القاهرة 11 ابريل 2022 الساعة 11:19 ص

كتبت: زينب عيسي
خمسون عاما هجريا هي عمر نصر العاشر من رمضان ولا يزال السؤال يتردد، هل واكب الأدب هذا الحدث العظيم الذي أعاد لمصر عزتها وكرامتها؟ هو ليس كلام إنشائي لكنها الحقيقة ربما لم يعاصر جيلي أحداث الهزيمة في 1967، منا من كان يحبو أو لم يأت إلى الدنيا بعد، لكن تداعيات تلك الأيام تذكرها الأجيال كافة، بل إنها تركت في قلوب الكثيرين غصة، خاصة لدى المثقفين والفنانين، تلك الفترة التي شهدت حالة من الارتباك بين الجموع، فرأينا هجرة كثير من الفنانين إلى البلاد العربية، وإنتاج العديد من الإعمال التي أقل ما توصف بأنها دون المستوى رغم عظمة صانعيها، وهذا أمر مبرر تماما فالإبداع ينزوي وسط المحن، أما غير المنطقي فهو ألا يحتفي الأدب المصري بحرب أكتوبر المجيدة التي توافق العاشر من شهر رمضان اللهم سوى عدد من الروايات التي تحول بعضها إلى أفلام أو أعمال درامية لا ترقى إلى مستوى هذا اليوم الفارق في حياة المصريين والعرب أيضا.
فمن منا لا يتذكر تلك اللحمة العربية والملاحم التي واكبت الحرب، والمواقف المشرفة التي وقفتها الدول العربية بجانب مصر حتى خرجت بنصر أثلج صدورنا جميعا، بل قد تجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك لدرجة أن المعاهد العسكرية في العالم ما زالت تدرس حرب أكتوبر وبطولاتها حتى الآن، ووصفت بكونها انطوت على فكر عسكري على أعلى مستوى.. الكثير والكثير من الموضوعات والأفكار والبطولات التي صاحبت الحرب وما دار قبلها من بطولات لا تقل أهمية عن النصر خلال فترة حرب الاستنزاف، وغيرها من الفترات والتي كانت تصلح لأن تجسد في أعمال مهمة سواء على مستوى التأليف الروائي أو الأفلام والدراما والإذاعة.
ما حققه المقاتل المصري من نصر عسكري غير مسبوق آزره دعم عربي كبير ساهم في تغيير نظرة العالم للمنطقة العربية حين تتوحد، فمن منا لا يذكر دور دول الخليج قبل حرب أكتوبر حين قررت معاقبة الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية على موقفها الداعم لإسرائيل باستخدام ما أطلقت عليه "سلاح النفط"، فارتفعت أسعار الوقود بشكل سريع في العواصم الغربية، وتهاوت أسهم البورصات، وتراجعت معدلات الأداء في الاقتصاد العالمي، وأثرت هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي لعدة سنوات، تلك المواقف تعد مادة خصبة لتقدير ورصد الترتيبات التي أدت إلى نصر أكتوبر الذي غير توازنات القوة كافة في العالم، فهل واكبت أقلام المبدعين تلك الملحمة بالشكل اللائق بها؟! الإجابة ليس بالشكل المطلوب والمنتظر.
ما يمكن أن نتذكره عدد من الأعمال ربما لا تتجاوز أصابع اليدين منها "الرصاصة لاتزال في جيبي" للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، الذي اشتهر بالكتابة السياسية المقنعة بامتياز، وتحولت الرواية لفيلم سينمائي بنفس الاسم قام ببطولته الفنان الراحل محمود يس وشاركته البطولة نجوي إبراهيم ويوسف شعبان، ويرمز فيه من خلال الشخوص إلى حال مصر من الهزيمة حتى النصر.
"العمر لحظة" كتبها الراحل يوسف السباعي عن فترة حرب الاستنزاف وتحولت هي الأخرى إلى فيلم سينمائي قامت ببطولته الفنانة ماجدة وأحمد مظهر ونبيلة عبيد، أما كتاب "الحرب في بر مصر " للكاتب الروائي يوسف القعيد، الذي لم يكتب في تلك الرواية عن المعركة ذاتها ولكن عما حدث من تداعيات في نفوس الجنود، وحازت الرواية على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مئة رواية عربية، وهناك أيضا مذكرات قادة معركة النصر والعبور ومنهم مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي، ومذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي.
