القاهرة 31 مايو 2022 الساعة 11:09 ص
كتبت: زينب عيسى
جملة واحدة شكلت حياة الشاب محمد سمير صبري ابن العائله الأرستقراطية السكندرية، خريج "فيكتوريا كوليدج" أو مدرسة فيكتوريا العريقة التي تزامل فيها مع الفنانين أحمد رمزي وعمر الشريف..
تلك الجملة قالها له معلم اللغة الإنجليزية في مدرسته: قبل أن تنام تذكر كم شخصا تسببت في سعادته.. هكذا عاش ومات الفنان الإنسان سمير صبري محبا لكل من حوله، مقدما كل ما يستطيع ليدخل الفرحة على قلب أي شخص يحتاج له، حتى وإن كانت لا تربطه به أي علاقة أو معرفة..
تلك شهادة من كل زملائه بالوسط الفني قبل وبعد رحيله منذ أيام، فالمعروف عن سمير صبري أنه كان سباقا في كل الواجبات مع زملائه، لم يخل عزاء إلا وكان سمير صبري أول الحضور، لم يسمع عن ضائقة يمر بها فنان أو أزمة صحية إلا وسمير صبري أول من يساعد في صمت، لم يحتفل فنان أو فنانة بمناسبة سعيدة إلا وسمير صبري واقفا كتفا بكتف بجانبه..
تستطيع أن تقول إن سمير صبري كان صاحب واجب مع الجميع وكل من عرفه شكره بعد وفاته، وقد أظهر رحيله المفاجئ على أثر أصابته بأزمة قلبية بأحد الفنادق الشهيرة، حيث كان عائدا لتوه من رحلة علاجية بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به، أظهر كيف كانت إنسانية ووفاء هذا الفنان من حكايات أهل الفن، والتغطية الإعلامية المكثفة عن سمير صبري ليس فقط بصفته الفنان أو الإعلامي الكبير، لكنه الإنسان ابن الأصول الذي وصفه الجميع بقولهم "له في كل بيت واجب"، وكان هو ذات الإنسان الشهم مع من لا يعرفهم بشكل وثيق، فتحكي زميلة صحفية عن لقاء جمعها بسمير صبري في أحد الفنادق، وحدث أن تاخرت عليه ساعتين واعتذرت عن ذلك التأخير بسبب تعرض ابنها لحادث، وتوقعت أن يكون قد انصرف، لكنها وجدته في بهو الفندق ينتظرها وبادرها بالسؤال عن ولدها، وما إذا كانت تحتاج إلى مساعدة، وتقول: قبل أن نبدأ الحوار تدخلت عاملة من الفندق وطلبت أن اذكرها في الحوار قائلة:
هذا الرجل الطيب -أشارت إلى الفنان سمير صبري- قد ساعدني دون أن يعرفني بعد أن طلقني زوجي وأصبحت في الشارع مع أولادي، وسعى أن يسكننا في شقة بسطح العمارة التي يقطنها في الزمالك، حتى أنه دفع 15 ألف جنيه خلو رجل، بل توسط لدى إدارة الفندق لتوفير فرصة عمل لي، ومن يومها وأنا أعمل هنا..
الجميع لديه ذكريات إنسانية وفنية مع سمير صبري، ورغم ما أثير حوله من ضجة أحيانا أو شائعات كأي فنان ناجح، لم يكلف نفسه عناء الرد على تلك الشائعات، وهذا هو سر النجاح من وجهة نظره، فكان يؤمن أن من يحاول أن يسعى وراءك فهو يحاول تعطيل مسيرتك، فكان سمير صبري السند لكل من عرفه دون أي ضجة أو مزايدة على مواقفه النبيلة، وكل من عرفه تحدث عن ذلك الفنان المحترم المثقف الموسوعي، هذا على المستوي الإنساني..
أما على المستوي الفني والإعلامي فتمتع سمير صبري بسمات مكنته من أن يصبح فنانا شاملا منذ أول فيلم ظهر فيه ككومبارس صامت وظهر في مشهد مع عبد الحليم حافظ في فيلم "حكاية حب"، في المشهد الشهير مع المذيعة الكبيرة آمال فهمي وبرنامجها "على الناصية"، حيث ظهر وسط المجموعات، ولكنه انطلق من يومها ليشارك كبار الفنانين والفنانات في عشرات الأفلام منها: نص ساعة جواز، وبالوالدين إحسانا، دقة قلب، حب وكبرياء، جحيم تحت الماء، عالم عيال عيال، أخطر رجل في العالم، الجلسة سرية، التوت والنبوت، والبحث عن فضيحة مع الفنان عادل إمام الذي شاركه آخر مسلسلاته "فلانتينو"، وغيرها عشرات المسلسلات التي تخطت المائة.
والفنان الكبير سمير صبرى الذي توفي عن عمر ناهز 86 عامًا، ولد بمدينة الإسكندرية، وينتمي إلى عائلة عريقة، وكان والده ضابطًا في الجيش ثم أصبح سفيرًا، وانتقل سمير صبري إلى القاهرة بعد انفصال والديه، وسكن في العمارة نفسها التي كان يسكن بها العندليب عبدالحليم حافظ، والتقى به هناك للمرة الأولى وصارا صديقين حتى وفاة العندليب.
