القاهرة 08 مارس 2022 الساعة 04:12 م
كتبت: سماح عبد السلام
أكد عدد من النقاد خلال مناقشة رواية "فيلة سوداء بأحذية بيضاء"، للكاتبة الكبيرة سلوى بكر والصادرة حديثًا عن دار دوّن، على أهمية هذا النص لما يحمله من دلالات وإحالات وتأريخ لبعض الأمور والأحداث التي حدثت وما تزال في مصر من جانب من وصفوهم "براكبي الموجة".
جاء ذلك خلال اللقاء الذي استضافته آفاق اشتراكية لمناقشة الرواية في لقاء أداره الكاتبة بهيجة حسين وشارك فيه كل من الناقد الدكتور صلاح السروي ومحمد سليم شوشة وتخلله بعض المداخلات.
في البداية قال الناقد الدكتور صلاح السروي إن التحول الذي طرأ على شخصية حسام بطل رواية "فيلة سوداء بأحذية بيضاء" ليس مرده فقط إلى أن المجتمع اتجه إلى الاتجاهات الدينية السلفية الشكلية على نحو ما ولكن مرده كذلك إلى سلفية هذا الكائن.
وأضاف: أن الفكرة هنا هي ركوب الموجه، وأكاد أشتَمُّ من هذه الرواية أنها شكل من أشكال المحاكمة لبعض من أبناء هذا الجيل الذين كانوا مستعدين على الدوام لركوب الموجات والتعامل بانتهازية شديدة مع أشكال التغيير والتحول كافة، ولكن الوحيد الذي ظل على موقفه هو عفت رغم انسحاقها طوال الوقت، إذن القضية بها محاولة للكشف.
ويستكمل: ينتهي الأمر بطردها خارج البيت والفكرة هنا أن هذه المرأة لم تستطع أن تستمرأ وضع الدمية أو التابع، هي تتحدث عن أنها سُلبت إرادتها بالكامل، بما يفُضى في النهاية أنها تخرج من هذا البيت وكأنها قد خرجت من قبو إلى نور وبراح كامل لتستكمل مشروعها بالتفكير بأنشاء مدرسة للرقص.
ويستطرد: العمل يحمل عدة دلالات على قدر استثنائي من الأهمية أولها ما أسميه بلعبة الحُلم والإخفاق، بمعنى أن مدرسة الرقص حلم قديم يراودها منذ التحاقها بكلية التربية الرياضية، هي ترى أن الرقص يفتح عينها على حياة كاملة وبالتالي هذه الفتاة عندما تحلم هذا الحلم البهيج لا تُواجه سوى بانكسارات دائمة، إذن نحن بإزاء فكرة الحلم الذي يجُهض على فترات متتالية ثم ينتصر في نهاية الأمر.
كما أن هناك الحلم الذي يأت على هيئة الرمز مما يساعدنا في تفسير بعض جوانب الرواية، كما أرى أن حسام ما هو إلا مجموعة من الأقنعة.
ويواصل السروي قراءته للرواية ويقول: أرى أن المكان في العمل يحمل دلالة من نوعٍ معين، فالبيت وهو مكان حميم ودافئ وأن كان ممتلئًا بالممنوعات والإملاءات، والأب البسيط الذي لا يهتم بالسياسة على الإطلاق ولكنه يحب عبد الناصر كشأن الكثير، الأم الحنون.
وأكاد أقول إن البيت يمثل مصر بأكملها، هي البيت الكبير الرؤوم الذي يحتض كل أبنائه على اختلاف مشاربهم، نحن إزاء تماهيات إيحائية في هذا العمل.
الزمان في هذه الرواية يكاد يكون زمان خطي، زمن الحدوتة "كان ثم أصبح فصار"، فهي تأخذ هذا الطابع التأريخي وأعتقد أنا لذلك عنونت فصول الرواية بالسنوات، بحيث أننا نكاد نجد أنفسنا أما حالة تأريخية للأشخاص والتكوينات.
ويختم: تهجر بطلة الرواية كل هذا العالم المزيف المليء بالتناقض والقبح على الرغم من ثراءه إلا أنه يفتقر إلى الذوق والاتساق بما يشبه هذا التناقض القائم بين هؤلاء الذين يرتدون السواد وينتعلون الأحذية البيضاء فكأنهم يشبهون الفيلة التي تتشح بالسواد ولكنها تنتعل أحذية ببيضاء.
وفي قراءة ثانية قدمها الناقد الدكتور محمد سليم شوشة رأى أن هذه الرواية تنتمي لنوع لسهل الممتنع، بقدر كبير من البساطة والسلاسة الفنية تنتج خطابًا سرديًّا في غاية الثراء على المستوى الفكرى أو الدلالي والمستوى الجمالي حيث حققت معادلة في غاية الأهمية وهي أن تكون محملة بكم كبير من الأيديولوجيا والأفكار والانحيازات الصريحة دون أن تفقد هويتها الجمالية أو طابعها الفني.
فالنقد الأيديولوجي مهم لهذه الرواية لأن هذه قصة حب ولكنها كانت دالة على حياة مجتمع بأكلمة.
وتابع: هذه الرواية تأخذ موقفًا من فكرة العذرية وتقديري هذا خطاب سردي في غاية الشجاعة والوضوح، وهنا إحالة على المتراكم الجمعي الذي هو في غاية الخطورة لأنه يرتد بشكل ناعم ومع اللاوعي، كما أن الرواية تعتمد فكرة المجابهة والمقاومة، كما أن "حسام" بحسب ما تشكل في خطاب هذه الرواية هو شكل حقيقي ويستحق التعاطف لأنه سقط رغمًا عنه، في حين أن نموذج "عفت" هو نموذج المرأة المصرية التي تنطوي بداخلها على قدرات هائلة وقوة ناعمة قادرة على دفعها لتجتاز الكثير.
|