القاهرة 07 يونيو 2022 الساعة 01:51 م

قصة: جيمس بولدوين
ترجمة: سماح ممدوح حسن
تدور رُحى معركة هائلة عند البحر. لا يسمع المرء سوى دوي المدافع الكبيرة. الهواء معبق بالدخان. تتناثر المياه بالصوارى المحطمة وقطع الأخشاب، بعدما أصابتها طلقات مدافع السفن. مات الكثير من الرجال، وجُرح أكثر.
اشتعلت النيران فى سفينة القيادة. اندلعت وهبت النيران من الأسفل. فاشتعل سطح السفينة بالكامل. أسرع من بقى من الرجال حيا وألقوا بقوارب النجاة الصغيرة وقفزوا فيها، جدفوا بأسرع مالديهم مبتعدين. فأي مكان آخر سيكون أكثر آمانا من ظهر السفينة المحترقة. ولا تزال طلقات مدافع السفن مستمرة.
لكن، ابن القبطان الشاب "كازابينكا" ظل يقف على ظهر السفينة. تحيطه ألسنة اللهب من كل جانب الآن. لكنه لم يتحرك من مكانه. كان والده أصدر له أمرا بالوقوف هناك، وكان الفتى قد تعلّم أن يطيع الأمر دائما. وثق في كلام أبيه، وصدّق بأنه عندما يحين الوقت المناسب سيدعه يرحل.
رأى الرجال يقفزون في قارب النجاة. وسمعهم ينادونه لينضم إليهم. فهز رأسه وقال:
"عندما يسمح لي أبي سأرحل"
الآن، تقفز ألسنة اللهب فوق الصواري، واشتعلت النيران في الأشرعة. أشعلت النيران خديه، أحرقت شعره. كانت النيران أمامه وخلفه، وحوله.
صرخ وقال "أبي، هل أذهب الآن؟ كل الرجال غادروا السفينة. ألم يحن الوقت لنرحل نحن أيضا؟"
لم يكن يعرف أن أباه مستلقيا في المقصورة المحترقة أدناه، بعدما ضُرب بطلقة المدفع فمات في بداية القتال. أصغى الفتى ليسمع إجابة تأتيه من أبيه. وصرخ مرة أخرى وقال:
"أبي، تحدث بصوت أعلى، لا أستطيع سماع ما تقول"
من فوق هدير آلسنة اللهب، من فوق تحطم الصواري المتساقطة، من فوق أصوات الدافع، تخيّل أنه سمع صوت والده بنبرة واهنة محمولة على الهواء الحارق.
"أنا هنا يا أبي، تكلم مرة أخرى" وشهق.
"لكن ما هذا؟"
وميض ساطع ملأ الهواء وانطلقت سحب دخان بسرعة لأعلى نحو السماء... و...
"قنبلة!"
يا لصوتها المرعب! أعلى من صوت أي رعد، أعلى من دوى كل المدافع! ارتجف الهواء، والبحر نفسه ارتجف. السماء سوداء.
لم يعد ينظر للسفينة المشتعلة بعد.
ولا تزال طلقات المدافع مستمرة.
*
منذ زمن بعيد كتبت سيدة تدعى "هيمان" قصيدة عن فتى شجاع اسمه "كازابينكا" قصيدة رائعة، والجميع قرأها، وآلالف حفظوها عن ظهر قلب، ولاشك في إنك اليوم ستقرأها أنت أيضا، وها هي..
يقف صبي على ظهر السفينة المحترقة
حيث هرب الجميع ما عداه.
الشعلة التي أحرقت حطام المعركة
سطعت حوله فوق الموتى.
ومع ذلك كان جميلا ومشرقا في وقفته.
كما لو أنه وُلد ليحكم العاصفة
مخلوق من دم بطولي
بطريقة فخورة وإن كانت طفولية.
|