القاهرة 19 ابريل 2022 الساعة 10:24 ص
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
كيف حالك؟ أظنك بخير.
أتدري أنني أصبحت أعد الأيام وأحصي الساعات للكتابة لك.
حقا أفتقدك وأفتقد البوح لك.
أتمنى أن يكون شعورًا متبادلًا، وألا تشعر بالضجر، من كثرة مراسلاتي، واستماعك لحكاياتي، التي لا تنتهي!
لا أخفي عليك أني بت أستمتع بسؤال الآخرين عن سبب مراسلتي لك على وجه التخصيص؟!
في البداية كنت أنزعج وأجيبهم على مضض لرغبتي في الاحتفاظ بالإجابة كسر خاص بي.
ثم أصبحت أترقب بشغف تساؤلهم لأخبرهم بأسبابي الخاصة، وسر تعلقي بك، وبلحنك الخالد.
على كلٍ..
اكتشفت حقيقة متأخرة وهي أنني أصبحت متيمة بشهر أكتوبر وانضم إليه شهر أبريل!
ليس لأنه يضم يوم ميلادك فقط وإنما لأن به أجمل عيد وطني، يخص أغلى قطعة أرض على قلوبنا نحن المصريين، ألا وهو "عيد تحرير سيناء"..
أي شيء يخص سيناء على وجه التحديد أجدني أتحمس له.
ألا تتفق معي أنها تستحق هذه الغلاوة في قلوب المصريين جميعًا وأنا خاصة.
لا أخفي عليك، وقعت في حبها، بمجرد أن وطأت قدماي أرضها في زيارة خاطفة لطابا منذ سنوات.
طابا..!
تلك البقعة الغالية التي عادت لنا مؤخرًا بالطرق الدبلوماسية والتحكيم الدولي.
بمجرد أن تخطيت نفق الشهيد أحمد حمدي وتوقفنا في الاستراحة وهبطنا من الحافلة، وجدتني أتلفت حولي بحب، بشغف من يتزين لمقابلة حبيبته..
ها أنا أتزين لملاقاة حبيبتي..
كم هي مبهرة...
ساحرة، خاطفة للقلوب، سالبة للألباب!
تستحق أن تكون مطمعا على مدار التاريخ!
ربما سحرها وجاذبيتها يكمن في كونها أرض طاهرة، وطأتها أقدام الأنبياء والصالحين، وروتها دماء أطهر من فينا من شهداء!
أثناء تواجدي فيها وعلى شاطئها الفيروزي المياه، تعرفت على سائحة عربية من عرب 48، أخبرتني أنها جابت الأرض شرقا وغربا ولم تجد في جمال وسحر وجاذبية سيناء، أخبرتني أنها ذهبت لنيس في فرنسا، وسردينيا في إيطاليا، والبحر الميت بالأردن، وغيرها من البلدان التي تتوق النفس لزيارتها، ولكنها لم تجد سحرا وطمأنينة سوى في طابا، ليس لأنها قريبة من حدودهم فقط، بل لأن لها جاذبية خاصة، من يزورها مرة يدمن زيارتها، من يرى معالمها يقع في حبها، تماما كمن وقع في الأسر!!
شعرت بالخوف لوهلة.. إذا كان هذا شعورك وأنتِ عربية فلسطينية.! ماذا عن الآخرين؟! و من أراهم هنا بكثرة!!
حتما يندمون على عودتها للسيادة للمصرية.. فليحفظها الله لنا إذن وأشكر كل من سعى وأعادها إلينا.. لمصرنا الغالية..
سيناء..
تلك البقعة الساحرة التي تتوسط القارتين، وتربطنا كالشريان بقارة آسيا.
سيناء ترابها تبر، وجبالها آية في الجمال، وسماؤها نقية باتساع الكون.
كم كنت أتمنى أن أزورها معك، أن نسير على شاطئ العريش الذي تزينه أشجار النخيل، فتتخيل أنك في جزر المالديف وليس في مصر العظيمة.
