القاهرة 04 مايو 2021 الساعة 10:39 ص
تأليف: ليديا دايفس
ترجمة: سماح ممدوح حسن
عشت وزوجي سنين عدة في باريس، كنا نعمل في ترجمة كتب الفن. وكل ما كسبنا من أموال كنا ننفقه على الأفلام والطعام، شاهدنا عرض أغلب الأفلام الأمريكية القديمة، والتي كانت مشهور ومتوفرة جدا هناك. كنا نأكل في الخارج أغلب الأوقات، فالأكل في المطاعم أرخص، بالإضافة إلى أن كلينا لا يعرف الطهي بشكل جيد.
في إحدى الليالي، طبخت بعض السمك "الفيليه" من المفترض أن يكون السمك الفيليه خاليا تماما من العظم والشوك، لكن الآن اكتشفت أن إحدى القطع بها شوكة بعدما ابتلعها زوجي وانحشرت في حنجرته. لم يحدث هذا أبدا من قبل لأي منا، لأننا كنا نقلق من هذه الحادثة ونتوخاها. ناولته قطعة خبز ليأكلها، وشرب الكثير من أكواب المياه، لكن ظلت الشوكة عالقة في حنجرته، ولم تتحرك.
بعد ساعات من الآلم المكثف، والذي أقلقنا أنا وزوجي أكثر وأكثر، نزلنا من شقتنا وسرنا في شوارع باريس المظلمة نبحث عن المساعدة. ذهبنا إلى الممرضة التي تعيش في الطابق الأرضي، وهي وجّهتنا إلى المستشفي، سرنا في طريق أوصلنا إلى مستشفي"ريو دي فيوجرارد". المستشفى قديمة ومظلمة جدا، وفكرت أن حجم العمل فيها ليس كبيرا جدا.
في الداخل، انتظرت على كرسي متحرك في الردهة الواسعة بالقرب من المدخل، بينما يجلس زوجي خلف باب مغلق وسط مجموعة من الممرضات يحاولون مساعدته لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء سوى رش حنجرته ببعض المواد والوقوف بعيدا والضحك، وهو يضحك معهم، بقدر استطاعته. لم أعرف على ما يضحكون جميعا.
أخيرا، جاء طبيب شاب، وأخذني أنا وزوجي إلى مكان بعيد، عبر ممرات مهجورة، وعبرنا جانبي حديقة المستشفى المظلمة، وصولا إلى جناح خال متصل بغرفة كشف أخرى، حيث يحتفظ الطبيب بأدواته. لكل أداة وظيفة مختلفة وشكل مختلف من الانحناءات، لكن كلهم منتهين بما يشبه الخطّاف. وتحت مصباح الإضاءة الوحيد في الغرفة المظلمة، بدأ يدخل الأدوات واحدة بعد أخرى في حنجرة زوجي، باهتمام وحماس. كل مرة يُدخل الطبيب أداة يبدأ زوجي في القرقرة والتلويح بيده في الهواء.
أخيرا، أخرج الطبيب شوكة سمكة صغيرة وعرضها علينا بتباه، ثلاثتنا ابتسمنا وهنأنا بعضنا. أعادنا الطبيب إلى الردهات الطويلة الخالية. في الخارج وتحت المدخل المقبب الذي تم بناؤه لاستيعاب العربات التي تجرها الخيول قديما، وقفنا نتحدث قليلا، ننظر إلى شوارع الحي الخالية، وتصافحنا بالأيد، ثم سرت أنا وزوجي حتى البيت.
مرت أكثر من عشرة سنوات الآن على هذه الحادثة، وكلانا أنا وزوجي انفصلنا وذهب كل منا لحال سبيله، لكن من حين لآخر عندما نلتقى، نتذكر ذلك الطبيب الشاب "طبيب يهودي عظيم" كما قال زوجي والذي كان يهوديا أيضا.