القاهرة 13 ابريل 2021 الساعة 09:57 ص
حاورته: زينب عيسى
عرفات كان يطلبني بالاسم وشهرتي أقل من درويش لابتعادي عن السلطة
المبدع لا يتقاعد وعلمت طلابي العروض بالموسيقى
جذور عائلتي بفلسطين تدحض المزاعم الإسرائيلية بحقهم في فلسطين
مصر لها مكانة كبيرة في قلبي وما زلت على صلة بأصدقائي فيها
اقترن اسمه بالثورة والمقاومة الفلسطينية، وأطلق عليه برفقة محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد "الأربعة الكبار" في الشعر الفلسطيني.. هو الشاعر والأكاديمي الكبير عز الدين المناصرة الذي وافته المنية منذ أيام قليلة جراء إصابته بفيروس كورونا في العاصمة الأردنية عن عمر يناهز74 عامًا، والمناصرة المولود في بلدة بني نعيم بالخليل فلسطين كما نعاه أصدقاؤه ظل أمينًا على رسالته، لم تلوثه أموال السلاطين، ولم تنل من عزيمته "نكبة" أوسلو التي وصفها في إحدى حواراته بأنها تشبه نكبة 1967. الشاعر المقاوم، والمقاوم الشاعر صاحب الصوت النقي المعبر بصدق عن جماهير الشعب في كل مكان.
رغم ما بدى عليه من اعتلال صحي حين قابلته في القاهرة وافق أن نجلس في حوار امتد لوقت أكبر مما توقعت، فقد كان حكاءً من طراز فريد تجلس إليه فيأخذك إلى عوالم وأزمنة ترتبط ببعضها في ذهنه ينتهي من جملة ليضفرها بأخرى في موضوع جديد، لا تنفد رواياته عن الشعراء والكتاب، حكى لي عن الشاعر المتمرد مصطفي وهبي التل والمعروف بعرار الذي كان يحب الغجريات والنور وحياته كانت نموذجًا عجيبًا للتمرد والثورة والانطلاق والتحدي.. تحدث "المناصرة" عن علاقته بالسلطة التي تأرجحت صعودًا وهبوطًا دون أن يمالئ أو يغازل، تذكر البدايات وكيف بدأت بوادر الموهبة الشعرية لديه وفترة وجوده في مصر.
وعز الدين المناصرة الذي غنى قصائده مارسيل خليفة وغيره، واشتهرت قصيدتاه "جفرا" و"بالأخضر كفناه"، وساهم في تطور الشعر العربي الحديث وتطوير منهجيات النقد الثقافي، يعتبر حياته سلسلة من الغرائب والمتناقضات قائلا: لما جيت مصر مكثت من عام 1964 وحتي 1970 فوالدي كان ناصريًّا عندما نصحوه أي من الجامعات ألتحق رفض أن أدخل الجامعة الأردنية أو في دمشق وقال لا أريد أن يكون ابني بعثيًّا، لكنه أصر على أن التحق بالجامعة المصرية "جامعات أبو خالد" وكان يقصد الزعيم جمال عبد الناصر فقدمت لكلية دار العلوم قسم لغة عربية وعلوم إسلامية ودرست اللغة الإنجليزية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عشت في مصر أجمل الأيام وكانت لي صداقات ممتدة حتي الآن.
وحين كنت أستاذًا في الجامعة عرضوا علينا أن نتعلم الفرنسية ومن إعاقني شخص هندي كان طوال الوقت يسألني عن معاني كلمات الفرنسية بالإنجليزية، ذلك الهندي مات جالسًا على كرسي للأبد فذهب للهند في تابوت، وكانت له ابنة كان يخبرني أن كل ما يجمعه من فلوس من أجلها.