كم أتمنى أن ألتقط من رمالها أحجارًا ملونة وقواقع متفاوتة الأحجام، وأصنع بها سوارًا خاصًا لك، به رائحة بحرها، وبصمة صخورها ولمستي الخاصة، لتزين مرفقك وأنت تعزف لحنك الأبدي على الشاطئ، لتخمد ثورة الأمواج، وتنصت إليك مخلوقات البحار، وتنسجم معك في تلاحم من نوع خاص كالمعتاد.
لتظل رصاصتك في قلوبنا جميعا وليست قلبي فقط.
عزيزي عمر خورشيد..
أطلقت رصاصتك واستقرت بقلبي قبل أن تستقر براحة محمود يس في الفيلم.
كم وددت أن يولي المسئولون اهتماما خاصا بهذه المناسبة الوطنية كاهتمامهم بالسادس من أكتوبر.
أتدري أنني أتخيلني محل أي مسئول يشغل منصبا ثقافيا أو تعليميا، وأول ما سأفعله هو تدريس بطولات وتضحيات جيشنا في المراحل المختلفة للتعليم.
لابد أن نعلم الأجيال أهمية الوطن، وقيمة الأرض، ولن يدركوا هذا إلا بهذه الطريقة.
أما لو كنت ذات منصب في الإعلام أو الثقافة، فسوف أسخّر أعمدة يومية علي مدار الشهر في الصحف القومية للتحدث عن هذه الحرب التي أذهلت العالم، وأبهرت المحللين، بنصر أعاد لنا الأرض والكرامة.
بكل الأحوال، هذه مجرد أمنيات، أتمنى أن يلتفت إليها أحدهم!
عزيزي عمر خورشيد..
يقولون إن العمر لحظة!
أدركت هذه الحقيقة عندما عايشت أمرًا بشكل مفاجئ دون ترتيب، أمر جلل، حيث كان ابني على حافة الخطر، ابني أغلى ما لديّ في هذا العالم كان قاب قوسين أو أدنى من الموت، هو ومن معه.. أتتخيل!
أثناء تواجدنا في مكان ما، اعتدنا التواجد به، أصرت ابنة صديقتي على الذهاب لمكان آخر بعيدا عن مكان جلوسي مع والدتها، بعد محاولات إقناع عديدة مني رضخ ابني وذهب معها، وما هي إلا لحظات، إلا وسمعنا صوت انفجار هز المكان بأكمله!
عادة في هذه المواقف ارتبك أو أخاف، لكن الله أنزل سكينته عليّ.
اعتقدت أن هذا الصوت ما هو إلا صوت انفجار إطار شاحنة ما أو شيء من هذا القبيل.
ثم لمحت عن بُعد ألسنة اللهب تضيء السماء، في مشهد مهيب، وصوت النيران مع الهواء، ورائحة غاز تملأ المكان، هنا أدركت حقيقة الأمر أن هناك خطرا محدقا، وأن هذا الخطر قريب جدًا جدًا من مكان تواجد الأولاد!!
سادت حالة من الذعر، وهرولت صديقتي بفزع تجاه مكان تواجدهم! واتصلت بابني لأطمئن عليه وعلى من معه، مشددة عليه بضرورة مغادرة المكان، والبعد عن موضع الانفجار، الذي فعليا يفصل بينه وبينهم سور خراساني فقط!
لم أشعر بالخوف، وإنما بقلق مفرط، حقيقة أن هناك خطرا لا تعرف كنهه، وأنه من المحتمل أن يمتد أو يتكرر أمر مفزع حقا!
أدركنا فيما بعد أن الحريق بسبب انفجار في خط غاز بالقرب من مكان تواجدنا.
أحمد الله أن الأمر مر مرور الكرام دون خسائر بشرية، بفضل من الله وكرمه..
لا أخفي عليك ما زال صوت النيران ولهيبها المتأجج الذي كان يتجدد بفعل الرياح يتردد صداه في أذني..
لامني المقربون في السابق عندما أخبرتهم أنني أعتقد أن أولادي في خطر محدق خارج أسوار بيتنا، وأنهم يصارعون الديناصورات!
هكذا هي الأم.!
تظل في حالة قلق دائم، ولا يهدأ لها بال إلا بعد أن تطمئن على ما يخصها فقط..
