القاهرة 22 فبراير 2022 الساعة 09:11 م
بقلم: سماح ممدوح حسن
على الرغم من انتشار "أدب الرعب" في الفترة الأخيرة، الظاهرة التي يعُدها البعض ظاهرة سطحية، إلا أن هذا النوع من الكتابة له كتّاب يستحقون قراءة ما يكتبون، ومن بين هؤلاء الكاتب "تامر إبراهيم"، وروايته "منزل السيدة البدينة"، فبإمكاننا إطلاق مصطلح "حدوتة" على هذه الرواية، فهى ببساطة رواية تقرأ كالحدوتة الصغيرة فى جلسة واحدة، وذلك بسبب حجم الرواية الصغير نسبيا بالإضافة إلى سهولة قراءتها.
الرواية تنقسم لجزأين منفصلين، وفي صفحاتها الأخيرة يتداخلان، تحكي الرواية عن "هو" الإنسان الطبيعي تماما في مقتبل حياته، يمتلك بيتا وحديقة ورود، وزوجة جميلة، اضطر لترك جنته هذه ليلتحق بحرب كان يبغضها ويعلم أنه غير منتصر فيها.
يذهب وكتيبته إلى الجبهة ليواجه عدوا غير تقليدي على الإطلاق، بعدما تفاجأ بهذا في موقع المعركة، كان ورفاقه يظنون أنهم سيواجهون أعداء بشريين من أمثالهم، لكنهم اصطدموا بحرب مع مصاصي الدماء وعلى رأسهم "الشبح" قائدهم.
وما أن أسدل ظلام الليل حتى خرج أعداء الشمس لينقضوا على بني البشر المحتمين بنورها، بالفعل أهلك مصاصو الدماء الكتيبة وتبقى الجندي "هو" والذي قرر أن ينتقم لرفاقه، وبأعجوبة أشعل النار في الشبح الساكن لبئر تحت الأرض، لكنه لم يكن يعرف أن مصاصي الدماء لا يحترقون، فخرج الشبح لينتقم منه شر انتقام بتحويله إلى واحد من عشيرته، وترك له رسالة تذكّره "أنت الآن مثلي" وتظل الرسالة رفيقته لآخر يوم في عمره.
كان بالفعل أسوأ مصير، فهو "كان" بشريا يبغض امتصاص دم أهله لكنه اضطر بعد انتقام الشبح، وبعد أيام أو سنوات أو قرون على هذه الحادث، لا يعرف بالتحديد كم مر، أن أحد ضحاياه سيكون السبب في موته.
في إحدى الليالي في قاعات الأوبرا، يجلس شابا يعزف مقطوعة موسيقية ألفها خصيصا لمحبوبته التي سيطلبها للزواج، ويباغتهم "هو" ويمتص دم الشاب ويموت أمام أعين محبوبته التي خرست من صدمة ما تشاهد وظلت مختبئة حتى انتهى هو من ضحيته، محبوبها، وأثناء ذلك سقطت منه رسالة شبحه الأول "أنت الآن مثلي" لتلتقطها الحبيبة، وبعد مرورها بسنوات عصيبة أتلفت فيها أعصابها، وأدمنت على الطعام، قررت الانتقام.
• "هي" الجزء الثاني من الحدوتة:
كانت فيما مضى المحبوبة الشابة الجميلة المقبلة على الحياة ولا تزن أكثر من خمسة وأربعين كجم، تستعد لزواجها من حبيبها الأسطوري كما رسمته في خيالها، وفي ليلة عرضه الزواج عليها بمقطوعته الموسيقية التي ألفها خصيصا لها، تحولت قصة حبهما إلى مأساة خالدة، بعدما شاهدت مصاص الدماء وهو يقتله، ومن حينها وهبت حياتها وأموالها وأفكارها، جندت العالم أجمع لتنال انتقامها ولو بعد حين.
وها قد أتى الحين، لكن بعد سنوات عدة بعدما تحولت الجميلة الشابة صاحبة الخمسة وأربعين كجم، إلى عجوز متهالكة فقدت معالمها البشرية من كتل اللحم التي تراكمت فوق جسدها، بعد إدمانها على الطعام، وصارت خمسمائة كجم، لا تتحرك إلا بكرسي متحرك، وفقط لتتناول ما تحشو به فمها، لكن قبل وصولها إلى تلك المرحلة، أعدت الخطة والمتاهة التي ستصطاد بها شبحها القاتل لحبيبها.
أنفقت ثروتها وأموال أبيها على بناء متاهة من الفضة، والتي عرفت من دراستها مصاصي الدماء أنها تحرقهم، وأسهم خشبية طائرة موجّهة في تلك المتاهة بما إنها لن تقوى على الوقوف ومطاردته لتغرس الوتد الخشبي في قلبه وهي الطريقة الوحيدة لقتله.
الجزء الثالث وهو التقاء مصير "هو، وهي". جاء يمتص دمها فحبسته في المتاهة لتقتله، استطاع الفرار، وهددها بالقتل في اليوم التالي عند عودته بعد مغيب الشمس.
• يوم التقاء المصائر:
عرفت أنها لن تستطيع الهرب من انتقامه، فما كان أمامها سوى مساعدة نفسها، وكما هرب "هو" قديما من شبحه الذي حوّله لشبح، هربت هي أيضا منه، وهو شبحها، وكما حرق شبحه في مخبئه قديما حرقته هي بالمتاهة الفضية، وكما قرر شبحه الانتقام منه قرر هو أيضا الانتقام منها.
لكن حدث ما غيّر الأمور، ف"هو" سئم من دائرة الانتقام التي لا تنتهي هذه وقرر أن يسمح لها بقتله بعدما تذّكر أنها هي نفسها الجميلة المختبئة، حبيبة الموسيقى في الأوبرا.
• لغة الرواية:
استعاض الكاتب "تامر إبراهيم" بضمير الغائب "هو، وهي" عن الأسماء في روايته وكانت هي التيمة التي بدأ بها كل فقرة تقريبا، التي تحكي عن أبطاله، أو بالأحرى التي يحكيها لنا في الرواية، راوي عليم.
ورغم أن الركيزة الأساسية للرواية هي "مصاصو الدماء" وهي فكرة غربية بالأساس إلا أن الكاتب حاول تعريبها قليلا، فلا هو صرّح بموقع للأحداث يدل على جنسية القصة ولا أسماء تُحسب على لغة معينة، بل سرد علينا "الحدوتة" مجردة، أو حتى عالمية، بلغة سهلة، بسرد خال من التشابك والتحايل.
كما أن الرواية تمتاز بعدد صفحاتها القليلة التي تتيح للقارئ التسلي بها في جلسة واحدة، أو هي صالحة لتكون الفاصل بين قراءة كتابين كبيرين في موضوعات مختلفة.
|