القاهرة 22 مارس 2022 الساعة 11:33 ص

حوار: هبة البدري
ذو الإعاقة شخص مثله مثل أي شخص في المجتمع، لكن لديه بعض القصور في أداء بعض المهام الحياتية، وهذا ليس عيبا، ولا معناه أن يعزل نفسه عن المجتمع.. "عمر اليماني" نموذج من الشباب من ذوي الهمم، ينتمي لأسرة متوسطة، فقد البصر في سن الرابعة عشرة، ولم يتمكن اليأس منه رغم ذلك، انتقل إلى مدرسة المكفوفين لاستكمال دراسته، والتحق بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة طنطا، حتى تخرج فيها وهو الأول على القسم، ولكن لم يتم تعيينه معيدا بالقسم، فلم ييأس أو يستسلم، واستكمل مسيرته العلمية حتى حصل على درجة الماجستير في الإعلام من كلية الآداب بجامعة المنصورة منذ أيام، ومن ثم كان لنا هذا الحوار..
• كيف بدأت مرحلة جديدة من حياتك بعد فقد البصر؟
بعد فقدان بصري عشت فترة صعبة، وكنت أعاني من كل شيء، الحركة، والتنقل، والنزول إلى الشارع، كنت أحتاج دوما إلى من يساعدني في أمور حياتي كافة، إلى أن بدأت في التأقلم على الوضع الجديد بمساعدة أسرتي التي قدمت أنواع الدعم النفسي والمعنوي كافة، كانت الأسرة هي سلاحي الوحيد للتغلب على تلك الفترة، وكانوا يبحثون عن أحدث الأساليب في مساعدتي، سواء كانت تقنيات حديثة أو أدوات مساعدة تساعدني في التأقلم على الوضع الجديد والتغلب على المشكلات التي تواجهني.
كما انتقلت إلى مدرسة المكفوفين لاستكمال الدراسة، وبدأت في تعلم طريقة برايل لكي أتمكن من متابعة دروسي، وكذلك تعلمت استخدام وسائل التكنولوجيا المساعدة الخاصة بالمكفوفين وعلى رأسها قارئات الشاشة حتى أتمكن من استخدام الهاتف والكمبيوتر من أجل التواصل مع الآخرين بسهولة دون احتياج لأحد.
• لماذا رغبت في دراسة الإعلام؟ وماذا أضافت دراسة الإعلام إلى شخصيتك؟
بعد فقدان بصري لاحظت أن نظرة المجتمع لذوي الهمم غالبا ما تكون نظرة تعاطف، دون النظر إلى أنهم أفراد عاديين في المجتمع ويمكن أن يكون لهم دور فعال في تقدم المجتمعات ورقيها، لذلك تمنيت أن يكون لي دور -ولو صغير- في تغيير هذه النظرة، وحتى أكون مؤثرا وصاحب كلمة مسموعة أو رأي ينظر إليه بعين الاعتبار فضلت دراسة الإعلام حتى أتمكن من إيصال وجهة نظري وآمالي الخاصة بتغيير وجهة نظر المجتمع لذوي الهمم، وحتى تكون رسالتي الإعلامية نابعة من فهم ودراسة وعلم سليم تستند إليه آرائي.
وقد أضافت دراسة الإعلام إلى شخصيتي الكثير، فقد أصبحت أنظر دائما إلى الأمور بعين الناقد لا بعين المتابع أو المشاهد، وأصبحت دائما أبحث عن ما وراء الأمور، وأميل إلى البحث عن الحقائق دائما.
• الأول على قسم الإعلام، كيفية التفوق في الدراسة؟
كنت دائم حضور المحاضرات بالكلية، ملتزما بتكليفات أساتذتي وتسليمها في الموعد، دائما ما أكتب محاضراتي بطريقة برايل حتى يسهل استرجاعها عند الحاجة، وكان ذلك يعمل على تثبيت المعلومات، بالإضافة إلى الاستعانة بالكتب الجامعية والمراجع الخارجية لزيادة معارفي، وقد كنت دائما ما أبتعد عن أي شيء قد يشتت تركيزي أثناء الدراسة، فأبتعد عن الهاتف وعن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وكنت أخصص وقتا محددا لذلك في اليوم، فتنظيم الوقت يساعد على الاستغلال الأمثل لليوم في القيام بالأمور كافة.
