القاهرة 25 فبراير 2021 الساعة 11:10 ص
بقلم: محمد حسن الصيفي
ماذا علينا أن نكتب ونسجل في اللحظة الراهنة؟!
عن انهيار القيم واختلال الموازين وضياع العقول، ونسف القواعد والبديهيات والاحتفاء بأهل السفاسف وصغائر الأمور؟
لا زلت أتساءل كل يوم كيف غنّى منير "والعالم عاقل مش مجنون"!
العالم مجنون رسمي وبلا أي شك!
تحوّل العالم إلى سرايا صفراء كبرى، وتحولت معه الأنظار لكل ما هو تافه وضيع عديم الجدوى، وأصبحت السماوات المفتوحة ومواقع التواصل وبالا وعودة إلى التيه والظلام، وبدلا من أن يتحول العالم لقرية صغيرة مستنيرة، تحوّل إلى قرية صغيرة مفضوحة، مُهانة، تعاني ثقافة الفضيحة والرخص والابتذال.
وتحوّلت بديهية الاحتفاء بالجيد وانتقاد الضعيف إلى العكس، فأصبح الضعف والشللية هو القاعدة التي تنطلق منها المرحلة، الفن والأدب والثقافة، بينما لأصحاب الجودة والإتقان الدعوة بالرحمة في المساجد والزوايا!
فهنا شاعر يسرق قصائد مشهورة لشعراء كبار دون أن يلتفت أحد، وهنا قناة تلفزيونية رسميّة تحتفي بخناقة أهل المهرجانات في برنامجها الرئيس سعيًا وراء سراب التفاعل والمشاهدات، وهنا برنامج ترفيهي كبير يستضيف أسرة مسلسل فاشل تافه للاحتفاء به وعرض قصة فشله الخرافية على الجمهور قبل أن تعلن نجمة العمل "المصطنعة" عن استعدادها لعمل جزء ثاني من العمل بناء على رغبة الجمهور!
ولا نعرف أي جمهور، فالجمهور ساخط وثائر، عصف بالعمل وطرحه أرضًا ونصب له مصايد الكوميكس والميمز على مواقع التواصل وعصف بركاكة الفكرة والتمثيل وضعف العمل غير المسبوق في تاريخ الدراما المصرية؟!
منتج يقرر فجأة التمثيل بماله ومن حكم في ماله فما ظلم، والنتيجة مسلسل كوميدي يصيب بالغثيان وتقلصات المعدة من فرط السذاجة والسخافة وثقل الدم، عمل يشكل خطورة على ميراث تاريخي من خفة الظل والفكاهة والجينات المصرية الأصيلة!
ممثل ضعيف يقرر الكتابة بلا موهبة ولا دراسة ولا بذرة توحي بأي أمل في جودة ما وثقل ما يحمله هذا القلم والنتيجة هزلية بكل المقاييس!
إلى أي قاعدة نتجه الآن؟!
افشل حتى يقودك الفشل إلى الشهرة والبريق واللمعان؟
هل ضاقت مصر بالمواهب والأفكار حتى يقتصر الأمر على الاحتفاء بمسلسلات درجة ثالثة وتصدر خناقات مطربي الخمور والحشيش في القنوات المحلية الرسمية والفضائية؟!
وإذا كان المطرب الغائب دائمًا تحت تأثير المشروبات الروحية والدخان الأزرق هو النموذج فلماذا لا ينجرف تحت عباءته العشرات، فالرجل ناجح بدون نجاح، وبدون تعب، وبلا مشقة، الرجل لا يستطيع حتى قراءة سطر واحد يوحد ربنا، بل يتم تلقينه المهرجان أثناء التسجيل!
لا تعب ولا مجهود ولا يحزنون، بل أنه لا يستفيق من غيوبة الدخان الأزرق ويركب سيارات فارهة لا يحلم بها موظف شريف قضى أربعين عامًا يخدم وطنه في شركة أو مصنع ولا يتعدى معاشه عشر ورقات فئة المائة، لا يكفون مئونة بيته حتى منتصف الشهر!
ماذا ستفعل التنمية والنظام ونظافة الشوارع والميادين والسيولة المرورية وتجميل القرى والعشوائيات إذا كانت العقول عفنة خربة والنفوس مريضة؟!