القاهرة 10 مايو 2022 الساعة 09:58 ص
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
كل عام أنت بخير، ها قد تجدد اللقاء بعد انتهاء أفضل شهر في العام، وأفضل أيام في حياتنا ننتظرها بشغف، ونودعها بلهفة، على أمل أن يتجدد اللقاء غير فاقدين ولا مفقودين.. مضت أيام شهر رمضان المعظم وعطلة عيد الفطر السعيد.. لعل أبرز ما تميز به هذه العيد هذا العام هو حرص أولادي أن نقضيه معًا لأول مرة منذ سنوات طويلة.. في السابق كان يقضيه كل منا مع رفاقه.. أنا مع العائلة، وكل منهما مع أصدقائه أو نومًا.. هذا العام قضينا الثلاثة الأيام معًا.. كل يوم كنا نرتاد مكانًا جديدًا، ليس جديدًا بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما أصبح جديدًا بهم وبحبهم وحرصهم على إسعادي بل وبإغداقي بالهدايا.. يعاملونني كطفلة مدللة للمرة الأولى في حياتي.. كل ما علي أن أتمنى أو أبدي إعجابي بشيئ ليفاجئوني بشرائه لي!!
عزيزي عمر خورشيد..
بالرغم من مشاعري الطفوليه السعيدة بالأجواء الاحتفالية بالعيد إلا أن داخلي حزن عميق.. قبل ثبوت الرؤية استقبلت خبرا حزينا، رحيل كاتب شاب لم أكن اعرفه عن قرب ولم يسعدنا الحظ باللقاء، لكني أعلم علم اليقين مشاعر والدته في هذه اللحظة.. هناك قلب أم مدمي مكلوم يملؤه حزن عميق، لا قرار له!
ثم فُجعت بخبر مشابه، رحيل صديق ابني المكافح الذي لم يتجاوز ال 24 عاما في ثاني أيام العيد، ليتمكن مني الحزن بشكل أعمق وتتجدد الذكرى والآلام، ما أحرص عليه حقاً هو الدعاء لوالدته.! تلك الأم المكلومة بحاجة لدعوات البشرية جمعاء حتى تستمر بالحياة.. أدعو لها بالثبات وتقبل الأمر والاحتساب.. لا أدعو له فهو ليس بحاجة للدعاء، فقد كان صائما عندما أصيب في الحادث، أعلم أنه سيفطر في الجنة مع الشهداء والصديقين، وأحسبه كذلك فلقد كان طيفا جميلا يعيش بيننا، شخصية جميلة مسالمة هادئة مكافحة وجادة.. لذا أرى أن من يستحق الدعاء بحق هي والدته، تلك الأم التي فقدت ولدها الشاب بشكل مفاجىء!
لست أدري لماذا يرحل الشباب هذا العام في ظاهرة أظنها جديدة، فكل ما يحيط بنا ممن انتهت رحلتهم كانوا شبابًا.. أكبرهم لا يتعدى ال 40، بينما يستمر قطار الحياة بمن تخطى السبعين نيفًا أوما يزيد!
حتما لله حكمة في ذلك..؟!
ولا نقول إلا ما يرضي الله.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..
أثقلت عليك كالمعتاد بهمومي.. أعتذر، لكنك تدري أنني أترقب لقاءنا لأبثك كل ما أشعر به من خوف وترقب وحزن وحب..
عزيزي عمر خورشيد..
وعدتك أن أعود للحديث عن الحُب؟!
وها هي قد حانت لحظة المصارحة؟!
سأخبرك اليوم بأمر خاص، لا يعلمه الكثيرون.. سأخبرك عن بطل رواياتي وملهمي الأول وصاحب الفضل في جعل حروفي تنبض بالحُب إلى الآن.. قد نتشاجر ونبتعد ثم نلتقي مجددًا، بشغف وحُب وجنون.!
سأخبرك قصة حدثت بالفعل، ولك أن تتخيل من أكون من بين أبطالها الأربعة..
أنا، وهو، وهي، والصديق.!
قصة حب اعتقد أنها نادرة، وسر ندرتها واستمرارها أنها لم تكتمل!
هناك فتاة أحبت شابا، وجدت فيه كل ما تتمناه، عشقته قبل أن تراه، مجرد سماع اسمه يكفي لجعل قلبها يخفق بقوة، أحبته وأحبها، وقربهم من بعضهما البعض أخته.!
تلك الصديقة التي كانت تنقل أخبارهما بتلقائية ودون تعمد.
عاشت قصة حب كما في الكتب والروايات.. وعندما حان الوقت وآن الأوان، وقبل أن توضع كلمة البداية، تحولت للنهاية!
أتتخيل فتاة شابة في بداية عمرها كل أحلامها حب وحلم تفقد الحب ويتحطم الحلم.! تحولت لركام وأطلال. عاشت ريشة في مهب الريح بالمعني الحرفي للكلمة. تخلت عن أحلامها.. هجرت كل شيء، تحولت لتمثال من الشمع مجسد جامد بلا مشاعر، تركت الدنيا تفعل بها الأفاعيل، خطأها الوحيد أنها بنت أحلامها على وجود حبيبها، لا ألومها بل ألوم الظروف التي هدمت قصة حب وليد.!