• حصلت على درجة الماجستير في الإعلام، ما موضوع رسالة الماجستير ولماذا اخترته بالتحديد؟
حصلت على درجة الماجستير في الإعلام تخصص الإذاعة والتليفزيون في رسالة بعنوان "فعالية مواقع القنوات الرياضية العربية وإدراك المكفوفين للمحتوى المرئي المقدم عليها" بتقدير ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة وتبادلها مع الجامعات الأجنبية، وكان سبب اختيار هذا الموضوع تحديدا هو الرغبة الشديدة في مساعدة فئة المكفوفين في متابعة المحتوى الإعلامي المرئي بشكل كامل دون فقدان أي عنصر من عناصر هذا المحتوى المرئي على مواقع الإنترنت المليء بالعناصر البصرية التي لا يستطيع المكفوفين إدراكها أو فهم محتواها بمفردهم، وفي ظل التقدم التكنولوجي في التقنيات المساعدة الحديثة الخاصة بذوي الهمم أصبح هناك إمكانية في فهم المكفوفين للمحتوى المرئي كاملا، وذلك من خلال استغلال القائمين على تصميم المواقع المختلفة لتقنيات المساعدة الحديثة، وقد اخترت مواقع القنوات الرياضية تحديدا نظرا لأنها دائما ما تعرض محتوى مرئي بشكل مستمر، فضلا عن أن المكفوفين دائما ما يميلون إلى متابعة المحتوى الرياضي ويتابعونه بشغف، فهذه التقنيات المساعدة الحديثة إذا ما تواجدت في المواقع تجعل المحتوى المرئي متاحا للمكفوفين، فضلا عن أن هذه التقنيات المساعدة الحديثة لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على متابعة الجمهور العادي، ولا تؤثر على المظهر الجمالي للموقع، فهذه التقنيات لا تظهر بشكل مرئي على الموقع، وإنما تكون أثناء التصميم لكي يستطيع الكفيف الاستفادة منها طالما كان يستخدم قارئ الشاشة الخاص به.
• ما الصعوبات التي تواجهك، وكيفية مواجهة لحظات اليأس؟
الكفيف شأنه شأن أي إنسان آخر يواجه بعض الصعوبات والمشكلات في حياته، لكنه يتغلب عليها بالعزيمة والإصرار ومساعدة المقربين له، فكانت أكبر الصعوبات التي تواجهني منذ فقدان البصر تتمثل في الحركة وصعوبات التنقل بمفردي، فبدأت أسرتي تساعدني في ذلك بأن يكون أحد أفراد الأسرة دائما معي في تحركاتي، مع الحرص الدائم منهم على تعلم الحركة بمفردي حتى أستطيع التنقل دون مساعدة من أحد.
أما أبرز الصعوبات التي واجهتني في دراستي فكانت تتمثل في قراءة الكتب الدراسية والمراجع المختلفة أثناء إعدادي لرسالة الماجستير، لكن الأسرة لم تتخل عني في هذا الأمر وتحديدا أمي التي كانت تصاحبني دائما أثناء التوجه للمكتبات المختلفة كي تكون بمثابة عيني التي أقرأ بها الكتب والمراجع العلمية المختلفة، بالإضافة إلى الاستعانة ببعض التقنيات المساعدة في قراءة بعض الكتب الإلكترونية المتاحة على شبكة الإنترنت، هذه الصعوبات أصابتني باليأس في بعض الأوقات، ولكن بدعم من الأسرة دائما ما كنت أستعيد ثقتي بنفسي ودائما ما كنت أذكر نفسي بأن بعد العسر يأتي الفرج وأن لكل مجتهد نصيب، لذلك كنت استمر في دراستي لتحقيق هدفي الذي وضعته لنفسي منذ البداية.
• أخيرا.. ماذا عن الطموحات والأهداف؟
أهدف إلى استكمال دراستي والحصول على درجة الدكتوراة في الإعلام في موضوع جديد يفيد المجتمع ويسعى فعليا إلى تقديم حلول علمية لمشكلات تواجهه لرفعة وطننا الغالي وتقدمه، وأطمح أن أحصل على وظيفة تناسبني وتناسب قدراتي وأستطيع من خلالها إيصال رسالتي التي دائما ما كنت أسعى إلى إيصالها وتحقيقها، سواءا بأن أكون عضو هيئة تدريس في إحدى الجامعات المصرية لتخريج شباب واع بقضايا مجتمعه ويعمل على بذل الغالي والنفيس لرقيه وتقدمه، أو أكون صاحب كلمة مسموعة في إحدى وسائل الإعلام المصرية حتى أتمكن من المساهمة في رقي وتقدم وطننا الغالي الذي ندين له جميعا بالفضل في كل شيء.
|