أشفق حقًا على كل أم أجبرتها الظروف على مفارقة أبنائها لأي سبب كان.
حفظ الله كل أمهاتنا وكل أبنائنا.
عزيزي عمر خورشيد..
لا أظنك تعتقد أنني أبالغ في الخوف على أبنائي، فهم كل ما أملك في الحياة.. أتنفس لأجلهم وأمطرهم بدعوات أتمنى أن تحفظهم بعد رعاية الله ومشيئته وقدره.
عزيزي عمر خورشيد..
اعتدت أن أبثك مخاوفي وما يزعجني.. أطلت عليك هذه المرة، لكنك ستقدر وتتحمل ثرثرتي كالمعتاد.!
هناك شيء آخر أزعجني كثيرًا، لست أدري لماذا ضايقني هكذا!
ربما لأن تكويني عاطفيا يرتبط بالناس ويتعلق بالصورة.
كم أود أن أثبّت الزمن على وضعه الحالي، بكل أفراده، لا أريد أن ينقص منه أحد، أو يستبعد أحد لأي سبب كان.!
قد يرى البعض تصرفي هذا تصرفًا طفوليا..
لكن.. هذه أنا.!
أحب الجميع سواء أكانوا مقربين، أصدقاء، أو معارف، أو زملاء، أو رفاق عمل، أو حتى أشخاص وجودهم يزعجني، فبدون هؤلاء تصبح الحياة هادئة، رتيبة، باهتة!
علمت عن طريق الصدفة، أن أحدهم تم استبعاده من عمله بشكل مفاجىء، لست أدري لماذا؟!
قد يكون ارتكب أمرًا يستحق بسببه ذلك الاستبعاد، لا أنكر ذلك، لكن هل يتم الإقصاء دون تمهيد، دون إنذار، دون لفت نظر؟!
خاصة وأنه ماهر في عمله، سواء اتفقنا أو اختلفنا على طريقة أدائه لهذا العمل.!
ألا يتبع المعلمون طرقا شتى لتعليم الطلبة؟!
ربما هكذا هو، يتبع مدرسة تعليمية حادة إلى حد ما.!
لست أدري هل أنا متحيزة له، أم لأن الأمر طال مصدر رزقه؟!
أصابني الأمر بتشتت لحظي، ووضعت نفسي مكانه، ماذا لو كنت مكانه؟!
أو كان مكانه شخصا مقربًا مني، يمسني.!
حتما سأنزعج، سأصاب بالحزن، خاصة لو كان مثل هذا الشخص يعمل في مكانه لسنوات عدة، بخلاف أنه لا يتقن سواه، ويجيده حد الاحتراف.!
أعلم أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وإنما على مراحل، وأنه لابد من وجود عثرات حتى ندرك قيمة ما فُقد.!
وأن نقدر على النهوض، بعد السقوط ،بعد تجاوز هذه العثرات والمحن.
لكن يظل الإحساس والشعور بالإقصاء أقسى ما يعانيه الفرد.!
أتمنى أن يعود كل شيء لنصابه، وأن تعود الصورة كالسابق..
عزيزي عمر خورشيد..
أعاني منذ بداية هذا العام من توتر مستمر.. لدي صديق آخر يمر بمحنة شديدة، وكرب عظيم، وهو أبي الروحي وداعمي الأول بعد الله سبحانه وتعالي، حيث يعاني من أمر صحي جلل، أتمنى أن يمن الله عليه بالشفاء العاجل.
يمكنك أن تقول إنني أعاني من رهبة الفراق..
لا أعاني فقط بل أصاب بانهيار..
أتمنى أن تمر هذه المرحلة على خير، وأن تظل الصورة مكتملة الأركان بأفرادها جميعًا دون نقصان، ولا مانع من الزيادة بالطبع..
عزيزي عمر خورشيد..
أتمنى أن تظل بخير، وأن تظل مصوبا رصاصاتك لقلوب المصريين في كل مكان وكل زمان..
وعذرا على الإطالة..
وإلى لقاء جديد..
كن بخير.
|