ومرت الأعوام، وكبر حبه في قلبها مع كل نبضة قلب، وكل نفس يخرج ويدخل إلى رئتيها، احتفظت بحبه وذكرياتهما في قلبها وعقلها، وقررت أن تنحي الذكري جانبا وأن تتدارك ما فاتها، وأن تمده بالحياة التي انقطع وريدها وتناست كل ذلك، وانطلقت على جناح الرياح تسابق الزمن، محاولة أن تترك أثرًا طيبًا في هذا العالم القميء.
أرادت أن تترك أثرا يتذكرها به الآخرون ويتذكرونه من خلالها، ثم حدثت معجزة بعد فراق أكثر من ثلاثين عامًا، لتجد من يدق بابها.!
أحد ذويه.. لعبت الصدفة دورها في هذا الأمر بشكل كبير، لتكتشف أن أخته الصغرى -التي لم تتعد التسع سنوات عندما توفي حبيبها- تتابعها عن بعد على مدار سنوات، ثم قررت أن تتحدث معها، ليجمعهم هو من جديد، وتبدأ رحلة بحث مكثفه عن أقرب أصدقائه والذين مازالوا على قيد الحياة، لتكتمل الصورة بظهور توأم روحه وصديق عمره.
هذا الصديق!
شخصية من أروع ما يكون، صندوقه الأسود والمدافع الأبدي عنه بعدها، صديقه الوحيد، صديق الطفولة والمغامرات وكل شيء، ليتصدر المشهد، ويصبح تواجدنا معا كيانا يشبه المربع، أنا، وهو، وهي، وصديقه.. مربع مكتمل الأركان، يجمعنا هو بكل ما نكن له من حب وسخط ونقم في أوقات كثيرة، كلما التقينا نكتشف أننا نزداد ارتباطا بمرور الأيام والسبب.. هو.
نتمرد أنا وهي ونفقد كياستنا، نبثهم اعتراضنا على ما خطه القدر، لتأتي الكلمات كالبلسم تخفف وطأة الصدمة ووجع الذكرى..!
لا أخفي عليك، مازالنا نخفي حزننا على فراقه الذي يتعجبون منه.. لا يعلمون انه يعيش بقلوبنا ولم يمت بعد.. قد يكون غادرنا بجسده لكنه يعيش بيننا بي وبهم.. كم أتمنى أن أرفق صورته بهذه الرسالة.. ليتعرف عليه الجميع.!
عزيزي عمر خورشيد..
عندما قابلت الصديق للمرة الأولى كنت أدقق في ملامحه لأخمن أقرب صورة له في حال كان بيننا إلى الآن.. لا أريد أن أحبطك، لقد فشلت، فصديقه من أصحاب القلوب الطيبة التي لا يترك الزمن أثره على ملامحهم.. مثلك تماماً..
هذا الصديق الرائع أهداني شيئا كان يحتفظ به منذ سنوات طويلة.. كم كانت سعادتي أنه اختصني بهذا الأمر..!
راقني أيضا انه يراني أستحقها، والأجدر منهم باقتنائها رغم حرصه عليها وحفاظه عليها طيلة ثلاثين عامًا كاملة، يحملها معه أينما ذهب مثلي تمامًا.. اسمح لي أن أشكره مرة أخرى لاختياري لحمل هذه الأمانة أو الهدية القيمة الغالية على قلوبنا..
تتساءل حتما لماذا عنونت رسالتي إليك بصدفة...؟!
سأخبرك..
لعبت الصدفة دورا كبيرا في قصتنا هذه، وحدها الصدفة كانت السبب في تجمعنا نحن الأربعة، وللمرة الأولى أشعر بالامتنان للتكنولوجيا، فعن طريقها عثرت عليّ هي، وعثرنا أنا وهي على صديقة المقرب، لتكتمل الصورة، ويعود هو للمشهد بشكل أوضح وبواقع أقوى، فلم يعد وجوده مجرد ذكرى، بل جزءا أصيلا من يومنا وحكاياتنا اليومية، صدفة بدأت منذ عامين، واكتملت الصورة باللقاء منذ أسابيع..
عزيزي عمر خورشيد..
تروقني حالة الجدل التي تثيرها رسائلنا، فهناك من يتقبلها ويتفاعل معها وتؤنسه في غربته ويحزن لانتهائها كما يخبروني دوما.. وهناك من يراها نوعا من العبث ودربا من الجنون لأني أخاطبك بحميمية وكأننا أصدقاء وبيننا وعد باللقاء؟!
ما بين أولئك وهؤلاء ابتسم، وأخبرهم أني سأظل أراسلك مادامت رسائلي تؤنس أحدهم في غربته وتنير ظلمة حياته..
وللآخرين أقول ليس اللقاء لقاء الأجساد، بل اللقاء الفعلي لقاء الأرواح..
والأرواح تتلاقى مع من تألف!
كن دوما بكل خير.. وعذرا للإطالة.
|