القاهرة 12 ابريل 2022 الساعة 12:35 م
بقلم: حاتم عبد الهادي السيد
يعد الشعر النبطي واحدا من طرق التعبير الشفاهي الشعري الذي نجده عند شعراء الخليج العربي والبوادي العربية والمملكة العربية السعودية وبادية الشام، ولعلنا نشير إلى أن أول من استخدم هذا الشكل الشعري هم شعراء الخليج العربي وبخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن المملكة العربية السعودية قد ضربت شوطا في القدم منذ عقود طويلة ليتشكل هذا اللون الشعري اللهجي الشعبي الأقرب إلى الفصحى، وهو شعر يعبر عن عادات وتقاليد وموروثات وطبائع شبه الجزيرة العربية، ومن تبعهم بعد ذلك في البوادي العربية الممتدة.
وإذا كان الخليل بن أحمد الفراهيدي قد استحدث موسيقى الشعر العربي العمودي وتفاعيله، وتبعه الأخفش بإضافة بحر المتدارك، الا أن الشعراء الشعبيين النبط قد استحدثوا بحورا مغايرة عن بحور الخليل، لتتمايز الشعرية العربية، ولتندغم اللهجة العامية الشعبية في تناسق وزني ولحني اقتضته طبيعة النبر اللهجي، والموسيقى الخاصة التي تتناسب والبيئة الصحراوية، حيث مفردات الطبيعة الصحراوية تشكل هوية وأغراض هذا اللون الشعري الجميل.
وفي هذا المقال سنتعرض إلى بحور هذا الشعر وعوالمه، لنرى التقارب والالتصاق في بعض البحور، كما نرى التمايز والتغاير حتى في المسمى للبحر، وإن تقارب من موسيقى الخليل، الا أنه يتباعد كثيرا حيث الأذن في البادية قد اعتادت على أنماط موسيقية اقتضتها طبيعة الصحراء كصوت الماء وهو يخرج عبر الدلاء، وحيث صوت الطيور وهي تمخر عباب السماء، وصوت الناقة والماعز وآلات الشعر البدوي المخصوصة كالناي والأرغول والشبابة والمزمار وغيرها.
هذا وتتألف أوزان هذا الشعر من ثلاثة عشر بحرًا، وهذه البحور هي:
1- البحر المسحوب: وهو بحر شعبي، كثير التداول، ويعتبر أشهر بحور الشعر النبطي وأكثرها شيوعًا وتفعيلاته هي: مستفعلن مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن فاعلاتن
وهو السائد الآن بالشعر النبطي، وهو مربوط بقافيتين، أي كل شطرة لها قافية خاصة تتبعها الشطرات التي بعدها ولا يجوز أبدا أن تكون الشطرتان على القافية نفسها، ومن أمثلته قول الشاعر البدوي:
ما يستريح القلب لاصار مشغول لا ولاتنعذل نفسن على فقد أهلها
ولايشتكي راسن عن الجسم مفصول ويمنا تفاخت مايركب بدلها
ومن أمثلته كذلك قول الشاعر:
انسى ترى النسيان نعمة كبيرة ودليل هذا في حضورك نسيتك
انسى ويمكن ما حصل فيه خيرة خلني أقول أقدار ما قول ليتك
2- البحر الهجيني: ولقد سمى بهذا الاسم لأنه يغني على ظهور الهجن أي الجمال، والهجيني من الهيجنة، تعني بالضبط الغناء السريع سريع الإيقاع، وأصل الهجيني هو الغناء على ظهور الركايب، أى الإبل النجيبة الأصيلة. وهو قريب من تفعيلات البحر المجتث في الشعر الفصيح، وتفعيلاته: فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن مستـفعلن فاعلاتن مستـفعلن فاعلاتن
وقد يتنوع البحر فيأتي على موسيقى أخرى:
مستفعلن فاعلن فعلن مستفعلن فاعلن فعلن فاعلاتن فاعلاتن
ومن أمثلته قول الشاعر:
أما انت هيجن اليا هيجنت وألا أنت عن فاطري حول
عشيري دافي الحشا مهو أنت والا أنت كذاب ومهول
يا رسول البشاير بلغ الشوق عني
قل له القلب حاير والسنين اتعبني
وقول الآخر:
اجرحيني جرح في قلبي عميق جرح ذكرى ما تداويه السنين
والرسايل ولّعي فيها حريق واثبتي شكي في حبك باليقين
وقد يحدث زيادة في البحر، أي في البيت الشعرى فيزيد الشاعر: فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن.
