القاهرة 27 ابريل 2021 الساعة 12:21 م
بقلم: أحمد صلاح
أعتقد أن التطرف ليس قاصرا علي فئة اليمين فقط، فاليسار والوسط يمتلكان كما هائلا من التطرف والإرهاب الفكري، مما يجعلهما في خندق واحد مع المتطرف المتعارف عليه ولكن ينقصه فقط حمل السلاح.
ولكن من أين يأتي التطرف لكلا الفريقين؟
عندما التحقت بكلية الحقوق، كنت أدرس الشريعة الإسلامية، وتخيلت وأنا أتسلم الكتاب الضخم الذي تربو صفحاته على الألف وخمسمائة صفحة أنني لا أحتاج لدراسة هذه المادة وسوف أنجح فيها دون أن أتصفح حتى هذا الكتاب، ولكن بمجرد أن فتحت أولى الصفحات حتى وجدت رأسي تدور وتذهب إلى مسالك وشعب عديدة كانت مغلقة ومظلمة في رأسي، بالرغم من أن الكتاب كان يحمل عنوان "مدخل إلى الشريعة الإسلامية".
وواظبت علي حضور المحاضرات لتلك المادة، وكنت أستمع إلى معلمها وهو يشرح بدايات التعرف على الشريعة الإسلامية، نعم.. البدايات.. فالشريعة والشرع والتشريع علم كامل، لابد له من دراسة على يد معلم، وليس التنظير على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت أول وصية يقولها المعلم "لابد أن تدرس اللغة جيدا".
كان الرجل يجلس على منصة المدرج في الجامعة يتكلم بطريقة لطيفة، وأصبحت أدمن محاضرات هذا الرجل، فهو يترك ساعة كاملة من وقت المحاضرة للرد على الأسئلة، واكتشفنا جميعا أننا لا نعرف شيئا عن الشريعة، وكانت نصيحته المتكررة "اللغة" أي دراسة اللغة العربية.
مفتاح فهم القرآن يأتي في خطين مهمين، الأول هو دراسة معاني القرآن الكريم، والثاني معرفة أسباب النزول، نصحنا معلم المادة أن ندرس في البداية اللغة ونتعمق فيها ونقرأ جيدا في اللغة العربية، حتى نبدأ في فهم القرآن وأسباب نزول الآيات.
من هنا نجد أن محاولات التجديد في الخطاب الديني، المحاولات المعاصرة القائمة على عدم فهم، تقوم في الأساس على الرؤية الذاتية من المنظر دون الرجوع إلى أصل اللغة وأسباب التنزيل، حتى وجدنا بعض المحاولات في الفترة الأخيرة تصل إلى حد التشكيك في بعض الآيات بل وطلب نعطيل آيات لأنها -على حسب فهمهم- لا تتماشى مع العصر.
وعلى الجانب الآخر نجد الفريق اليميني المتطرف يقرأ القرآن والسنة بعدم فهم هو الآخر، ويفسر الآيات والأحاديث على حسب هواه وليس بسبب النزول، فيتحول إلى متطرف ثم إلى إرهابي.
فريق يريد تجديد الخطاب الديني بطريقة فجة، والآخر يفسر الخطاب الديني على هواه، وبينهما شخص ثالث يستمع لكلا الفريقين، ولا يعرف أيهما يتبع!
"إن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق"..
حديث صحيح لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي الكريم كان يحمل شفرات هذا الدين القويم، ويعرف جيدا أن ما حاول أحد أن يشادد هذا الدين إلا غلبه، لذلك أمرنا -أمر تعبدي- أن ندرس ديننا بهدوء وروية، فالدين مثل البحر إذا لم تتعلم السباحة ستغرق فيه، وستصبح أما متطرفا، أو رافضا للدين كله!
إذا دارسة اللغة اللغة العربية أولا، بعد ذلك معاني القرآن الكريم، بعد ذلك دارسة أسباب نزول الآيات، هي المفتاح الأول الذي سيضيء لنا حجرات هذا الدين.