القاهرة 09 مارس 2021 الساعة 08:49 ص
حاتم عبد الهادي
سؤال أطرحه؛ بعدما تعبت من الإجابات الجاهزة، باعتبار النقد أحد العلوم التى تحلل العمل الأدبى، وتظهر جوانب تميزه، او إخفاقاته عبر سياقات ونظريات - لا نطبقها فى الغالب - كون هذه النظريات مستوردة من بيئات غريبة عن البيئة العربية؛ لذا تم تغريب النقد الأدبى بربطه بالنظريات الحداثية وما بعدياتها !. ومع أن الغرب يعتبر النقد - الآن - علماً ، فإننى أقول : أخطأتم كل الخطأ ، فالعلم قائم على مسلمات مجردة، وقواعد صارمة، وليست هناك قاعدة فى النقد الأدبى، وإلا فليقل لى المتحذلقون ما سمات هذا العلم المتغير, والمرتبط فى الأساس بالقصيدة وكونيتها، لا بالنظرية، وإلا فهل يصلح أن أقول : نويت أدرس هذا النص أو نويت أكتب النقد على نص فلان بالطريقة السيميائية؟!
إن النص يطرح أشكال تناوله النقدي، ويحدد الزاوية، الشاعر لا الناقد، ومن هنا وقع اللبس فى كونية : موت المؤلف! وموت الناقد، وموت النص ، فهذا عبث - أراه - تناوله رولان بارت، وريكور وغيرهما ، وللأسف فإن ببغاواتنا الكبار من النقاد يقلدون، ويمجدون كل ما هو غربى، ولا ينظرون لتراثنا النقدى العربى الكبير !! . فالنقد ليس علماً ، بل هو رؤى وملاحظات، وقراءات بكل أشكالها، ولكن ليس لها قانون يحكمها، أو نظرية تقولبها، فالنص هو المفتاح للناقد؛ لا النظرية ومن هنا تسقط النظرية
للمرة الثانية.
ومع يقينى بأنه يجب أن تكون هناك تنظيمية ما فى الفن كى
لا يقع فى الفوضى فهذه ضوابط عامة، لا نظريات أو قوانين؛ لأن نتائج النظريات لابد أن تكون واحدة، وهذا يخالف أول مشروطيات الفن، والتعبير الأدبي!.
ثمة سؤال آخر عن النقاد الذين يكتبون على صدر مقالاتهم النقدية : قراءة فى ديوان فلان ؛ أو دراسة نقدية، بينما لا يتناولون من الديوان سوى عدة قصائد، ولا ينظرون حتى للسمات والثيمات التى تطرحها القصائد، وفى هذا عبث نقدى كبير، ولغط وقع فيه كثير من النقاد المعاصرين - الذين تتشدق الصحف ليل نهار بالكتابة عنهم كونهم " النقاد الكبار "، ثم يقلدهم الكثيرون وكأن كلامهم أصبح مقدساً.
نحن نغالط أنفسنا، أو نضحك على الشعراء فنقول : قراءة فى ديوان ..... ، ولعمرى لابد من الرجوع إلى " نقد القصيدة "، أو إلى : " القراءة فى عدة قصائد "؛ لأن لفظة ديوان لم يعرفها العرب كذلك، فهى تسمية حداثية ، لتصحيف كلمة " قصائد " فلان، أو " الكتاب الشعرى لفلان" ومع ذلك يتباهى كبار النقاد بكونهم كبارا بينما يقعون فى التدليس النقدى، لذا لزم التصحيح، فالناقد لا يقدم قراءة فى ديوان فلان، أو دراسة نقدية عنه، بل يتحدث فقط عن بعض السمات والثيمات الجمالية التى تعكسها القصائد، ومن ثم فإن " علمية النقد " تسقط؛ ومعها النظريات النقدية أمام النص، أو القصيدة لأنها لا تعتمد فى الكتابة على مقياس ثابت، بل تغيرات متوالية، ومن هنا فمن العبث أن نقول قراءة فى ديوان، او دراسة فى ديوان فلان، بل هى تعليقات نقدية، والقراءة والدراسة تتعلقان - فى رأيى – بتلك التى نجدها فى الدراسات الأكاديمية؛ و أى تجديدية فى ذلك تقابلها ثورة من جانب الذين يطبقون النظريات المستوردة بحرفيتها، دون مراعاة للظرف التاريخى والبيئة والسياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبيئاتنا العربية التى تبدأ من منطلقات مغايرة، عبر إتكاء على الموروث وربما الأديان، ومع أن الإبداع لا وطن له ولا حدود، ولا يتقيد بالأعراف والقيم والثوابت كذلك - رغم أنف المحافظين - إلا أننا لا يمكن أن نؤطر الناقد فى نظريات لا يجب أن يتعداها، أو قوالب وتابوهات يجب ألا يخترقها، فالفن هو : حرية، حياة بكامل تفاصيلها، وتداعياتها، وتخالفيتها كذلك.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المجددين فى النقد والبلاغة يعيدون
الحراك للإبداع والنقد معا، ويقدمون دراسات مغايرة ومختلفة ولا يلتزمون بحرفية النظريات النقدية.
لندع من يدعون بأنهم النقاد الكبار فى جهلهم ، وجهالتهم، ولندع من يصرون على تطبيق حذافير النظريات فى تشددهم ، فنحن نكتب - كنقاد - ما تلقيناه - كجمهور أدبى - لا ما نتأوله كذلك، ويجب على الناقد مراعاة " ضميره " فقد يعلى شاعراً، او يسقطه بسبب أو بغير سبب فنى، وتلك - لعمرى - آفة النقاد الكبار .. اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد .