القاهرة 04 مايو 2021 الساعة 11:18 ص
كتبت: ابتسام أبو الدهب
عام 1982، كان قراء جريدة الأهرام العريقة على موعد مع باب جديد بعنوان "بريد الجمعة"، كان يعرض مشكلات يرسلها القراء للكاتب الصحفي الراحل عبد الوهاب مطاوع، لمناقشتها ومحاولة التوصل إلى حلول. وعلى مدار 22 عاما ارتبط اسم الباب الأسبوعي به، وبعد رحيله تولى عدد من الكتاب الصحفيين تحرير الباب مثل خيري رمضان وأحمد البري، منذ عام 2004 وحتى الآن.
كان لبريد الجمعة قاعدة جماهيرية كبيرة، وارتبط به القراء على مدار سنوات طويلة، منتظرين بفارغ الصبر كل أسبوع لقراءة المشكلات والتعلم من خلالها بل والمشاركة أيضا سواء بإرسال مشكلات أخرى أو رسائل لمساعدة ودعم أصحاب الحكايات الصعبة.
الآن، وبالرغم من استمرار بريد الجمعة، وبعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من حياتنا، اختلفت الأمور، وتغيرت طبيعة العصر وتسارعت الأحداث، فلم يعد صاحب المشكلة في حاجة للانتظار أياما للرد على رسالته، ولم يعد القراء ينتظرون كذلك، وتبدل الحبر بحروف لوحة المفاتيح وأصبح صندوق البريد إلكترونيا، فقد أتاحت السوشيال ميديا هذا النوع من الاستشارات في أي وقت وفي كل الأيام.
تبادل المشكلات عبر الفضاء الإلكتروني متواجد بأشكال متعددة، ولكن لعل أقرب مثال لبريد الجمعة، صفحة تسمى "حكايات سوكا"، تم إنشاؤها قبل أربعة سنوات وتتابعها آلاف السيدات، تهدف إلى مساعدتهن وتقديم الدعم سواء معنويا أو نفسيا أو حلول لمشكلاتهن. صاحبة المجموعة وفكرتها، هدى عبد الصمد، تستقبل القصص والحكايات عبر الرسائل، وتعرضها –دون الكشف عن هوية الراسل للحفاظ على سريتها- فتشارك المتابعات في إبداء آرائهن ومحاولة مساعدة صاحبة المشكلة. أيضا تتلقى الاتصالات التليفونية عبر بث مباشر فتكون المساحة أكبر للمتصلين للفضفضة ومشاركة آلامهم وما يواجهونه، ويفكرون مع شخص يستمع إليهم ويتعاطف معهم ويناقشهم، ويواجههم بأخطائهم إذا وجدت، الأمر الذي يساعدهم كثيرًا في تخطي المشكلات ومعالجة أمور قد تكون غائبة عنهم وغير واضحة.
لا تقتصر الحكايات على السيدات فقط إنما يشارك الكل، المراهقون والرجال أيضا، فكل من يواجه مشكلة يستطيع عرضها، ومن يحتاج لمساعدة تتدخل "عبد الصمد"، فترسل من يعانون الإدمان إلى مصحات لمعالجتهم، وتوفر صحبة لمن تعانين الوحدة، وتنشئ مجموعات للدعم لمن مروا بنفس الأزمة، فقد الأبناء على سبيل المثال، وغيرها.
عندما يواجه الفرد مشكلة ما، يحتاج إلى الفضفضة والتحدث فيبحث عن أقرب صديق أو فرد من العائلة، ولكن هناك الكثيرين الذين يفضلون البوح إلى من لا يعلمهم ولا يعلمونه، فيبحثون عن شخص غريب عنهم، يشعرون بالراحة تجاهه كي يستطيعوا التحدث حول مشكلاتهم بحرية، وبصدق دون الإحساس بالخجل أو الذنب، ولأن من يشكي له لا يعرف هويته ولا يعرفه بشكل شخصي، فلن يطلق أحكاما عليه وسيتناقش معه ويقدم الحلول بحيادية، فيصبح أفضل نفسيا قادرا على المواجهة، وربما يستطيع رؤية أمور لم يلتفت لها عندما كان يفكر بمفرده، وعلى الناحية الأخرى، يكتسب القراء والمتابعين خبرة قد تساعدهم في حل أمورهم الشخصية دون عناء أو صعوبة، ولذلك احتل بريد الجمعة مكانة في قلوب قرائه، واكتسبت صفحات المشكلات على وسائل التواصل الاجتماعي آلاف المتابعين.