ولنا أن نلحظ أنها أوزان سماعية، وإن جاءت بصيغة قياسية في الظاهر، فالغرض موسقة البيت الشعري وتناغم هارمونية الشعر في الأبيات.
3- البحر الصــخري: وهو اسم اشتق من الطبيعة الصخرية، دلالة الى قوة وصعوبة من يرتاد هذا البحر من الشعراء، فلا يقدر عليه إلا الفحول، ويلتقي هذا البحر مع البحر الوافر في الشعر الفصيح، ويكثر النظم عليه قديمًا وحديثًا، وتفعيلاته: مفاعلتن مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن
وقد تزداد كلمة فيصبح مستفعلن، أو مستفعلان
ومن أمثلته قول الشاعر:
حبيبي بالعفو أرجو شمولي سجين وبالعدل أطلق وثاقي
كلام لفقه شخص فضولي على شخصي ترا محض اختلاقي
4- البحر الطويـل: وهو على نفس تفاعيل البحر العربي الخليلى الفصيح، تفعيلاته:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
ومن أمثلته قول الشاعر:
نوي القلب نيه ما نواها لأحد غيرك نوى القلب يمشي لك على السمع والطاعه
مع الشك والغيره وهجرك وتقصيرك أحبك وأقول أمرك له الروح خضاعه
5- البحر البسيط: وهو نفس تفاعيل البحر العربي الفصيح، وتفعيلاته:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
ومن أمثلته قول الشاعر:
أرجوك جفت دموعي لا تبكيني يكفيني اللي مع الهجران قاسيته
6-بحر الهـزج: وهو بحر عربي كثير الاستعمال، وتفعيلاتُهُ هي:
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن.
ومن أمثلته قول الشاعر:
مشاعر تختلج فيني لخلّي كيف أوصّلها
وشوق بناره يكويني يذيب الروح ويقتلها
7- البحر المديد: وهو نفس تفاعيل البحر المعروفة، وتفعيلاته:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.
ومن أمثلته قول الشاعر:
طايرات الميق واحد وعشرين ما تصيب أهدافها مثل عينك
والرموش السود صفت جيشين واشرقت شمس الضحى من جبينك
8-البحر المتقارب: وهو بحر له نظيرُهُ في الشعر الفصيح، وتفعيلاته:
فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن
9-بحر الرجز: وهو بحر عربي، وردَ في بحور الشعر العربي الفصيح، وتفعيلاته:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن
ومن أمثلته قول الشاعر:
والله ما أستجدي بشر لو عشت وبساطي حصير أذل نفسي لا حشا لإنسان واطلب حاجتي
ما همّني بين البشر كلمة تقال إني فقير دام الكرامة داخلي أمشي ورافع هامتي
10-البحر الهلالي: وهو بحر شعبي يزيد على بحر المسحوب حرفًا في نهايتهِ، وتفعيلاتُهُ: فاعـلاتن فعولـن فاعـلن فاعـلاتن فعولـن فاعـلن
ومن أمثلته قول الشاعر:
فارقت من لا كان ودي أفارقه بعد الظلام وتوها الشمس شارقه
11- البحر اللويحاني: وتفعيلاته:
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
ومن أمثلته قول شاعرهم:
أنا أمس العصر والبارح وعصر اليوم والليله عليهن أطول أيام السنة وأقسى لياليها
12- بحر الحداء: وهو يختص بالغناء للإبل كي تزيد من نشاطها وقوتها، وتقطع مفازة الصحراء، وهو مجزوء البحور كالأرجوزة، التي تقتصر على الأبيات الخفيفة، وتفعيلاته: مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن،
ومن أمثلته قول شاعرهم:
عرّب وليدك عرّبه والنار من مقباسها
بنت الردي لاتاخذه لو هو طويلن راسها
13-البحر المسحباني: وهو يعتمد كذلك على مجزوء البحور، وله العديد من التفعيلات، وأشهرها: مستفعلن فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
ومن أمثلته قول شاعرهم:
صلو معي يا مصلين على النبي بدر معلوم
جبريل ضع له جناحه
يصلى جنهم مصلي تعرف لهم قدر معلوم
يارب عنه انج ناحه
وتسمى الشطرة الثالثة بالقفلة للبيت الشعري، أى أنه يتكون من ثلاثة أشطر.
