القاهرة 25 فبراير 2021 الساعة 08:39 م
كتب: وائل سعيد
يزخر التاريخ الطويل لجائزة الأوسكار بالعديد من التوقعات والتكهنات، يتحقق منها الكثير في بعض الدورات، فيما تُسجل دورات أخرى وفرة من المخالفات، في النهاية تبقي الجائزة المقترب عمرها من قرن 1928 هي التقدير السينمائي الأكبر عالميا، شأنها كنوبل في العلوم والفنون، إلا أن تاريخ الجائزتين يعج بالعديد من الأسماء التي لم تحز الجائزة عن استحقاق، في مقابل أسماء كثيرة تم إغفالها واستحقت عن جدارة التقدير الشعبي أو الجمعي باتفاق الآراء. نذكر على سبيل المثال "رالف فاينس أو ويليم دافو أو المخرج ألفريد روي اندرسون، قائمة كبيرة لم تتوافق مع الحسابات المختلفة، وهوى لجان التحكيم بالأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما.
في ظل هذه الظروف الاستثنائية، لم تجد الأكاديمية بُدًا من التكيف مع الوضع الراهن، على عدة مراحل، أولها كان في 15 يونيو 2020، حين أعلنت في بيان رسمي عن تمديد فترة ترشح الأفلام الروائية حتى 28 فبراير 2021، وتأجيل حفل توزيع الجوائز شهرين من 28 فبراير 2021 إلى 25 أبريل 2021.
هذه هي المرة الرابعة في تاريخ الجائزة التي يتم فيها تأجيل الحفل، والمرة الأولى منذ حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس التي تكون فيها الأفلام الصادرة في عامين تقويميين مختلفين مؤهلة للحصول على جائزة في العام نفسه.
أفلام وأصوات..
أربعة أفلام تنوعت في المواضيع وأساليب الإخراج، "سيدة البحر – السعودية، هليوبوليس – الجزائر، مفاتيح مكسرة – لبنان، معجزة القديس المجهول من المغرب"، تم ترشيح الأخير عن طريق المركز السينمائي المغربي للتمثيل الدولي في أوسكار 2021، للمخرج الشاب علاء الدين الجم، وتم عرض الفيلم ضمن "أسبوع النقاد" في الدورة الأخيرة من مهرجان كان.
يستخدم الجم الكوميديا كإطار عام لسير الأحداث، من خلال تتبع رحلة لص عقب خروجه من السجن لاستعادة كنزه المدفون، ولا شك في أن المخرج الشاب -30 عاما- حقق كثيرا من شروط السرد السينمائي واستفاد من تراث طويل ومتشعب للفن السابع. يقول في حوار سابق: "أنطلق من فكرة واقعية لأطورها فيما بعد بالاعتماد على الخيال، وأخلق بذلك عالمي كما أراه كمخرج، إني أحب الخيال كثيرا"، ونهمس في أذنه بأن طريق الخيال مفروش بالكثير من النوايا الحسنة!
من الكوميديا الي الفانتازي حيث تختار المخرجة السعودية شهد أمين عالما غرائبيا لفيلمها "سيدة البحر"، وقد توقفت السينما السعودية لما يقارب الثلاثة عقود عقب حادثة الحرم المكي، وعادت من جديد في 2008 مع فيلم "مناحي" الذي خصصت له حملة دعائية ضخمة تحتفي بعودة النشاط السينمائي. علي جانب آخر، لا جدال في أن المرأة السعودية تعيش واقعا يحده الكثير من القيود، فما بالك حين تكون مخرجة أفلام سينمائية، يحكي الفيلم عن فتاة تواجه أسرتها لكسر العادات والتقاليد القديمة، وبالطبع مصيرها إزاء هذه المواجهة، وتتخذ المخرجة من جو الأساطير خطا دراميا موازيا من خلال كائنات تعيش في المياة، ربما للخلط بين الحلم والواقع الذي لا يزال سقفه محدود.
"هليوبوليس" هو التجربة السينمائية الأولى لمخرج الدراما الجزائري جعفر قاسم، وفيه يستدعي حقبة الأربعينيات في إحدى القرى الجزائرية إبان الإحتلال الفرنسي، ويحسب للفيلم أن هذه الواقعة يتم تناولها للمرة الأولى أيضا.. فيما رشحت وزارة الثقافة اللبنانية فيلم "مفاتيح مكسرة" تأليف وإخراج جيمي كيروز.
ستموت في العشرين.. قبلة حياة للسينما السودانية
قد تكون هناك مفارقة غريبة بين توقيت العرض الأول للفيلم السوداني "ستموت في العشرين"، للمخرج أمجد أبو العلاء، وعنوان الفيلم، تأتي من أنه أول فيلم روائي طويل للسودان بعد غياب عشرين عاما. مر الفيلم بمراحل من البدء في التصوير والتوقف حتى انتهى في سبتمبر 2018، عقب أحداث الثورة السودانية، متخطيا حالة الموت الطويلة التي أصابت الفيلم الروائي السوداني خلال العقدين الماضيين.