أيضا هناك رواية للكاتب الراحل والمؤرخ العسكري جمال الغيطاني "الرفاعي" وتتناول بطولات العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعي، مؤسس وقائد المجموعة 39 قتال، والتي شاء القدر أن يقترب منها "الغيطاني" ويعايش أفرادها وأعمالهم القتالية عن قرب في فترة صعبة واستثنائية، كما كتب الغيطاني أيضا رواية "حكايات الغريب" التي تعتبر الأقرب للقراء نظرا لأنها تحولت إلى فيلم أنتجه اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، وتحكي قصة "عبد الرحمن" الشاب الذي اختفي ما بين حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973، وكيف تفجرت الروح المصرية الوثابة لتبحث عن الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطنهم.
عناوين أخرى تأتي على الطريق مثل رواية "نوبة رجوع" للكاتبة انتصار عبد المنعم، ومثل "زهر الخريف" للباحث والكاتب عمار علي حسن، و"موسم العنف الجميل" للكاتب الراحل فؤاد قنديل التي صورت ما جرى على ضفتي القناة قبل وأثناء الحرب، ورواية "دوي الصمت" للكاتب علاء مصطفى الذي كان يعمل ضابطا في الجيش وتعتبر الرواية رصدا حقيقيا لما عاشه وعاناه منذ هزيمة يونيو 1967 حتى حرب أكتوبر فى 1973.. كل تلك الروايات رصدت جانبا من الحرب، لكنها وحدها لا تكفي لتجسد عظمة نصر أكتوبر المجيد.
الأمر الآخر أن معظم من كتبوا عن حرب أكتوبر كانوا يعملون -بشكل أو بآخر- ضباطا أو مراسلين عسكريين، مثل جمال الغيطاني، ومنير عياد، والشاعر عبد الهادي صقر، والقاص سمير الفيل وغيرهم، فلم تعدم مصر كتابا ومبدعين يرصدون هذا الحدث العظيم، وإن كان البعض يقول إن الحرب لا يجوز الكتابة عنها في حينها، فها نحن قد اقتربنا من نصف قرن علي حرب السادس من أكتوبر ولم يحرك كاتب ساكنا ليرصد زخم الأحداث والبطولات والحيوات التي أحيتها روح نصر اكتوبر، ربما بعض الكتاب المعروفين بقلمهم الرشيق قد حاكموا كتابة جيلهم من أن الأدب الذي كتب عن أكتوبر لم يرق إلى قيمة الحدث، لكنهم أيضا لم يحركوا ساكنا ليعبروا بأقلامهم عنه، وأتذكر منهم الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد حين قال في الذكري الخامسة والعشرين لحرب أكتوبر إن كل ما كتب عنها عادي، وليس لدينا حتى الآن الرواية التي كتبت عن الحرب كأقصى فعل إنساني، وعن مصائر الناس أثناء الحرب، وأحاسيس الجنود ومشاعرهم الإنسانية في مواجهة الموت، ورغم أن الروائي الراحل فؤاد قنديل قد كتب عن الحرب لكنه كان يرى أن الاحتفال بحرب أكتوبر لا يكون بالرقصات الشعبية والأغاني.
وتماشيا مع رؤية بعض المثقفين من أن المناخ العام في السبعينيات بعد حرب أكتوبر لم يسمح بكتابة أعمال أدبية عن الحرب نظرا لصعوبة الوضع الاقتصادي في تلك الفترة والتوجه نحو الانفتاح، لكن مناخ الاستقرار السياسي الذي نعيشه الآن يدفعنا للتفكير في أن نحتفي بمكانة حرب العاشر من رمضان على المستويات كافة، تلك الحرب التي نقلت مصر من الانكسار إلى مرحلة الانتصار، إلى البناء والتقدم، وكان الفضل فيها لرجال آمنوا بمبدأ استرداد الأرض أو الموت دونها.

|