وهناك أنواع أخرى من القصائد تأتي على هذه البحور، لكنها كتبت في الغالب للغناء، في بعض البلدان كالكويت والبحرين وفى السعودية أيضا، وبعض دول الخليج منها: العرضة، المروبع، السامري، كما يوجد ببادية سيناء: الدحية، المشرقية، السامر ومنه: المربوعة، الرزعة، الخوجار، وأغاني التحطيب، وكلها على الأوزان السابقة نفسها.
أقسام الشعر النبطي:
ينقسم الشعر النبطي الى قسمين:
الشعر المنظوم: ويسميه البعض شعر الديوان وهو الشعر الذي ينظمه الشاعر متى أراد.
الشعر المرتجل: ويسميه شعراء النبط بشعر الميدان وهو شعر القلطة.
وشعراء النبط يزنون قصيدتهم بالهيجنة أي الغناء فلكي نعرف وزن القصيدة واستقامتها على هذا الوزن يجب أولا أن نعرف بحرها ثم نغنيها على هذا البحر فإذا لم يقف الغناء في بيت أو شطره عرفنا أن القصيدة كلها مستقيمة.
وهناك بعض فنون الشعر ممن تندرج تحت الأوزان السابقة ومنها:
العرضه: وهي فن الحرب عند البادية وهي تتفق مع الحداء بنفس الغرض تقريبا إلا أن الحداء انفرادي للفارس وحده، أما العرضه فهي غناء جماعي يشترك فيه جميع المقاتلين، ومنه قولهم:
سلام ياربعن يصفون الجريف العتيق هو ملحهم بالكون عابينه نهار الزحام
والله يللي منتوي في حربنا مايليق واللي زبنا ننثني دونه وعينه تنام
واللي قعد عن لابته لاتجعلونه رفيق خله مع الخفرات خدا من لسمر لثام
السامري:
وهو لون من ألوان الغناء الجماعي، ومنه قول شاعرهم:
هو سيد الرعابيب أخد عقلي بزينه
تمكن في ضميري
انا بدار المعازيب يميني في يمينه
تغيب عن نظيري
المروبع:
يعني قصيدة من أربع شطرات تكون الثلاث شطرات الأولى على قافية واحدة، والرابعة بقافية مختلفة تكون مستمرة حتى نهاية القصيدة، كقول شاعرهم:
من يوم لاقاني عشيري معه خمس اليا تخطا بينهن كنه الشمس
نشدتهن من ذا وقالن لي الطمس هذا عذاب أهل القلوب المشقاة.
نظرة تحليلية لبحور الشعر النبطي:
وبنظرة تحليلية نرى مدى القرب والبعد عن وإلى البحور الخليلية العربية، بما يشير الى عروبة هذا الشعر، ولو اللهجة القبائلية الشعبية المستخدمة لقلنا إن شعراء النبط استحدثوا تفاعيل تكمل ما بدأه الخليل، وإن حدث هذا بالفعل، إلا أن الكثير من الباحثين يعدون أوزان الشعر النبطي وبحوره تسعة فقط، مخرجين البحور التي تتسق وأوزان الخليل، وإن اعتمدت التفاعيل على الحركة والسكون كذلك.
كما نلحظ أن الشاعر النبطي لا يستخدم الزحافات والعلل هنا، ولا يعرفها، فهو يلقي الشعر بالسليقة، فخرجت الأوزان بهذا الشكل الذي رأيناه فأطلقوا عليها مسميات من البادية كالصخري نسبة الى الصخور، أو لقبيلة صخر، والهلالي نسبة إلى الهلال أو بني هلال، والمسحوب نسبة إلى سحب الجمل أو الناقة، والهجيني نسبة إلى الهجن التي تمثل رمز البداوة، واللويحاني نسبة إلى الذي يلوح من بعيد كالضيف وغير ذلك.
وفي النهاية: لقد اقتضت حياة البداوة وجود لهجة خاصة للقبائل العربية، ونمط معيشة خاصة، لذا كان شعرهم يشبههم كذلك، خاص بهم، يتذوقونه ويتغنون به في رحلاتهم وفي أفراحهم وأتراحهم كذلك.
|