القاهرة 10 ابريل 2021 الساعة 07:38 م
بقلم: علي سرحان
أقر كل من اطلع على آثار مصر القديمة بقدرة وعظمة المصريين، واليوم بعد مئات القرون من انقضاء حكم الفراعنة نجد أحفادهم يبهرون العالم بحدث مهيب وبديع ومبهر، بقيادة حكيمة ومخلصة لقائد "فذ" ينقل "مصرنا" من "حال" إلى "خيال"، "بهدوء وثقة ورباطة جأش" ينقل دولة بحجم "مصر" من حال "الرخاوة" إلى حال "الصلابة" وسط تحديات جبارة مختلفة الاتجاهات، حيث تابعنا جميعا الموكب المهيب لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلي متحف الحضارة بالفسطاط.
أسرار الموكب المهيب "القاهرة 3 أبريل 2021 ":
إن تاريخ موكب نقل المومياوات الملكية سيظل محفورا في قلوبنا وأذهان العالم أجمع، ففي مساء يوم السبت الماضي شهدت شوارع القاهرة الحدث الأهم على الأطلاق، والذي تم بثه على الهواء لأكثر من 60 دولة! ليشاهد العالم موكب نقل 22 مومياء ملكية -18 من الملوك و4 من الملكات- من الملوك العظماء الذين عاشوا على أرض مصر وأدهشوا العالم بإنجازاتهم، فتم نقلهم في موكب مهيب يليق بعظمتهم من المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط.
وسوف نسرد سيرة أهم الملوك والملكات الذين نقلت مومياواتهم الملكية بالموكب..
• وتبدأ حكايتنا منذ آلاف السنين حيث عاش على أرض مصر ملك عظيم وهو أول الملوك الذي كان فى مقدمة موكب الموامياوات وهو "سقنن رع" فما حكاية هذا الملك العظيم المُلقب بالشجاع؟
كان سقنن رع من ملوك الأسرة 17، وهو أول الملوك الذين حاربوا في حرب التحرير وقاد الجيش المصري ضد الهكسوس، كما أنه كان يحارب مع جنوده ويقف في الصفوف الأولي في المعركة ومن هنا جاء لقب الشجاع، لكنه في النهاية قُتَل وهو في أرض المعركة وهذا الذي توضحه مومياؤه التي بها وجدت بها فتحات واضحة في الرأس تدل على إنه نزف حتى الموت؛ ليكتب بدمه صفحة نقية في تاريخ بلاده.
• الملك "أمنحوتب الأول" وهو أحد ملوك الأسرة 18، وابن الملك أحمس الذي طرد الهكسوس من مصر، ورث هذا الملك الصغير صفات أبيه وجده، وما أن تولى الحكم حتى خرج على رأس جيشه ليرى أطراف ملكه في شمالي السودان، وفي سوريا، وليبيا، ومن أهم إنجازاته المعمارية إنشاء هيكل من المرمر بالكرنك، ويذكر أيضا أن أمنحوتب كان طوال 21 عاما التي قضاها على العرش كان رحيما برعيته فقدسوه واعتبروه كأنه إله وحتى بعد وفاته ظلوا يعبدونه ويقدموا له القرابين، كما أنهم أيضا أطلقوا اسمه على أحد شهور السنة وهو "برمهات" لكي يحتفلوا به في هذا الشهر.
• الملكة "حتشبسوت" الملكة المتفردة؛ التي رغم أنها لم يكن لها الحق فى الحكم حيث كان تحتمس الثالث ما يزال طفلا وهو الذي يجب أن يتولي حكم مصر، لكنها اغتصبت منه العرش، وصورت نفسها على جدران المعابد بهيئة رجل لكي يتقبلها الشعب المصري، ومن أعظم ما قامت به هذه الملكة هو الرحلة إلى بلاد بونت وإقامة علاقة تجارية واقتصادية معهم، وأيضا صورت لنا على جدران معبدها بلاد بونت وما بها من أشياء، لكن مومياء هذه الملكة كان عليها جدل كبير وذلك لأنها ظلت مختفية لفترة طويلة حتى تم اكتشافها.
