القاهرة 17 يونيو 2021 الساعة 01:27 م
منذ أيام تابعت جلسة استماع أحد أشهر شيوخ السلفية في إطار محاكمة 12 متهما بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"خلية داعش إمبابة"، وتوقفت أمام ما قاله "أن حسن البنا أسس جماعة الإخوان من أجل الوصول الى الحكم وإعادة الخلافة"، والحقيقة أن الأفكار الأصولية بدأت قبل البنا بكثير، وأن من وضع بذرتها هو رشيد رضا الذي كشفتها مقالاته في مجلة المنار (1898-1935).
في دراسة علمية رصينة تتبعت الفكر السياسي والاجتماعي في مجلة "المنار" للباحث أحمد صلاح صدرت عن مكتبة الأسرة عام 2015، رصد خلالها ظاهرة المد السلفي و استمرار جدلية المواجهة مع الغرب، وهي مواجهة تاريخية انتقلت عبر مسارات من الاشتباك مع الغرب إلى الداخل، وما زلنا نتلمس آثارها اجتماعيا خاصة في ظل ارتفاع نسبة الأمية فى مصر ومجتمعاتنا العربية.
بالنظر إلى الوسائل التي انتقل خلالها خطاب الأصوليين من المواجهة مع الغرب إلى المواجهة مع الداخل السياسي والاقتصادي والثقافي والمجتمعي، نجد أن الصحف المطبوعة كانت أولى الوسائل التي نفذت منها الأفكار الأصولية وتسللت إلى مجتمعنا المصري، وهو ما تجلى عبر خطاب مجلة "المنار" ومقالات رئيس تحريرها رشيد رضا، ثم الاعتماد بعد ذلك على الإذاعة، ثم الانتقال إلى شاشات التلفزيون مع تغير عادات التلقي لدى المواطن المصرى الذي فضل الارتكان إلى التلقي السمعي والبصري مع انتشار نسبة الأمية في مجتمعنا المصري، ثم من خلال شرائط الكاسيت الشعبية التي انتشرت بشكل كبير في الميادين كافة وأمام المساجد الكبرى والتي انتشرت بشكل كبير في مصر لدرجة أن إحدى شركات إنتاج أشرطة الدعاة من السلفيين كانت تطبع أكثر من مليون نسخة منها، وهو ما كشفه عنوان إحدى الصحف في ثمانينات القرن الماضي، حتى انتقال الخطاب السلفي إلى وسيلة إعلامية أخرى أكثر انتشارا وهي شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى بعد ذلك.
بالنظر إلى الخطاب السلفي الذى حرص على تقديمه عدد من رموز الدعوة السلفية وأقطابها في مصر، آخرهم على سبيل المثال محمد حسين يعقوب، نجد أن خطابهم يتسم بالجمود و الثبات المطبق، وهو ما كشفه تتبع موقفهم من عدد كبير من القضايا الاجتماعية التي شكلت المرتكز الأساسي لخطاب الأصوليين، منها على سبيل المثال موقفهم من المرأة والتعليم ونظام الحكم والخلافة، وهي قضايا لم تشهد أي تغيير رئيسي في أفكار الأصوليين منذ أن سجلتها أعداد مجلة "المنار" وحتى خطب محمد حسين يعقوب، و كأن السلفيين وأصحاب الأفكار الأصولية خارج الزمن ولم تمسهم أية تغييرات مر بها هذا المجتمع أو أي مجتمع عربي.
وعلى الرغم أن اتجاه رشيد رضا في بداياته كان نحو التصوف؛ إلا أن شكوكه فيها زادت فيما بعد حين شهد بعض الممارسات والتدريبات الصوفية التي رأى فيها ابتداعا في الدين بحسب ما ذكره بنفسه في كتابه "المنار والأزهر" الصادر عن مطبعة المنار، ومن ثم تأثره بأفكار مذهب "السلفية الحنبلية" كما تجلت لدى "ابن تيمية" بشكل خاص، إلا أن مسار الخطاب الأصولي للتيار السلفي فى مصر ظل متأثرا بابن تيمية حتى اليوم، وهو ما أشرنا إليه ورأيناه يتجلى عبر العديد من الخطب والندوات لمشايخ السلفية.
تناقضات وأكاذيب أساطين التيار السلفي في مصر تاريخية تذكرتها عندما تنكر محمد حسين يعقوب خلال جلسة الاستماع لشهادته أمام الدائرة الخامسة إرهاب، عندما شدد على أنه ليس سلفيا، ونفيه عن نفسه صفة العالم، وإنكاره لفتاويه برشيد رضا ومقالاته في المنار، التي تحمل تناقضا بين موقفه السلبي من المسيحيين الغربيين، وموقفه المتحفظ من المسيحيين الشرقيين من رعايا الدولة العثمانية آنذاك، وهي سمة مشتركة من سمات الخطاب الأصولي السلفي فى مصر.