القاهرة 05 ابريل 2022 الساعة 12:01 م
بقلم: سماح ممدوح حسن
كثيرًا ما تتجسد مخاوف إنسان من شيء ما فى صورة كلب أسود مخيف يلاحقه، لكن عندما تكون المخاوف ناتجة عن تجربة رهيبة كالاختطاف والاغتصاب، فحينها يكون للكلب الأسود فظاعة غير ممثالة.
تحكي لنا الروائية العراقية "ميسلون فاخر"، في روايتها الصادرة حديثًا، "الكلب الأسود"، عن دار سطور2021، عن التجربة الرهيبة التى تعرضت لها "إيناس، أو جمان" الشابة العراقية، من اختطاف واغتصاب على يد عصابة دولية تتاجر في الأعضاء البشرية بعد خطف الضحايا، مستغلين بذلك الفراغ الأمني الذي ترزخ تحته العراق، من غزو أمريكي أولًا ثم طغيان الحاكم ثانيًا.
تستطيع الفتاة الهرب من خاطفيها بأعجوبة لكن بعدما ذاقت أصناف العذاب، تجويع وضرب، تعذيب، واغتصاب، هتك كامل لإنسانيتها. لكنها انتهزت فرصة اختلاف البائع الخاطف مع المشتري تاجر الأعضاء وهربت بعدما يقتل "محمد" صديقها الوحيد في هذه المأساة.
في الرواية عرضت لنا "ميسلون" حقيقة فظاعة الوضع الأمني في العراق، واستغلال الكثيرين نفوذهم في الدولة وارتكاب تلك المآسي دون أن يرف لهم جفن لعلمهم بمدى حصانتهم ممن هم أكثر نفوذًا. وتسرد لنا "جمان" رحلتها منذ أن هربت من الخاطفين حتى منطقة تمركز أمنى، أوصلها العسكر فيها إلى المستشفى، وصارحوا أهلها بوضع الخاطفين النافذ والذين إذا افتضح أمرهم لا يُستبعد أن يقتلوا العائلة بأكملها، فنصحوهم، بل ساعدوهم، على تزييف موت ابنتهم واستخراج وثيقة وفاة رسمية، وأمروهم بإقامة مجلس عزاء للفتاة، ليستطيع بعدها الأب تهريب ابنته بمساعدة صديق إلى السويد. وهناك يظل يلاحقها الكلب الأسود، ومرض الاكتئاب. مما جعلها امرأة مصابة بتشتت التركيز والاضطراب، تحاول الانتحار، حتى إنها عندما تعرّفت على صديق لها في غربتها "عماد" كان هو الآخر مبتلى بالكلب الأسود نفسه بعد تجربة لا تقل فظاعة من التعذيب في معتقلات النظام العراقي.
• الضحية ومقابلة من ظنته الجلاد
بالرغم من فظاعة ما مرت به "جمان" إلا أنها تمسّكت ببعض من الحياة، فلم تنسى موهبتها في تصميم الأزياء، لتنضم لفريق المصممين في واحدة من أفخر دور الأزياء السويدية، وربما كانت ملاذها الوحيد الآمن. وفي يوم تُقابل من ظنت أنه جلادها، واحد من تلك العصابة التي اختطفتها، عرفت الصوت، لكنها لم تتيقن من صحة ما تسمع. فقد كانت طوال فترة الاختطاف مغممة بكيس أسود على رأسها تتخبط في الظلام. وقررت الانتقام، لكن حدثت المفاجأة التي غيّرت دفة المقادير تمامًا.
رغم صعوبة مرض الاكتئاب الذي عانت منه جمان، حتى كانت تعُد نفسها ميتة مع إيقاف التنفيذ، خاصة عندما كانت تفشل في الانتحار كإجراء تنفيذى للموت، وبعدما ظنت أن حياتها هكذا انتهت ولن تعود لبلادها العراق مرة أخرى أبدًا، صالحتها الحياة والقدر بعدما أهدتها الحب الكبير الذي قتل كلب خوفها الأسود، ولم يعد يطاردها سوى عبق الياسمين في شوارع بغداد.
• سر جاذبية الرواية
أول ما سيلفت نظر القارئ في هذه الرواية، التي تحكي عن معاناة شعب لا ينفك يخرج من مآساة ليقع في أخرى، هو التشويق. وهي السمة الأساسية للعمل الإبداعي. فعلى مدى صفحات الرواية، تقريبا 200 صفحة، سيتشوق القارئ لمعرفة ما القادم من أحداث. مثلًا، هل ستنجح جمان في الهروب من العصابة أم سيعثرون عليها، هل ستشفى من اكتئابها، هل من قابلته هو بالفعل جلادها أم إنها هواجس المهدور آدميته ويتوق حتى لمعرفة وجه معذبيه، هل هو بالفعل الجلاد أم ضحية أخرى له.
بالتأكيد أضيف للتشويق في الأحداث سلاسة اللغة، جزالة العبارات، التي خلت من العامية إلا قليلًا، فسهلّت على القارئ استمتاعه بما يقرأ. ووضع الجملة بمقدار دون إطناب أو اختصار في مكانها الصحيح.
أما بالنسبة للإطار السردي للرواية فكانت عبارة عن سرد على لسان الشخوص، أو حوارات بينهم، غاب عن هذه الرواية ذلك الرواي العليم، وعبرت الشخصيات بلسانها عن مآسيها وأفراحها، وأحزانها وحنينها. فكأنما كنا الصديق الذي يسمع ما أعيا صديقه، أو كأننا مرشد نفسي أراد أحد المكتئبين (الفضفضة) وإزاحة الجبل عن قلب لديه.
لو تأملنا، أو تفكرنا قليلًا بشيء من الخيال فيما لو كانت "جمان" فتاة حقيقية وحدثت معها تلك الفظائع، فهل بالفعل كانت ستشفى مما حدث لها وحوّل حياتها إلى جحيم في تلك الليلة؟ لا أظن أن هذا سيحدث إلا بمعجزة من عند الله، ورغم هذا، فقد استطاعت الكاتبة أن تقنع قارئيها بأن هذا ممكنا، وربما تأتي الحياة بعد، بشيء مما كان قبل.
وعن رواية "الكلب الأسود" سألتُ الكاتبة "ميسلون" عنها:
• تشابهت إقامتك بالسويد وبطلة روايتك "جمان"، فهل بالرواية تشابه آخر بينكما؟
أبدا، الشخصيات التي أرسمها كثيرة ولكن بالنهاية بها من روحي. من الموكد، أن الكاتب لن يكون صادقًا إلا إذا أغدق كمّ كبير من مشاعره في روح العمل. لكن جمان هى كل امرأة عاشت تجربتها. أسرة ملتزمة، حظ عاثر، هجرة مفروضة اضطراب نفسي. كم من النساء يشبهن جمان، مئات، بل آلاف. أليس كذلك.
• كيف ابتكرت هذه الشخصية والأحداث؟
تعلمين أن العراق بلد مستباح منذ بداية الاحتلال، وهذا يترتب عليه استباحة الإنسان كما يستباح الوطن، وتنتشر عصابات دنيئة ومنها الاتجار بالبشر. تخيلت أجواء الاختطاف والتعامل معهم وبعدها رسمت شخصياتى بعناية. علما بأن معالجاتي الدرامية للشخصيات من واقع خيالي فلا يمكن لفتاة مثلها تتغير حياتها إلا فى الأحلام فقط.
• ما هو العمل القادم؟
عملي القادم سيكون متحررًا من الواقع المحلي.
|