كيف ظهرت عليك علامات الموهبة الشعرية؟
في السادسة الابتدائية هجيت أستاذي ومدحت فريق كرة قدم فلقبوني بالشاعر، سألت ابن خالي عن العروض في الشعر لكنه قال لي أنت مازلت صغيرًا، لكن حين صرت أستاذًا بالجامعة بدأت أعلّم الطلاب لغة العروض بالموسيقي، أحب الطلاب في الأقسام الأخرى تلك الطريقة وطلبوا أن يحضروا محاضراتي رغم أنني كنت أدرس الأدب المقارن، وقد أسسنا كليه الآداب في الأردن صار فيها سبعة تخصصات جاءنا نور الشريف وأحمد بخيت ومصريون آخرون.
جمعت بين الشعر والنقد هل كان نظمك للشعر كخدمة للتنظير النقدي؟
بداياتي كانت شعرية منذ عام 1962ومازلت أسمع من أهلي في فلسطين أنني شاعر فلسطين الأول، أما في الأردن حيث أقيم يعتبرونني مؤسس الحداثة الشعرية، وحين انتقلت إلى التدريس بالجامعة كأستاذ للأدب المقارن دخلت عالم النقد الحديث وقد نجحت في الفصل بين كوني شاعرًا وعملي الأكاديمي كناقد، وهو ما مكنني لأنجز 11 ديوانًا شعريًا و25 كتاب نقديًا وثقافيًا.
بمن تأثرت من الشعراء؟
تأثرت بنزار قباني، وبدر شاكر السياب، وبعد ذلك تجاوزتهم نحو (بصمتي الخاصة)، وقد اعترف النقاد بهذه الخصوصية، وبطبيعة الحال أحببت شعر (امرؤ القيس)، و(المتنبي).
ومن الأجانب: أحببتُ الإسباني لوركا، والفرنسي جاك بريفير، واليوناني المصري كفافيس، والتشلياني بابلو نيرودا، وت. س. إليوت، الشاعر الأنجلوأمريكي... وغيرهم.
لك حكاية عائلية غريبة تدحض الأكاذيب الإسرائيلية بأحقيتهم في أرض فلسطين؟
كان لي أستاذًا في جريدة القدس اسمه ثابت أدريس التميمي ساعدني في نشر قصيدة لي وتصادقنا، هذا الرجل ساعدني وكانت هناك صلة قربي بيننا تصل العام التاسع للهجرة.
فهناك حديث شريف صحيح عن أخوين من فلسطين في العهد الروماني أسلما سرًّا عند الرسول (ص) وعادا إلى فلسطين تحت الاحتلال الروماني، ولما جاء عمر بن خطاب الي القدس أعلنا إسلامهما وهما أصلا كنعانين وجدي واحد منهما نعيم الداري وتميم الداري، وروي عنه الرسول حديث الجساسة، وجدنا منصور الداري استلم الأرض والزراعة والفقه.
لم أكن أكترث لهذه الأمور وأنا صغير لكن أدركت أهميتها كشهادة ضد الإسرائيليين بأن الأرض لنا وننحدر من تلك العائلة.
وماذا عن طفولتك؟
اهتمينا بالأرض ووالدي كان كرامًا، ولدينا أرض وكنا نبيع الكروم الفاخر في الخليل، وقلت في شعري بعد ذلك إن النبيذ التلحمي رضع من الخليلية، أما والدي كان لا يذهب ليأكل في البيت فلديه العنب والتين وكان مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بالأرض، وأعترف أنني كنت طفلًا شقيًّا ومن وراء طفولتي الشرسة ذهبت يومًا للزميل الذي يشق الصخر ألعب به حتى وقع على رجلي فطار الأظفر ونما خطأ.
ماذا عن فترة عملك الأكاديمي؟
حصلت على شهادة "الليسانس" في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من جامعة القاهرة عام 1968 حيث بدأ مسيرتي الشعرية، ومن ثم انتقلت إلى الأردن وعملت كمدير للبرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية من العام 1970 وحتى 1973، كما أسست في نفس الفترة رابطة الكتاب الأردنيين مع ثلة من المفكرين والكتاب الأردنيين.
