القاهرة 15 يونيو 2022 الساعة 11:33 ص
كتبت: ياسمين سعيد
الشاعر الإسباني فيدريكو جارثيا لوركا الذي أهلته موهبته لأن يصبح شاعرا وأديبا عالميا لارتباطه الروحي بالأرض والجذور الإسبانية، حيث كان مهموما ومشغولا بقضايا وطنه، وتجلى ذلك في معظم أعماله الأدبية بكل صدق، متخطيا الحدود الإسبانية ليصبح من أهم الكتاب في القرن العشرين..
هذا وقد ظل لوركا يناضل من أجل الوطن بقلمه وأشعاره حتى طالته يد الغدر، وقتل رميا بالرصاص وهو في الثامنة والثلاثون من عمره وكان لا يزال وقتها في أوج شبابه وعطاءه الأدبي.
ولد فيدريكو جارثيا لوركا في 5 يونيه عام 1899 في قرية فوينتي فاكيروس بغرناطة، وكان ينتمي لعائلة ميسورة الحال حيث كان والده يمتلك أراضي زراعية آنذاك، نشأ وترعرع لوركا وعاش فيها وأصبحت جذوره ودمائه مرتبطة بالأرض وانعكس ذلك في كتاباته الأدبية فيما بعد، كما أثرت والدته في تربيته وتعلم منها حب الموسيقى والرسم والطبيعة الساحرة.. ثم انتقل بعدها للعيش في غرناطة حتى تخرج من المدرسة الثانوية.
بعدها التحق لوركا بالجامعة، وفي عام 1919 انتقل إلى مدريد وعاش في مقر إقامة الطلاب حيث كان المقر آنذاك مركز للنشاط الليبرالي في إسبانيا الغارقة في العادات والتقاليد والميول المنغلقة، بينما كان لوركا في ذلك الوقت مسبوغا بجو الانفتاح في مدريد، لذا سرعان ما انتسب إلى جماعة راديكالية، والراديكالية هي حركة ثورية تركز اهتماماتها على الجوهر وتغيير المفاهيم والأفكار من الجذور.. وهو ما كان يرنو إليه لوركا حيث كان يريد أن يخلص غرناطة من أفكارها ومفاهيمها وعاداتها المتجمدة.
في عام 1921 التقى لوركا بالفنان الأسباني الشهير سلفادور دالي وتوطدت بينهما علاقة ثقافة فنية وفكرية ثرية حتى عام 1925.
وفي نفس العام سافر لوركا إلى نيويورك وألف مجموعة من القصائد الشعرية الثورية في كتاب تحت عنوان "شاعر في نيويورك"، يصف من خلاله حالة الصراع النفسي والاجتماعي التي كان يمر بها ومعاناته من الشعور بالوحدة حتى استعاد توازنه من جديد.
بعدها عاد لوركا إلى إسبانيا عام 1930 متجها إلى التأليف المسرحي، وكانت هذه الفترة هي فترة ازدهار فنية وثقافية في إسبانيا، حيث تولى قيادة فرقة مسرحية جوالة وكانت مسرحية "عرس الدم" هي أول عمل مسرحي ناجح من تأليفه، حيث ناقش من خلالها فكرة الثأر والدم مؤكدا على رفضه لهذه العادات والتقاليد الدموية.
أيضا كتب مسرحية "يرما" العاقر التي تعاني من عادات وتقاليد المجتمع وحرمانها من أبسط حقوقها في الحياة كإمرأة ليصل بها الأمر في النهاية لارتكاب جريمة، كذلك مسرحية" بيت برناردا ألبا" هذه الأم التي تحرم بناتها من الحب والحياة غارقة في العادات والتقاليد المتجمدة لتدفع هي الثمن في النهاية..
وغيرها من المسرحيات التي كانت تظهر من خلالها المرأة دائما هي ضحية مجموعة من الأفكار والعادات والتقاليد الدموية المتجمدة البالية والتي قضت عليها وحرمتها من أبسط حقوقها في الحياة وأصبحت وبشكل مستمر هي المدانة والخاسرة من وجهة نظر المجتمع الذي حاول لوركا تعريته ومواجهته من خلال كتاباته كمحاولة منه لتغيير هذه المفاهيم القاسية.
وفي 1 أغسطس عام 1936 أثناء وجود لوركا في غرناطة حدثت الحرب الأهلية التي قادها الجنرال فرانكو بعد قيامه بانقلاب عسكري ضد حكم الجبهة الشعبية الذي كان يحكم إسبانيا في ذلك الوقت، وتم اغتيال لوركا برصاصات الغدر وأصبح موته لغزا كبيرا ولم يعرف سبب قتله حتى الآن، ولكنه تنبأ بموته في أحد قصائده الشعرية، حيث يقول:
من خلالها أريد أن أنام..
نصف ثانية..
ثانية..
دقيقة..
دهرا..
أريدهم أن يعلموا بأنني حيا..
عاش لوركا حياة قصيرة لكنها خالدة بأعماله الأدبية لأنها مرتبطة بالجذور.. مرتبطة بالأرض والوطن والإنسان، لذا ظل لوركا باقيا حيا حتى الآن.
|