يقدم الفيلم والنص القصصي ثنائية ثقافية تخص القارة السوداء ومناطقها الشرقية تحديدا، من خلال موتيفات الجبل، الموت، النبوءة، ثم إحالة لشخصية مريم العذراء وتضفيرها مع الأم سكينة، واقتراب اسمها -السكينة- من مكانة العذراء إلى حد ما، وهو ما يتم تأكيده بتغييب الأب.
علي جانب آخر تمثل نبوءة الموت في العشرين ملمحا طقسيا لفكرة المسيح الموهوب للصلب تكفيرا لخطايا البشرية كما يراها كازانتزاكيس في "الإغواء الأخير للمسيح"، ويأتي الفعل الوحيد لمزمل متمثلا في مواظبته علي حفظ القرآن الكريم، حتى يتم اعتماده من شيخ المسجد كأول فرد في تاريخ القرية يحفظ القرآن كاملا.
استخدم المخرج مفردات البيئة الصحراوية استخداما ملائما، ملاحقا عدسته بانسياب يلاءم انسيابية الرمال المترامية على مدى البصر. وتتجلي الصورة الجمالية في الفيلم في شخصية الأم "سكينة" التي تم تقديمها في جسد ريان وضخم يدل على قدرية الصراع الذي لابد وأن يلاقيه ذلك الجسد في الدنيا، وهي بمثابة نموذج للأنثي الأفريقية في العموم، كما تتكرر فكرة غياب الرجل كمصدر أمان، إما في صورة الزوج أو الأب او الابن أحيانا.
غزة مونامور.. في غرام "سليم ضو"
ليس من المغالاة اعتبار "غزة مونامور" فيلما مكتمل العناصر ومتجانس فنيا، سواء على مستوى الحبكة، أو الديكور أو المناظر، أو حركة الكاميرا التفاعلية، أو الموسيقى التصويرية، أو الأداء الرائع لفريق العمل كافة -بما فيهم الأدوار الثانوية- وعلى رأسهم الممثل القدير سليم ضو.
فقد عزف الضو مقطوعة غاية في الرهافة قوامها مشاعر إنسانية مختلطة لرجل مسن لم يدفأ بيته مطلقا بحضور أنثوي أو أطفال، بينما ينفلت عمره في تعقب حفنة من الأسماك هي كل ما يعتاش عليها. رغم ذلك، ما تزال القلوب والأجساد عطشى للحب والحياة، وفي لحظة عشق حقيقية استطاعت دون قصد منها تجاوز الثلاثة أميال المخصصة لها فحسب، مخترقة مياهها المحتلة بجسدين ملتحمين رغم دوي المدافع والرشاشات.
200 متر.. لما بنتولد
يظل مشهد فوز الفيلم الفلسطيني "200 متر" في مهرجان الجونة هو –الماستر سين- لروح الفيلم، سيناريو وإخراج المخرج الشاب أمين نايفة وإنتاج مي عودة، وصورتهما –بين البكاء والضحك- أثناء حفل توزيع جوائز الجونة وهما يصعدان لاستلام ثلاث جوائز للفيلم بالتوالي وهي جائزة لجنة تحكيم "فيبريسي" لأفضل فيلم عربي، وجائزة نجمة الجونة لأفضل ممثل التي ذهبت إلى الممثل "علي سليمان"، فيما حصل المخرج علي جائزة مؤسسة مينا مسعود الخيرية «EDA»، وهي الجائزة السنوية التي أطلقها الفنان المصري العالمي باسمه بمهرجان الجونة السينمائي، تهدف لمساعدة الفنانين من مختلف الجنسيات.
كما قررت مجلة "فارايتى variety"، الأمريكية تكريم المنتجة "مي عودة" بجائزة "أفضل موهبة عربية للعام" بمهرجان الجونة السينمائي بحضور ممثلي المجلة، يتناول الفيلم قصة عائلة فلسطينية تم تفريقها عن طريق جدار الاحتلال الصهيوني.
يتأرجح المخرج تامر عزت بين الرغبة في التجريب ومنهجية دراما الست كوم، الأمر الذي ظهر بوضوح في فيلمه الأخير "لما بنتولد" سيناريو الكاتبة الراحلة نادين شمس، يطرح الفيلم التجربة الأولى في التمثيل لأمير عبد المغني رئيس فريق كايروكي؛ وقد غلب على أداء كايروكي الافتعال والمبالغة، كباقي فريق الفيلم.
بخروج كل الترشيحات السابقة من قائمة الأوسكار هذا العام، أصبح فيلم "الرجل الذي باع جلده" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية هو الفيلم العربي الوحيد المرشح لفئة أفضل فيلم أجنبي. بطولة يحيى مهايني وديا ليان، والإيطالية مونيكا بيلوتشي والبلجيكي كوين دي بو. تحاول هنية من خلاله رصد معاناة السوريين بعد الحرب الأهلية، وهروبهم من وطنهم من أجل البقاء ومن بينهم بطلها الشاب سام الذي يعيش في لبنان ويرغب في السفر إلى أوروبا ليلتقي حبيبته هناك، لكن كل الوسائل تفشل في تحقيق غرضه، فيقوم بتحويل جسده إلى لوحة فنية، كي يحصل على تأشيرة السفر.