وساهمت إجادته لعدة لغات من أن تتسع دائرة إبداعه خاصة خلال عمله الإعلامي، ونستطيع أن نقول في هذا الصدد أن سمير صبري يعد من أفضل الإعلاميين الذين مروا على الشاشات المصرية والعربية حيث امتلاك لغة حوار عالية راقية مستندة على خلفية معرفية وثقافية واسعة، فمن منا ينسى برنامجه "النادي الدولي" الذي استضاف خلاله أشهر الفنانين والمطربين والمثقفين في الوطن العربي، وكذلك أعظم الأدباء والشخصيات العامة، وبعد أن توقف بسبب حلقه ظهرت خلالها الفنانة فيفي عبده لم يصبه اليأس، وقدم بعده برنامج "هذا المساء" الذي أحدث نقلة نوعية في شكل البرامج التقليدية التي كانت تعتمد على جلوس المذيع والضيف أو كما تسمى one to one فكان يغني ويقدم استعراضات خلال حلقاته.
حاور سمير صبري رؤساء ومشاهير العالم، بل كان المذيع العربي الوحيد الذي استضاف الجاسوسة انشراح موسى، والتي صرح أنه كان أصعب حوار مر عليه في حياته لأنه للمرة الأولى كان يكره ضيفه، ويعتبر الفنان والإعلامي الوحيد أيضا الذي حاول كشف لغز وفاة سعاد حسني، فسافر إلى عاصمة الضباب، وحاول أن يميط اللثام عن هذا اللغز وكأنه محقق وليس مذيعا، ونشر هذا البرنامج على حلقات، وقبل أن يرحل بعدة أشهر حكى في لقاءات بعدة قنوات فضائية كيف التقى بعدد من الرؤساء منهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي التقاه في مناسبة بالعراق، و"قال له صدام:
أنا عشت في مصر كتير قول لي آخر نكتة يا حبيبي، فيقول سمير: خفت منه وقلت له مش فاكر، بس أنا عايز أعمل معاك حديث سريع، قال لي هاكلمك عن ميدان الدقي لما كنت باقعد على القهوة وأشرب الشيشة، أنا بحب مصر واتربيت فيها".
وعن سعاد حسني حكى عن ذكرياته عندما رتبت لها حفله في اليونيسكو وخافت أن تدخل لأنها أجرت عملية في العمود الفقري مؤخرا، وتخشى أن تدخل على الجمهور الكبير بشكل غير الذي تعود أن يراها عليه، قال: شديتها ودخلتها ودخلت على الناس، فإذا بتصفيق حاد وغير عادي لها، ففرحت وغنت للجمهور "بمبي"، وحين سُئل سمير صبري عن ثلاثي الطرب العمالقة قال عن عبد الوهاب:كان ذكي جدا، أما عبد الحليم فكان تلميذ عبد الوهاب النجيب في توظيف الموهبة، وفريد الأطرش "هيروح فين في الاثنين" كان أمير في لقبه وتصرفاته ومنتهى الكرم والطيبة.
أما صديقة عمره نادية لطفي فكانت له حكاية طريفة عنها، فيقول: بولا محمد شفيق شفيق حبيبتي نادية لطفي، لما سافرنا إسكندرية كنا في الطريق الصحراوي وأوقفنا عسكري، كان ممنوع وقتها مرور الأجانب، ولما شاف اسمها رفض نمشي لأنه افتكرها أجنبية، وجرينا بالعربية منه، لكن بلغوا الكمين اللي وراهم ووقفونا وبعد عذاب عرفوا إنها مصرية طبعا.
وقبل الرحيل أصدر سمير صبري كتابا بعنوان "حكايات العمر كله" صدر عن الدار المصرية اللبنانية، حكى فيه عن 36 شخصية من أهل الفن والسياسة والثقافة والصحافة، وعلاقته بهم وعطائهم وقصصهم علي مدار تاريخهم، منهم: سعاد حسني، أم كلثوم، فريد الأطرش، ليلى مراد، عادل إمام، شادية، وردة، ميرفت أمين، صباح، كمال الشناوي، فاتن حمامة، شريهان، داليدا، محمد الموجي، بليغ حمدي، الإعلامي أحمد سعيد، الكاتب أسامة أنور عكاشة، السلطان قابوس، الشيخ زايد آل نهيان، البابا شنودة، الإمام موسى الصدر، أحمد زويل.
قال سمير صبرى في كتابه: "علمتنى الحياة أن الحب هو منبع كل جميل وكريم وعظيم، ومن خلال تعاليم الحب تعلمت الحياة"..
هكذا كان سمير صبري لا ينام قبل أن يحصي عدد من تسبب في إسعادهم أو راحتهم أو رسم الابتسامة على شفاههم، وكان آخر ماقال:
"حياتي كانت رحلة جميلة فنيا وإنسانيا".
|