن أسير على دربهم، وما توقعت أن يكون هناك بريق لشيء آخر غير الماس.
صُدمت؛ وتجمدت كل مشاعري، وفقدتُ الإحساس بكل شيء، مع نزيف الأسئلة التي هاجمت رأسي الملعون الذي زج بي إلى تلك الحانة التي كنت أظنها زاوية يلتقي بها العُباد ليؤدوا فروضهم ويذكرون الله بين جدرانها .. كان آخر ما شعرتُ به هو هبوط في مستوى كل شيء، وكأنني لامست قاع باطن الأرض بأم رأسي، حينها تساوت عندي محصلة ما كان وما لم يكن، ومر بصري بمراحل الرؤية المختلفة حتى بلغ العتمة وما بقي لي إلا البصيرة.
رغم أني فقدت الإحساس إلا أن رأسي الملعون لا تتوقف بداخله العمليات الديناميكية من أجل البحث عن إجابات لكل الأسئلة الناتجة عما التقطته عيناي من صور أصبحت لصيقة بذاكرتي الذهنية، ولكن المشكلة كانت كيف لهذا العقل الذي أخطأ في تحديد الهدف أن يقبل بالخسارة، حينها اكتشفت أن الإنسان يتحول بين لحظة وأخرى من بشري تحركه العاطفة، ومعايير تقديره للمواقف هي المشاعر والأحاسيس، إلى آلة ذات قلب متجمد لا تعرف إلا الأرقام، تلك المرحلة الانتقالية التي يتحول فيها الإنسان من المعاملات المعنوية إلى تقديس المادية.
طيبت جروحي؛ وعملت على سد ثغور قلبي حتى لا ينمو داخله مرة أخرى أي شعور يتسبب بعد ذلك بالخيبات والصدمات، ويزج بي نحو صخرات الواقع المرير لأصطدم بها مرات ومرات، فما عدت قادراً على تحمل الصدمات، ولماذا أتحملها؟!
لذا قررت أن أعيش بدون قلب، وفضلت أن أحكم على كل شيء بعقلي، حينها تذوقت طعم الراحة في أن تعيش دون انتظار ما يبهرك؛ وألا تخشى من شيء يحزنك.
|