القاهرة 30 مارس 2021 الساعة 06:00م
بقلم: محمود أنور
يظل موضوع لعنة الفراعنة من بين الموضوعات الأكثر إثارة المرتبطة بالآثار المصرية، والذي يظهر على سطح الأحداث بين الحين والآخر، ويسيطر على أذهان الكثيرين لدرجة ربط جميع الحوادث التي تتزامن مع أي اكتشاف لمقبرة أو حدث متعلق بالحضارة المصرية القديمة بهذه اللعنة، ويغطي هذا التفسير على كل المحاولات التي بذلت لإيجاد تفسير علمي لهذا الموضوع.
ومع تكرار عدة حوادث في مصر خلال الأيام الأخيرة ربط البعض بينها وبين موكب نقل المومياوات الملكية المصرية من متحف التحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط المقرر له 3 أبريل المقبل، في حدث تسعى من خلاله مصر إلى الترويج السياحي وتنقله العديد من القنوات التليفزيونية العالمية والعربية والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل المختلفة.
وكأن المومياوات التي عثر عليها في خبيئة الدير البحري المقبرة رقمTT320" " بجوار الدير البحري غرب الأقصر عام 1881، أو تلك التي عثر عليها في خبيئة مقبرة الملك أمنحتب الثاني المقبرة رقمKV35" " في وادي الملوك بالأقصر عام 1898، لم تعترض على نقلها من مقابرها الأصلية قديمًا لتلك المقابر المجمعة حفاظًا عليها من اللصوص، ولم تعترض على نقلها من مقابرها المجمعة إلى المتاحف المصرية في العصر الحديث، وتعترض الآن فقط على نقلها من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط؟!
ترتبط اللعنة بمحاولات إزعاج مومياء شخص مصري قديم، وخصوصًا لو كان هذا الشخص ملكا أو من ذوي المكانة في المجتمع المصري القديم، وقد بدأ الحديث عن هذا الموضوع منذ القرن التاسع عشر مع تزايد اكتشافات المقابر المصرية، ولكنه زاد بشكل كبير للغاية مع اكتشاف مقبرة "توت عنخ آمون" سنة 1922 كمحاولة لتفسير كثير من الحوادث وحالات الوفاة التي طالت عددا ممن تعاملوا بشكل مباشر أو غير مباشر مع المقبرة، وهكذا سرت الأقاويل كالنار في الهشيم خصوصا بين العامة، وأفردت المساحات في الصحف وأنتجت الأفلام بغزارة عن لعنة الفراعنة وبدا الأمر كالدجاجة التي تبيض ذهبًا لمنتجي هذه الأفلام، وتغلب التفسير المشوق والغامض على كل التفسيرات العلمية التي لجأ إليها علماء كثر كالبكتيريا والغازات وغيرها، وعزز التفسير الأول لجوء الكهنة لسبل كثيرة لحماية مقابر ملوكهم من اللصوص سعيًا لحياة أبدية هنيئة لهم.
يقول هوارد كارتر في كتابه عن اكتشاف مقبرة الملك توت: "أعتقد أن معظم المنقبين عن الآثار يودون الاعتراف -غالبا على استحياء- بإحساس الرهبة الذي ينتابهم عند اقتحامهم لغرفة أغلقت وختم بابها منذ قرون طويلة بأيدي رجال دين ورعين، فعند هذه اللحظة فإن الزمن كعامل مؤثر في حياة الإنسان يكون قد فقد معناه، فقد انقضت ثلاثة آلاف عام وربما أربعة منذ أن وطأت قدم إنسان لآخر مرة الأرض التي نقف عليها ولا تزال كما تلاحظ توجد علامات حياة حديثة حولك".
كارتر لم يخف قلقه من دخول مقبرة ملك من ملوك الشرق القديم، ورغم ذلك أكمل عمله: "لقد شغلنا تفريغ الحجرة الأمامية سبعة أسابيع كاملة وكنا سعداء بالفعل عندما انتهى العمل بها دون وقوع أي نوع من الكوارث لنا، شيء واحد كنا نخاف منه وهو أن السماء كانت ملبدة بالغيوم لمدة يوم أو يومين وكان يبدو أننا سنتعرض لواحدة من العواصف الممطرة الشديدة التي كانت تزور طيبة من حين لآخر".
كانت أنباء العثور على المقبرة قد سيطرت على ما سواها من موضوعات في كل وسائل الإعلام العالمية آنذاك ولما كان من الصعب الحصول على تصريحات أو صور للمقبرة في بداية الكشف فقد بدأت الصحف في نشر قصص مثيرة عنها خصوصًا مع أنباء العاصفة..
يكمل كارتر: "وفي ذلك الوقت عكف بعض مراسلي الصحف على كتابة بعض القصص المليئة بالخيال الواسع عن موضوع هذه العاصفة التي كانت تتوعدنا، وكنتيجة لهذه الظروف وبسبب هذه الأخبار المشوهة الأخرى وصلنا تلغراف غامض المعنى يحتمل أن يكون من أرسله طالبًا متحمسًا لأعمال السحر، فقد جاء فيه: في حالة حدوث مزيد من المتاعب اسكب حليبا ونبيذا وعسلا على عتبة الباب! وكذلك أرسلت إلينا نصائح حول طرق حفظ الآثار وأفضل الأساليب لتهدئة الأرواح والعناصر الشريرة، كما أرسلت إلينا قصاصات الصحف ونبذات دينية وما يمكن أن نسميه مراسلات مازحة وهي تحذيرات شديدة من تدنيس حرمة المقدسات".
استمرت الرسائل والقصص الغريبة في الصحف وزادت عقب وفاة ممول حفائر المقبرة اللورد كارنارفون؛ لتجدها الصحافة مادة دسمة فربطت بينها وبين اللعنة، وكثير منها فسر أنه كان نكاية في اللورد الذي أعطى حق النشر والتصوير الحصري للمقبرة فقط للتايمز البريطانية.
يضيف كارتر: "لقد انهمرت علينا اتصالات حمقاء من هذا النوع بنسبة 10 أو 15 رسالة يوميا بشكل مستمر طوال الشتاء، ويوجد لدينا منها ملء جوال من الممكن أن تشكل موضوع دراسة شيقة في علم النفس إذا كان المرء لديه متسع من الوقت ليخصصه لها".
يُفَسّر اعتقاد كثير من الناس في تصديق الحكايات الغامضة والخرافية إما لإراحة أنفسهم من إرهاق البحث عن تفسيرات منطقية أو لأن التفسيرات العلمية القائمة على البحث والدراسة الجادة قد لا تجد في النفس ما تجده هذه الحكايات الغريبة، أو لأن محاولات تصحيح المفاهيم والرد على الشبهات ما زالت غير كافية، فحكايات مثل "أبو الهول" هو تمثال للنبي إدريس، أو أن قوم عاد هم بناة الأهرام أو أسرار الزئبق الأحمر تطغى كثيرًا -وستبقى وقتًا طويلا للأسف- ما لم تتغير طرق التعامل التقليدية معها بالشكل الذي يليق بالحضارة المصرية القديمة وإنجازاتها العظيمة في تاريخ الإنسانية.
وقد يكون حدث نقل المومياوات الملكية العظيمة وسرد قيمة وتاريخ هذه الشخصيات والتعريف بها أول خطوات هذا الطريق.