هل الحال الفلسطيني ألقى بظلاله على شعرك؟
هذا صحيح وكتب الناس أن اثنين لهما بصمة أنا ومحمود درويش لكن أنا أقل شهرة لأني بعيد عن السلطة، وعشت حياتي مدافعًا عن القضية الفلسطينية بشعري.
ما حكاية علاقتك بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات؟
تعاملت مع الرئيس الراحل ياسر عرفات وكان يطلبني بالاسم كونه يعلم أني مثقف، وقابلته حينما عملت في المدرسة وصرت أذهب هناك لتلبية بعض المطالب في المدرسة كمساهمة، وأذكر أنه استدعاني عام (1977)، وسألني عن مفهوم الكنعنة، شرحت له ذلك، وقلت له: ما المشكلة إذا كنا (وثنيين) قبل الميلاد، وأصبحنا (مسلمين) لاحقًا.
بماذا تصف علاقتك بالسلطة؟
السلطة لم تقدر على ولم ألن لها يومًا وشهرتي كانت أقل من الشاعر الراحل محمود دوويش لأني لم أتوافق مع السلطة، ووفقا لما أقول فقد أهديت جائزة الدولة الفلسطينية التقديرية وكانت مصوغات الجائزة بصمتي في الشعر والفن فقط بعيدا عن أي توجه سياسي.
ماذا عن فترة وجودك بالقاهرة؟
تركت فلسطين عام 1964 واتجهت للقاهرة حتى عام 1970، قبل ذلك كنت في الثانوية بمجلة "الأفق الجديد" رئيسها كان إسلاميا متحررا وطلب مني أن أكون مراسلهم في القاهرة، وفي مصر واكبت النكسة والوضع كان صعبا، المخابرات حققوا معي لأني نشرت بيان العاصفة الأول في مطلع عام 1965، كان هناك شخصا بدار العلوم يطبع لي قصائدي طلبت منه يطبع ألف نسخة للبيان وعدت علي خير. لكن مصر لها مكان كبير في قلبي ولي أصدقاء كثيرون فيها ما زلت على علاقة طيبة معهم ونتقابل في الفعاليات الثقافية ونحكي ذكرياتنا.
بماذا تصف علاقتك بمحمود درويش؟
محمود درويش، شاعر كبير، وصديق عزيز، اختلفت معه في السياسة، ومع هذا بقينا أصدقاء. ورغم أنه قال لجريدة القدس العربي (الشعراء في فلسطين والأردن يكرهونني!!)، إلاّ أنه قبل رحيله بأسبوعين قال في (حواره الأخير) مع الناقد الفلسطيني الدكتور (فيصل درّاج) – في (جريدة أخبار الأدب المصرية)، حرفيًّا ما يشبه الوصية: (ما زلت معجبًا بالأعمال الشعرية لعز الدين المناصرة).
رغم ابتعادك كشاعرعن السياسة لكنك تعاملت معها كمستقل.. كيف كان ذلك؟
انضممت لصفوف "الثورة الفلسطينية" بعد انتقالها إلى بيروت، حيث تطوعت في صفوف "المقاومة العسكرية" بالتوازي مع عملي في المجال الثقافي الفلسطيني و"المقاومة الثقافية" كمستقل، وأيضا ضمن مؤسسات "الثورة" كمحرر ثقافي لمجلة "فلسطين الثورة"، الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وكمدير تحرير لـ"جريدة المعركة" (الصادرة أثناء حصار بيروت)، بالإضافة إلى عملي كسكرتير تحرير "مجلة شؤون فلسطينية" التابعة لمركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت
ماذا تفعل في الوقت الحالي؟
أنا متقاعد من العمل الأكاديمي بحكم السن، لكني لم ولن أتقاعد من عملي كشاعر حتى أموت.