القاهرة 25 فبراير 2021 الساعة 11:14 ص
حاورتها: إنجي عبد المنعم
ارتكزت مروة مجدي في منحوتاتها على محاكاة العقل، والحالات التي تنتج فيها التصورات أسئلة أكثر من الإجابات؛ فاتخذت من الطبيعة خصوصية متفردة جعلها ترى برؤية الفنان المبدع المجرب ما لا تراه عين الإنسان العادي، فتُفسِر هذا العالم كما لو كان مليئًا بالنوايا، مع رموز وعلامات تكشف الحقائق والمستحيلات؛ مما دفعها للذهاب إلى ما هو أبعد من الرؤية السطحية إلى إنشاء حيوانات منحوتة تسمح لها وللمتلقي بأن يتخطيا مجرد تخيل النفس في الصورة أو النص، لإيجاد تصور مغاير في نفس المساحة التي يتخيلها المرء.
الفنانة مروة مجدي خريجة التربية الفنية تخصص نحت، لها العديد من المشاركات الفنية منها: معرض ملتقى إبداعات المرأة المصرية بالهناجر 2017، سيمبوزيوم مدينتي الرابع للنحت 2017، سيمبوزيوم النحت الدولي بكلية فنون جميلة جامعة المنيا 2017، ورشة سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت 2019، صالون آدم حنين لفن النحت (2018-2019)، سيمبوزيوم أهدن الدولي للرسم ونحت بشمال لبنان 2019، صالون الشباب 30 (2019)، صالون نوت للنحت (2020)، معرض روتاري الأول متحف محمود مختار، صالون شباب اتيلية الإسكندرية الدورة 24 (2020).
• من المعروف أن الفن يبدأ بالموهبة ويكبر مع الوقت؛ حدثينا عن بدايتك مع فن النحت؟
بداية وكالمعتاد مع أي شخص لديه ميول للفن وخاصة الرسم كانت البدايات هي مجرد ممارسة للفن فقط لمجرد الاستمتاع دون أية أهداف أخرى، ثم بعدها قررت التوجه إلى كلية فنية للدراسة بشكل أكاديمي لتبدأ علاقتي بالنحت من خلال الدراسة، ومع أول محاضرة في الفرقة الأولى حدث أول تعارف على خامة الطين الأسواني ولونه الأحمر الطبيعي، وأتذكر شعوري عندما بدأت اكتشاف الخامة وتشكيلها وتحويلها إلى أشكال مجسمة، والتحكم بها كجزء مني يتشكل ويخرج في صورة شكل أو عنصر كما تراه أنت وتشعر به، حتى لو كان صخرة تحاكيها وتنقلها وتتخيلها كشخص مرة أو حيوان مرة أخرى، وهكذا..
عندما أبدا بالنحت والتشكيل أشعر كأني أنتقل إلى زمن آخر وإلى عالم صنعته في خيالي بنفسي؛ من هنا أدركت حبي للنحت ومدى تأثري به، ولكن مازال الأمر يقتصر على الدراسة فقط، وفي الفرقة الثانية ذهبت لرحلة إلى الأقصر مع الكلية وشاهدت المعابد والآثار وتعمقت في التعرف على الحضارة المصرية فزاد تعلقي وانبهاري بها، وحينها أدركت أنني أنتمي إلى هذا العالم وأريد أن أعرف المزيد واتعلم وأتخصص أكثر في مجال النحت.
• لكل فنان فلسفة خاصة أو اتجاه يختلف فيه عن الآخرين.. برأيك ما هي فلسفتك في النحت؟
نظرا لأن والدتي دكتورة في علم نفس ونمو الطفل وكنا نتناقش كثيرا في تحليل السلوك و الشخصيات، وسمات كل مرحلة يمر بها الإنسان منذ الطفولة وصولا إلى الشيخوخة، كما تأثرت بالكثير من كتب علم النفس وفضولي في إيجاد تفسير وتحليل للشخصيات، فأدركت أن هناك صفات مشتركة بين الإنسان والحيوان، فكلاهما يشعر ويكون عدوانيا وآخر يكون مسالما ويدافع ويتكاثر إلي آخره.. ومن هنا تركز المنحوتات التي ابتكرتها على علم النفس البشري، مجردة من السياق والتبرير، ومفصلة من خلال الأشكال الحيوانية والإنسان..
على السطح، نجد هذه الأشكال هي ببساطة أفراد وحشيون ومعتدلون في لحظة توتر.. ولكن تحت السطح، فإنها تجسد عواقب الخوف البشري واللامبالاة والعدوان وسوء الفهم؛ حيث تُظهر التفاعلات البشرية والحيوانية على حد سواء أنماطًا من الإيماءات المعقدة اللاشعورية التي تخون النية والدافع.
