القاهرة 09 مارس 2021 الساعة 08:42 ص
أحمد صلاح
سأطرح السؤال بطريقة أخرى هل الوثيقة تجُبُّ ما كتب من قبل أم أن التاريخ يرسخ في أذهان الشعوب حتى لو نفت الوثيقة حدوث الحدث؟ .
أمر بالنسبة لي في غاية التعقيد، فليس من السهل أن تقنع شعبا أن شخصا أصبح في ذمة الله كان فاسدا وليس بطلا والعكس أيضا، وليس من السهل ان تقنع مجموعة أخذت على نفسها عهدا ألا تصدق أن ذلك الشخص كان وطنيا حتى لو أظهرت لهم مئات الوثائق!
تاريخ مصر وخصوصا في الفترة الحديثة، يكتب في البداية من خلال البيانات الرسمية المعلنة، تليها المذكرات الشخصية والتي تكون عادة مكتوبة من وجهه نظر كاتبها والذي بالضرورة يقوم بتمجيد نفسه، بعد ذلك يأتي دور الوثيقة التي غالبا ما تظهر بعد سنوات تختلف من دولة لأخرى .
هل كان الملك فاروق فاسدا؟ ، ما الذي دفع مصر للمشاركة في حرب اليمن؟، ما هي الأسباب وراء هزيمة 67 بالرغم من معرفة مصر بتوقيت الهجوم وحتى عدد القوات المعتدية؟، لماذا ولماذا .... مئات الأسئلة التي لن نجد لها إجابة واضحة ، إذن فالتاريخ لم يكتب بعد!.
أكتب ذلك بناء علي تجربة شخصية حينما شرعت في الإعداد لكتاب يدور حول علوم الاستخبارات، وكان من الطبيعي أن ألجا للكتب الموجودة بالمكتبات لأتخذ منها المعلومة للأحداث، ولكنني اصطدمت بحائط صلب، فكل المكتوب في الكتب مجرد حكايات مخابراتية كتبت من وجهه نظر كاتبها، حاول أن يضع عليها تضخيما ليمجد نفسه أو وطنه، حتى الأحداث الواحدة كتبت من وجهتي نظر.
عل سبيل المثال .. عملية سوزانا .. وهي عملية للمخابرات الإسرائيلية جندت فيها عددا من اليهود في مصر بعد ثورة يوليو للقيام بأعمال تخريبية للمصالح الأمريكية والبريطانية لضرب أسفين بين الثورة الوليدة والضباط الأحرار وبين أمريكا وبريطانيا، وتم القبض علي أحد هؤلاء اليهود الذي أرشد عن بقية زملائه، حكاية معروفة للجميع، وكانت بداية مسلسل "رأفت الهجان" المأخوذ عن رائعة "كنت جاسوسا في إسرائيل" للراحل صالح مرسي، ولكن عندما نقرا العملية نفسها من المصادر الإسرائيلية، وبالرغم من اعترافهم بفشلها، الا أنهم يمجدون في رجالهم وقدرتهم علي خداع المصريين لولا الصدفة التي أوقعت بأحد عملاء الشبكة، ولكن وبعد الإفراج عن بعض وثائق العملية من الجانب الإسرائيلي نجد أن هناك عملية أخرى كانت تجري في الخفاء بعيدا عن كاميرات المسلسلات ومخيلة الكتاب.
هذه واحدة فقط لا تذكر من بين أحداث التاريخ الحديث، ولا غرو أن نقول إن تاريخ العالم كله متشابك مع العالم كله، فما يحدث في القاهرة يؤثر بشكل ما في واشنطن أو حتى في كيب تاون أقصي جنوب العالم.
ما حدث في يونيو 67 لم يفصح عنه حتى الآن، ما حدث بعد ذلك لا نعرف منه سوي شذرات قليلة، إذن من يكتب تاريخ مصر لم يفرج بعد عن وثائقه ، فلنكن منصفين.