القاهرة 22 فبراير 2022 الساعة 11:40 ص
قراءة: صلاح صيام
عالم الغموض والإثارة بين السماء والأرض، وفي بقعة غربية من العالم، داخل طائر حديدي، تحول في لحظة من وسيلة انتقال آمنه إلى نعش طائر، بداخله أكثر من 150 شخصا يواجهون مصيرا غامضا منتهاه التعذيب أو الموت، بعد اختطاف إرهابيين للطائرة التي يستقلونها، في هذه الأجواء الغامضة والمرعبة انطلق قلم الكاتبة فكرية أحمد ليسطر روايتها الجديدة "لغز الطائرة المخطوفة"، التي تحتل رقم تسعة في إصداراتها الأدبية، ورقم أربعة في سلسلة الأعمال البوليسية التي تتوجه بها إلى النشء والشباب بصورة خاصة.
وكما اعتادت الروائية فكرية أحمد في سلسلة أعمالها الجديدة التي تنتمي للأدب البوليسي ألا تعتمد فقط على الإثارة والفضول والانجذاب نحو الذكاء وإعمال العقل في الأحداث والسرد والشخصيات، لجذب القارئ من السطر الأول إلى سطر النهاية، بل تحرص أن تزجج الأحداث بالمواقف الإنسانية النبيلة، والأخلاقيات الفاضلة من حب الوطن والتضحية والترابط المجتمعي والأسري، لتمثل طاقة نور تتسلل إلى النشء في سلاسة وبساطة لتحارب طاقة الظلام وقوى الشر.
وتدور الرواية حول طائرة هولندية تنطلق من القاهرة في طريقها إلى مطار "سخيبهول" الهولندي وعلى متنها 150 راكبا من جنسيات مختلفة بينهم 40 راكبا مصريا، حيث تتعرض الطائرة للاختطاف على يد إرهابيين مسلحين، ويتم توجيهها تحت التهديد إلى جمهورية "سورينام"، في جنوب البحر الكاريبي بدلا من المملكة الهولندية، وفي لحظات ينقلب الوضع الهادئ الآمن للركاب، حين يقتل أحد المسلحين مساعد الطيار لأنه تصدى له.
وتقول سطور الرواية "كانت الوجوه شاحبة، العيون غائرة في فجوات مظلمة من الخوف، الأجساد مرتعشة رغم الحرارة الخانقة، الترقب والصمت يسيطر عليهم وكأن على رؤوسهم الطير، مشهد الضوء الخافت والسكون المذعور، والجثة الملقاة على الأرض في نهاية هذا الممر الطويل، جعل هذا الصندوق الحديدي كالنعش طائر بهم إلى مقبرة جماعية، والطائرة تشق السحاب الأسود إلى المجهول".
وتسلط الكاتبة الضوء بعمق على دور أبطال الرواية، الأشقاء الثلاثة وائل وباهر وندى أو "المغامرون الثلاثة"، والحاصلين على لقب وبطاقات" أصدقاء الشرطة" لأدوارهم البطولية السابقة في مساعدة الشرطة لضبط المجرمين والسفاحين وكل قوى الشر، والمساعدة في تحقيق الأمن والسلام في أي مكان يتواجدون به، حيث يلعب كل من الثلاثة دورا بطوليا كبيرا في إنقاذ المختطفين سواء من حصار الجوع والعطش داخل المعسكر الذي تم احتجازهم به في صحراء جمهورية "سورينام" أو في محاولة الهروب لإنقاذ الجميع. وتصف حالة المختطفين داخل المعسكر بقولها "الساعات تمر بطيئة، والشمس تغرب، وآلام الجوع والعطش تمزق أحشاء الجميع وقد استنفدوا كل ما عثروا عليه بحوزتهم من قطع حلوى أو "لبان" أو بسكويت، ولا أحد يدخل إليهم الخيمة، كما لا يجرؤ أحد منهم على التحرك للخروج من باب الخيمة، التي يبدو من خلال قماشها السميك وقوف أكثر من حارس مسلح أمام بابها، لتفجير رأس من تسول له نفسه من الرهائن مغادرة الخيمة، وهبط الظلام على المكان.
وتواصل الكاتبة وصف الأجواء داخل المعسكر فتقول سطور الرواية "كانت حرارة الشمس تخنق الأنفاس داخل الخيمة رغم اتساعها، ولكن وجود أكثر من مائة وخمسين شخصا بداخلها، وعدم وجود أي منافذ جيدة للتهوية، إلا بعض الثقوب العلوية بسقف الخيمة، مع درجة حرارة الصيف في تلك البقعة الصحراوية من جمهورية "سورينام" التي تصل إلى 33 درجة مئوية، جعل الجميع يعاني من الاختناق، خاصة الهولنديين الذين لم يعتادوا أبدًا على حرارة الجو، حتى وإن زاروا مصر في الصيف، فهم يذهبون إلى الشواطئ الساحرة الممتدة، للتمتع بالإجارة، ولم يتوقع أي منهم أن تنتهي إجازته داخل هذه الخيمة اللعينة، التي تنبعث منها روائح كريهة من دورة مياه قذرة يتقلب عليها الجميع، ويستخدمونها في كل الأغراض، للاغتسال وقضاء الحاجة، وهم لا يعلمون حتى إذا ما كانت المياه نظيفة أو ملوثة، ولكنهم مضطرون على استخدامها.
وفي لقطة درامية حول وفاة إحدى الرهائن المسنات داخل معسكر الاحتجاز بسبب الجوع والعطش لأنها مريضة تقول سطور الرواية "تعالت الصرخات من أحد جوانب الخيمة، كان صوت رجل يبكي بصوت مرتفع ويقول بالهولندية: لا... لا، هرول المغامرون ومعهم عدد من الرهائن إلى مصدر الصرخات، ليطالعوا المشهد الدرامي، كان الرجل العجوز الهولندي محتضنًا زوجته مريضة السكر، وهو يبكي في حرقة أدمت القلوب وأبكت عيون الجميع، كان يردد: ماري، ماري، لا تذهبي وتتركيني بمفردي، ماذا أفعل بدونك، خذيني معك، لا ترحلي، لا ترحلي!. ماتت "ماري"، هذا ما أدركه الجميع، وقد التفوا حول العجوز وزوجته الساكنة بلا حراك، المسكينة لم تحتمل الرعب والضغط النفسي، وهي المسنة المريضة، فأسلمت روحها لخالقها، فهو أرحم مما هم فيه الآن بين أيدي عصابة لا ترحم.
وعندما يعلن الخاطفون المنتمون لتنظيم إرهابي وإجرامي مطالبهم من المملكة الهولندية ومن مصر كشرط لإطلاق سراح الرهائن، وتمثلت المطالب في إطلاق سراح مجرمين دوليين وجاسوس في السجون المصرية، ترفض مصر الانصياع لهذه التهديدات، حتى لا يصبح تقليدا إجراميا للتنظيمات الإرهابية والعصابات الدولية أن تبتز مصر على هذا النحو وتهدد استقرارها أو تعطل مسيرة العدالة بها، وفي لحظة فارقة كان الخاطفون قد بدأوا فيها بتعذيب الطفلة ندى أصغر "المغامرون الثلاثة"، وذلك انتقاما منها لدورها البطولي، بينما قيد المسلحون كل الرهائن تحت تهديد السلاح حتى لا يبادروا بإنقاذها. وتسير الرواية في فصلها الأخير إلى التصعيد الدرامي والمثير في الأحداث، فماذا فعلت قوات الأمن المصري؟ وهل نجت ندى من التعذيب؟ وهل تم إنقاذ الرهائن في تلك الصحراء المجهولة؟ وما هو دور الأشقاء الثلاثة في التواصل مع الأمن عبر أجهزة سرية أهداها لهم الأمن المصري من قبل كمكافأة لهم على أدوارهم البطولية؟ وكيف كانت النهاية؟ هذا وغيره الكثير سيكتشفه القارئ في سطور الرواية الشيقة ذات النهاية غير المتوقعة.
|