القاهرة 07 يونيو 2022 الساعة 12:47 م
كتب: أحمد مصطفى عمر
"وكلُّ إنسانٍ هو جُزءٌ من مملكةِ أو دولةِ الحُب الصُّوفي، ما دام قلبه ينبضُ، ورُوحُه تسعى"، هكذا يرى الشاعر المصري أحمد الشهاوي في كتابة الذي صدر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية "سلاطين الوجد.. دولة الحب الصوفي"، وهو الكتاب الأول ـكما صرّح المسؤولون عن الدارـ في سلسلة كتب ستصدر تباعًا للشهاوي عن الدار نفسها في مجال أدب التصوف الذي يُعرفُ الشهاوي بانتمائه إليه.
ومن أجواء الكتاب: (الآن أجدني.. أعرفُ ما هو الحُب؟). فقد "جُبِلت القلوبُ إلى حُبِّ من أحسنَ إليها “.
هو سلطانُ نفسه، يحميه هذا الحُبُّ من الضياع، مثلما يحمي المملكة أو الدولة التي يعيشُ فيها من الاندثار أوالموت أو التفكُّك أوالتشرذُم؛ فالحُب الصُّوفي اكتمالٌ وبناءٌ وسُمو، وخَلْق للإنسان الكامل.
ويسهم هذا الكتابُ في إعادة بناء الإنسان، وتنظيم رُوحه من جديدٍ، يرتِّب غرفَ قلبه، ويجعلُهُ يذهبُ حيثُ الحُب الذي يقودُ الإنسانَ نحو الصَّفاء والارتقاء.
فما الحُبُّ العذريُّ إلا تصوفٌ أو طريقٌ إليه.
وما الحُبُّ إلا مقامٌ إلهيٌّ؛ لأنَّ "المحبَّة أصلُ المقامات والأحوال"، و"أكمل مقامات العارفين". والذات العليا للإله تتمثَّلُ في الحُب. وبالمحبة يقتربُ الإنسانُ من الله.
وفي الحُبِّ يُعوِّلُ المرءُ على القلبِ أكثر مما يُعوِّل على العقلِ. فالحُبُّ الصُّوفيُّ أصلُ وجُود الحُبِّ في العالم؛ لأنه مظهر للحُب الإلهي؛ إذ إنَّ الحُبَّ بطبيعته "أصل الموجودات "، والمتصوفة هم أهلُ المحبَّة ويُنسبون إليها. والحُب عند المتصوف أسلوب حياة، ودليل المعرفة الصوفية التي تعكسُ حال القلوب السامية.
وبالحُب -الذي هو مِنحةٌ إلهيةٌ- يستطيعُ من يحبُّ أن يصلَ إلى الحقيقةِ المطلقةِ التي يريدُها ويسعى إليها، ليسكُنَ النقطة الأعلى من فردوسِ الرُّوح.
أحمد الشَّهاوي في هذا الكتاب يقدِّم الحُبَّ الصوفي بلغةٍ شعريةٍ سهلةٍ وفهمٍ عميقٍ، مختارًا سلاطينَ للوجد أحبَّها وعاشَ مع آثارها الخالدة زمنًا طويلًا.
وينقسم الكتاب إلى قسمين، الأول يجيب عن أسئلة: ما الحب، وما الوجد، وما التصوف والمتصوفة، ومن هم أهل النظر، كما يتناول العلاقة الشائكة بين المتصوفة والفقهاء الذين يكيدون لهم عند السلطة والسلاطين حتى أننا رأينا العشرات من المتصوفة قد قتلوا وسجنوا وعذبوا وتشردوا وعاشوا مطاردين، وفي خوف دائم.
بينما يتناول القسم الثاني ثلاثة سلاطين للوجد وهم ذو النون المصري، وأبو بكر الشبلي، والنفَّري، ويقدم أحمد الشهاوي مختارات لكل واحد منهم من مروياته وأقواله وأشعاره وقصصه ومُخاطباته ومواقفه.
والمتصوفة الثلاثة محور هذا الكتاب رأيتُ أنهم كانوا سلاطينَ في زمانهم، ولهم سطوةٌ رُوحية على من عاصرهم. وكانت كلمتهم مسموعةً عند الناس؛ لأنهم لم يتقرَّبوا من سلطانٍ جائرٍ ظالمٍ، ولم يتربَّحوا منه.
إنهم أربابُ الحقائق، وليسوا من "أهل الظَّاهر" أو" أهل الرُّسُوم "، إنَّهُم "رجال قطعهم الله إليه وصانهم صيانة الغيرة عليهم؛ لئلا تمتد إليهم عين فتشغلهم عن الله. لقد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع الله طرفة عين" بتعبير محي الدين بن العربي، الذي كان من ضمن أسمائه "سلطان العارفين"، مثلما كان اسم عمر بن الفارض "سلطان العاشقين".
ولعل هذه المختارات تكون الأولى في مجالها حيث استطاع الشهاوي أن يذهب إلى كل المصادر والمراجع القديمة والحديثة ليقدم مختارات تتوافق مع ذوقه الجمالي، وأيضا تكون يسيرة على القراء كافة.
|