إن محاولة البحث عن الحقيقة الروحية وراء كل شيء، والنظر للحيوان كمخلوق به روح وشعور، والبحث عن الحقيقة الروحية في الحيوان هو الطريقة التي أعبر بها وأسلكها للعناصر في صورة تجريدية رمزية لها مدلول بصري، فأنا أرى أن أي شيء ليس له معنى روحي لا مغزى له وعبثي، وهكذا فأعمالي النحتية تعد محاولة لتضييق الفجوة بين عنصر الحيوان في التاريخ والطبيعة الحقيقية وبين ذلك العنصر الخاص بي من خلال التخيلات والاستكشاف والتحليل والإبداع، وهكذا يصبح تراكم التخيلات للعناصر أساس مستمر، ما أسميه بالعالم الخيالي الخالص بي الذي تنتمي إليه عناصره الخاصة.
• من خلال حديثي معكِ استشعرت شغفك الكبير بالحيوانات ووجودهم في أغلب منحوتاتك، حدثيني عن هذا الشغف؟
لأني أرى الحيوان هو همزة الوصل بين الإنسان والطبيعة، وتنوعت في نوعية الحيوانات منها البرية والمتوحشة والمهاجمة ولكنها تنقل مجموعة كاملة من المشاعر الإنسانية، حيث تستند أعمالي المنحوتة على جسم الحيوان، والفضاء البشري، إلى فرضية أن غرائز الحيوانات البدائية تكمن في أعماقنا، في انتظار فرصة الانزلاق إلى ما وراء اللحظة الواعية.
• يلعب التجريب والتجريد معا دورا محوريا في تجربتك... فماذا تقولين؟
لأنه يخاطب عين المتلقي وقلبه وعقله معا ولا يخاطب عقل المتلقي فحسب، وهذا الطرح حقق نجاحا عند المتلقي لأنه لم يجد أي صعوبة في الانسجام مع الشكل المنحوت عند أعمالي؛ حيث ركزت على إعطاء الشكل قيمة جمالية من حيث التنسيق المحكم في أبعاد الكتلة، وهذا الطرح الفلسفي في المذهب التجريدي في النحت، فن يسعى إلى البحث عن جوهر الأشياء والتعبير عنها عبر أشكال موجزة تحمل في داخلها الخبرة الفنية، التي أثارت وجدان الفنان التجريدي، وكلمة (تجريد) تعني التخلص من كل آثار الواقع والارتباط به، فالجسم الكروي تجريد لعدد كبير من الأشكال التي تحمل هذا الشكل منها كالتفاحة والبرتقال وقرص الشمس وكرة اللعب وما إلى ذلك، وكذلك الأمر مع الإشكال الطبيعية الأخرى، وهذا بطبيعة الحال يعتمد على ذهن وخبرة الفنان وما توحي له رؤيته لهذه الأشكال.
• لجأت إلى استخدام خامة البوليستر في أعمالك.. كيف تتعاملين معها؟ ولماذا البوليستر؟
لأنها تعتبر من الخامات خفيفة الوزن وسهلة التصنيع، ولكنها الأقوى، وأفضل أن تكون الخامات من البرونز لكنه مكلف إضافة إلى وزنه الذي يصعب معه النقل من مكان لآخر، فالبوليستر أسهل بالنسبة لي في التشكيل والنقل.
• تعملين مٌعيدة بكلية التربية الفنية بعد تخرجك.. فما الدور والتأثير المتبادل بين كونك أكاديمية وفنانة تمارسين مجال النحت؟
لقد اكتسبت خبرة أكثر وتعرضت لمواقف تعليمية مختلفة وفي كل عام أطور من خبراتي لكي أستطيع إفادة الطلاب أكثر، والتأكيد على ضرورة الدراسه الأكاديمية ودراسة التشريح لكل العناصر في الطبيعة وضرورة دراسة تاريخ النحت في الحضارات القديمة لأنه لا يمكن كسر قواعد الفن إلا من خلال إتقان قواعده أولا.
• مؤخرا شاركتي بصالون نوت للنحت.. فماذا عن العمل المشارك؟
هذه هي المشاركة التانية لي، وشاركت بعمل لحيوان على هيئة ثور، واسم العمل "MINOTAUR2" بصياغة تشكيلية هندسية عبارة عن مجموعة ثلاثية من الثيران في وضع منحني، وهي من أشهر وضعيات الثور في الهجوم، وبرغم انحناء الكتلة إلا أنها أقوى وضعية في الهجوم للثور، وقد أدرك الإنسان القديم قوة الثور، ورسالة الحيوانات القديمة وارتباطها بالأرض وعملية الزراعة والحرث كما تم تجسيد المعبود "أبيس" معبود الخصوبة والقوة في مصر القديمة على هيئة الثور، وفي حضارات بلاد الرافدين "الثور المجنح" رمز للحماية والحراسة، كما نجد له رمزيات مختلفة عند شعوب الأناضول واليونان وشعوب سوريا القديمة.. فإنه مستوحى من المشاعر والرؤى في الماضي، وفي الحالة العاطفية الحالية فهو رمز للقوة.
• ما هي خططك المستقبلية؟
أسعى للمضي قدما في خطواتي العملية والأكاديمية وصولا إلى الدكتوراه، ثم الأستاذية مع المزيد من المشاركات في الحركة الفنية التشكيلية.