القاهرة 03 مايو 2022 الساعة 07:50 ص
عاطف محمد عبد المجيد
في كتابه " الأساليب التقليدية لحل النزاعات في اليمن..دراسة في التاريخ الاجتماعي " الصادر عن مؤسسة أروقة بالقاهرة أراد د. رشاد محمد العليمي، وهو شخصية سياسية بارزة في تاريخ اليمن المعاصر أن يبرز القواعد المشتركة بين شمال اليمن وجنوبه في مجال العادات والأعراف، خاصة القواعد العرفية الخاصة بحل النزاعات، فقد اتضح أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية وأن التراث الاجتماعي وقواعد حل النزاعات لها جذور مشتركة مهما اختلفت أو تباينت التسميات.
كذلك ليرد على كل الدعوات التي تتبناها بعض القيادات السياسية أو الثقافية والتي تذهب إلى أن هناك اختلافًا شاملًا بين الشمال والجنوب، وهي دعوات غير واقعية تقابلها دعوات أخرى تعتبر أن هناك أصلًا وهناك فرعًا وهي دعوات تحمل نفس التطرف والبعد عن الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع بأبعاده التاريخية والثقافية وهذا يستدعي العمل على معالجة قضايا السلطة والثروة من خلال المفاهيم العصرية في سيادة القانون وتطبيق نظام الوحدات الإدارية المستقلة ماليا وإداريا في إطار ما يسمى الدولة الاتحادية.
حل النزاعات
هنا يقول العليمي إن الحديث عن الأساليب التقليدية لحل النزاعات في المجتمع اليمني، وعن القانون العرفي فيه يقتضي منا العودة قليلا إلى دراسة وتحليل البناء القبلي ككل، باعتبار أن موضوع القانون العرفي يعتبر من مكونات هذا النظام وأحد الأعمدة المهمة القائم عليها. فوجود وسيلة لفض المنازعات تحددها قواعد مكتوبة، وغير مكتوبة، حافظ بشكل ما على استمرار هذا البناء، مضيفًا أن الظروف الاقتصادية، والأيكولوجية، والعوامل السياسية الأخرى للمجتمع اليمني لا يمكن عزلها عن الظروف نفسها لمنطقة الجزيرة العربية، فهناك ارتباط وثيق تاريخي وسياسي بين أجزاء الجزيرة بالرغم من التمزق الجغرافي والاجتماعي والسياسي، حيث لم تعرف الوحدة إلا في ظل الدولة الإسلامية وامتدت لسنوات محدودة.
الكاتب الذي يرى أن الحضارة اليمنية قامت على الزراعة والتجارة يؤكد أن هناك عوامل اجتماعية عديدة أثرت على مسار علاقة الدولة بالقبيلة اليمنية، كما شكَّلت هذه العوامل أحد الأسباب الرئيسية التي عاقت بناء دولة مركزية مسيطرة، مشيرًا إلى أن القواعد العرفية المكتوبة وغير المكتوبة والمطبقة عمليا في المجتمع اليمني ليست سوى بقايا أو رواسب لعصر ما قبل الإسلام، ومع الأخذ بعين الاعتبار التجديد أو التكييف لبعض هذه القواعد طبقا لتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تراث ثقافي
في كتابه هذا يستعرض العليمي طبيعة القضاء العرفي في المجتمع اليمني من الناحية الإجرائية والبنائية، مع توضيح خطوات وإجراءات المرافعة فيه ابتداءً من رفع الدعوى وانتهاءً بإصدار الأحكام العرفية، وتوضيح مدى اتساق هذه الإجراءات مع التراث الثقافي للمجتمع من ناحية والإجراءات المتبعة في القضاء الرسمي من ناحية أخرى. هنا أيضًا يتحدث المؤلف عن سمات الشخصية اليمنية ومنها العجلة ونفاد الصبر، وبالتالي فإن هذه الصفة قد جعلت منه إنسانا يتجاوز الأشياء والإجراءات للوصول إلى هدفه، وينفّر من الإجراءات والطرق الملتوية أو الطويلة للوصول إلى الهدف الذي يريد تحقيقه، كما يقول كذلك إن الدويلات المختلفة قد تعاقبت على اليمن وامتدت إلى حضرموت مثل الدولة الرسولية والصليحية والطاهرية، إلا أن نفوذ تلك الدول كان محصورا في المدن والسواحل، واستمر الوضع في الداخل الحضرمي تسوده الفوضى وعدم وجود محاكم أو مظاهر للدولة في تلك المناطق، خاصة بعد سقوط الدولة الإسلامية وظهور الدولة القطرية في أكثر من منطقة في العالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي ترتب عليه انتشار الفوضى والصراعات القبلية وانتشار أعمال السلب والنهب، مما دفع مشايخ القبائل وغيرهم من القيادات المحلية إلى تبني القواعد العرفية الموروثة وتجديدها واستمرار العمل بها وتنظيمها كأساس لحل النزاعات، وتشكلت وسائل ضبط اجتماعية قائمة على الموروث الثقافي في حضرموت من جهة، والشريعة الإسلامية من جهة أخرى، وإذا عدنا، يقول المؤلف، إلى كتابة قواعد السبعين في برط عام 1127هجرية سنجد أنها كانت استجابة أيضا لما جاء في مقدمتها نتيجة لغياب الدولة وانتشار الفوضى في اليمن عموما، والموروث الثقافي الذي ساد المناطق الشرقية بصورة خاصة حيث تتفق قبائل منطقة الجوف ومأرب على أن مرجع الأحكام عند الاختلاف هو ابن عجاج في حضرموت، وهذا يدل على التواصل الذي كان قائما بين القبائل على امتداد الصحراء من الجوف إلى حضرموت.
عوامل متعددة
هنا ينحو الكاتب في دراسته هذه إلى أن الحكومات الجمهورية المتعاقبة لم تعمل على تغيير البنيه الاجتماعية من خلال تنمية اجتماعية وثقافية متكاملة، وهذا ما ينبغي العمل من أجله في المستقبل، وعند الحديث عن العرف القبلي لا نستطيع، يقول العليمي، أن نغفل الحديث عن محافظة المهرة فرغم قلة أو ندرة ما كتب عن الوضع الاجتماعي في محافظة المهرة فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن المحافظات اليمنية دون الحديث عن محافظة المهرة وطبيعة الأحكام العرفية فيها.
نهاية يقول رشاد العليمي في دراسته هذه لا شك أن عزلة اليمن في الماضي، وبُعده عن مراكز الحضارة العصرية قد ساعدا على استمرار الأوضاع والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية؛ في أن تعيد إنتاج نفسها، كما أن دخول اليمن الإسلام لم يلغ تماما بعض عناصر التراث الثقافي اليمني، خصوصا تلك التي لا تتعارض مع العقيدة الإسلامية، ولقد كانت قواعد وإجراءات حل المنازعات بالطرق العرفية، أحد مظاهر التراث الثقافي اليمني المتميز الذي حافظ على الاستمرارية في إطار البناء الاجتماعي في اليمن على مدى قرون طويلة، وساعدت على هذا الاستمرار عوامل متعددة.
|