القاهرة 11 مايو 2021 الساعة 01:43 م
بقلم: علي سرحان
حين تتملك الرغبة المؤرخ أو عالم المصريات في البحث عن روح وكفاح العامل المصرى القديم، فإنه دون شك سيتحدث عن قرية العمال في دير المدينة بطيبة الخالدة، ودير المدينة هو الاسم الحديث لموقع قرية العمال الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل في مقابل طيبة بالقرب من وادى الملوك، وقد تم تأسيس هذه القرية من قبل الملك أمنحتب الأول ثاني ملوك الأسرة الثامنة عشرة، والذي تم تأليهه وانتشرت عبادته هناك فى العصور اللاحقة، وإن كان بعض الباحثين قد رأوا أن تأسيس القرية قد تم على يد خليفته تحوتمس الأول، الذي عثر على اسمه منقوشا على بعض أحجار الموقع.
وكان يتم تنظيم العمال داخل القرية من أجل بناء المقابر الملكية في وادي الملوك بالبر الغربي بطيبة، ولكن الأدلة والبقايا الأثرية التي وصلت إلينا من عصر الأسرة الثامنة عشرة داخل القرية تعد قليلة إلى حد كبير، حيث عثر على بعض مقابر عمال الأسرة الثامنة عشرة وبعض اللوحات الخاصة بهم، ويبدو أن القرية قد تم هجرها خلال فترة حكم الملك إخناتون، الذي قام بنقل العاصمة إلى العمارنة، ولكن عادت إليها الحياة من جديد خلال عهد توت عنخ آمون، وأعيد تنظيمها خلال فترة حكم الملك حور محب آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
أما عن غالبية المادة الأثرية التي وصلت إلينا من دير المدينة فيعود تاريخها إلى عصر الرعامسة، حيث تم العثور على العديد من اللوحات والبرديات والأوستراكا والمقابر التى يعود تاريخها إلى تلك الحقبة، وقد منحتنا هذه المقابر صورة تاريخية تفصيلية رائعة عن مجتمع العمال هذا خلال عصر الرعامسة.
كان يتم إدارة دير المدينة بشكل مباشر من قبل وزير الجنوب، ولكن فعليا كان يتولى الإدارة فيها قبل الوزير اثنان من كبار رؤساء العمال، حيث كان يتولى كل منهما الإشراف على قطاع معين من العمال، وكان يشاركهما في الإدارة مجموعة من الكتبة من موظفي الحكومة.
كانت القرية بمثابة مجتمع كامل ومتكامل في شئونه كافة، حتى أن المنازعات داخل القرية كان يتم الفصل والحكم فيها من قبل مجلس القرية المكون من كبار رجال القرية، ولكن القضايا الجنائية أو الجرائم كان يتم إرسالها إلى الوزير للحكم فيها.
أما عن مرتبات وأجور العمال داخل دير المدينة فقد كانت عبارة عن كميات من القمح والجعة وبعض المحاصيل الأخرى التى كان يتم منحها إياهم مقابل عملهم، ولقد أشارت بعض البرديات والوثائق التاريخية إلى أن عمال دير المدينة كانوا يمنحون الكثير من الحقوق وإجازات العمل والكثير من الأمور التي يسعى إليها كل عامل، وفي أوقات الفراغ كان يعمل عمال دير المدينة على إعداد بعض المواد الخاصة بمقابرهم الشخصية، وكانوا يعملون على إحضار أدوات وأساسات مقابرهم من خارج مجتمع دير المدينة.
وتضمنت قرية دير المدينة مجموعة من المقاصير الصغيرة خاصة بالمعبود آمون سيد طيبة والمعبودة مرت سجر، حيث كانت تتم عبادتهما من قبل العمال أنفسهم، والذين كانوا يقومون بدور الكهنة كذلك.
ولقد بدأ التدهور يصيب قرية دير المدينة خلال نهاية عصر الأسرة العشرين نتيجة لاضطراب أمور الدولة السياسية والاقتصادية، وتعرض بعض المقابر الملكية للسرقة والتعديات، وقد بقى مجموعة من العمال في مدينة هابو، وكان لهم دور في إعداد الخبيئة الملكية خلال عصر الأسرة الحادية والعشرين.
وقد تم اكتشاف موقع دير المدينة خلال بداية القرن التاسع عشر، وتم العثور به على العديد من القطع الأثرية القيمة التي وجدت طريقها إلى العديد من متاحف العالم الكبرى كالمتحف البريطاني ومتحف اللوفر والمتحف المصرى بتورين.
وقد قامت أعمال الحفائر الأثرية بدير المدينة من قبل إحدى البعثات الإيطالية من تورين خلال الفترة 1905 – 1906م و1909م، ومن قبل بعثة ألمانية في العام 1913م، ومنذ العام 1917م قام المعهد الفرنسي بالقاهرة بأعمال الحفائر والنشر العلمي بالموقع.