• الملك "أمنحوتب الثالث" وهو الملك الذي دخلت مصر حقبة جديدة في عهده فلنتعرف معا على مصر الجديدة فى عهده:
- لم يكن الملك ميالا إلى الحرب كباقي الملوك، فكان يميل إلى الفن والمتعة والجمال، وكان لا يسر قلبه شيء مثل إقامة المباني العظيمة التي لم يبن مثلها منذ خلق العالم؛ فأخذت مصر تبني المعابد الفخمة مثل معبد الأقصر، وأيضا نرى هذا التغير في علاقته بزوجته الملكة "تي"؛ فللمرة الأولى في تاريخ ملوك الدولة الحديثة نرى الملكات تقام لهن التماثيل الكبيرة ونجدهن جالسات بجوار الملك، أو يذكرن دائما معه على آثاره.
• الملكة "تي" العظيمة زوجة الملك أمنحوتب الثالث التي أنجبت منه أمنحوتب الرابع (أخناتون) ، ويُقَال إنها كانت السبب فى حدوث الخلاف بينه وبين زوجته نفرتيتي.
ولنتحدث أيضا عن باقي ملوك الموكب الآخرين من ملوك الأسرة 19، 20.
• الملك "سيتي الأول" الذي بدأ عصر البعث وأراد أن يعيد لمصر مجدها القديم، فقام بعمل حملات على آسيا وفلسطين، وله أيضا آثار مثل بهو الأعمدة العظيم في الكرنك، وأيضا معبده بأبيدوس، كما إن ملكنا العظيم كان مهتما إلى حد كبير بمناجم الذهب، وبردية مناجم الذهب المحفوظة في متحف تورين بإيطاليا تعتبر أقدم وثيقة جغرافية فى التاريخ اهتم فيها الرسام بتوضيح الطرق المختلفة المؤدية إلى المناجم.
• الملك "رعمسيس الثاني" صاحب الشخصية الرومانسية بجانب شخصيته العسكرية، وهو ابن سيتي الأول وحكم مصر لمدة 66 عاما، و10 أشهر، وهو صاحب أكبر تمثال من الجرانيت وزنه 1000 طن في البر الغربي بمعبد الرميسوم، وأيضا صاحب معبدي أبو سمبل المتفرد بالظاهرة الفلكية العجيبة، والآن فكيف نحت الفنان المصري ذلك، وكيف تم نقل هذا الوزن أيضا! وهذا يبين لنا عظمة أجدادنا في كل شيء، وعلى الرغم من المعارك التي خاضها رعمسيس الثاني ضد الحيثيين، لكنه كان شخصا حنونا أيضا فعلى واجهة معبد زوجته نفرتاري كتب "هي التي من أجلها تشرق الشمس".
ومن ملوك من الأسرة 20 في الموكب العظيم..
• الملك "رعمسيس الثالث" ضحية مؤامرة الحريم! فرغم أن رمسيس الثالث هو مؤسس الأسرة 20، ويعتبر آخر الملوك المحاربين في الدولة الحديثة، ولكن على الرغم من الإنتصارات والإنجازات العظيمة التي حققها إلا أن حياته انتهت بكارثة، فكانت الحكاية أن زوجته الثانوية "تي" دبرت هذه المؤامرة لأن الملك لم يرد أن يجعل ابنها "بنتاؤور" وليا للعهد، ولهذا صممت على قتل الملك وإعلان ابنها ملكا.
• وبعد وفاة رمسيس الثالث تولى بعده رعمسيس الرابع، والخامس والسادس وأيضا التاسع؛ وهم من تم نقلهم في موكب الموامياوات ولكننا رأينا أمور البلاد تسير من سيء إلى أسوء وكان ذلك في عهدهم حتى أن قوة الملوك بدأت تقل شيئا فشيئا حتى أصبح للكهنة القوة الأكبر واستولوا على العرش وأسسوا الأسرة 21.
وفي النهاية يجب أن نعلم أن العقل البشري على مدار التاريخ لم يستطع حتى الآن استيعاب مظاهر وعجائب الحضارة المصرية القديمة كافة، وهي البلدة الوحيدة في العالم التي يمكن للإنسان أن يتتبع تاريخ شعبها خطوة بخطوة خلال 50 قرنا بسبب آثارها التي مازال أغلبها موجودا حتى الآن.
تأثير موكب المومياوات الملكية في نفوس المصريين:
لقد تأثر الشعب المصرى بحبه واعتزازه بالحدث العظيم وانبهاره بعظمة تلك الحضارة وتأثرت بذلك وزارة التربية والتعليم حيث شرعت في خطة مستقبلية لتدريس مبادئ اللغة المصرية القديمة للمرحلة الابتدائية، ومن ثم انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الصفحات الأثرية بصفة خاصة مبادرات لتعلم اللغة المصرية القديمة.