القاهرة23 فبراير 2021 الساعة 09:49 ص
كتب: محمد زين العابدين
في زمن مليء بالضغوط والتعقيدات التي تتزايد يومًا بعد يوم، وبالرغم من امتلاكنا كمًّا هائلًا من التكنولوجيا - خاصة في مجال التواصل - إلا أن الناس تشعر بالعزلة؛ لذا فمن الصعب إيجاد حلول للمشاكل الواقعية التي نعيشها؛ حتى أن الأطفال أنفسهم أصبحوا يعانون من تزايد الضغوط الملقاة على عاتقهم، وأصبحنا نسمع عن زيادة حالات القلق، والتوتر، بل والاكتئاب عند الأطفال.
ومن أهم المشكلات التي نعاني منها؛ عدم القدرة على التحكم في عواطفنا بشكلٍ واعِ، وفهم عواطف الآخرين حتى نستطيع التعامل بحكمة، وحسن اتخاذ القرارات في حياتنا عمومًا، سواء في البيت، أو في مجال العمل.
وهذا الكتاب المهم، الصغير الحجم، والبالغ التشويق والفائدة؛ يدور في فلك هذا الموضوع الجديد، وهو من تأليف إحدى الشخصيات المشرفة للمرأة السعودية والعربية وهي المستشارة التربوية والاجتماعية ومدربة التنمية البشرية السعودية الدكتورة "ريم بخيت"؛ وهي أيضًا مدربة غوص ترفيهي.
تحكي د. ريم بخيت عن تجاربها الذاتية على تنمية مهارات الذكاء العاطفي، ومتابعة ممارسته من خلال امتحانات التقييم المستمر، ثم سعيها لنشر ثقافة الذكاء العاطفي من خلال تقديم محاضرات وورش عمل في صفوف دراسية أو افتراضية؛ بل وأيضًا من خلال برامج للرحلات والمغامرات وتسلق الجبال والغوص.
ومن الحقائق الأساسية التي يطرحها الكتاب:
أن الذكاء العاطفي يعتبر جزءًا من تركيبنا البيولوجي الإنساني وأن العواطف قابلة للعدوى بين الأفراد، والتفاؤل يمكن تعلمه، وأن أدمغتنا مجهزة بأسلاك توصيل لما يعرف بـ "التقمص العاطفي" التي تستحث المشاركة الوجدانية، ويوضح ركائز الذكاء العاطفي وأساليب تطوير مهارات الذكاء العاطفي وبرامج التعلم العاطفي الاجتماعي، وأهمية مهارات الذكاء العاطفي في عالم الأعمال.
*أهمية الذكاء العاطفي:
في هذا العصر الذي يزداد تعقيدًا نحتاج جميعًا إلى تعلم مهارات الذكاء العاطفي بشكل فعال، وتطوير المزيد من الرؤى للتعامل مع أحاسيسنا، وأحاسيس الآخرين بشكل أكثر فاعلية، وتساعد مهارات الذكاء العاطفي بدور فاعل في تقديم المساعدة للناس ليكونوا أفضل من ناحية الصحة النفسية، والجسدية، واتخاذ القرارات بشكل أفضل، وبناء علاقات إنسانية قوية، وتحقيق المزيد من النتائج الإيجابية.
وتشير المؤلفة إلى أن فهم وتعلم الذكاء العاطفي هو أمرٌ مهمٌ جدًّا؛ لأنه يساعدك على فهم ذاتك بطريقة أفضل ويجعل منك إنسانًا أفضل سواء كنت زوجًا أو والدًا، موظفًا، أو مديرًا، أو عضوًا فعالًا في المجتمع، وهو يساعد على تعزيز مهارات الاتصال، والعمل الجماعي الرائع القائم على الاحترام والتقبل، وزيادة الإبداع، وإتاحة الإمكانية لإدارة الخلافات والصراعات بشكل واع، وتحويل التحديات إلى فرص.
*ما هو الذكاء العاطفي إذن؟
الذكاء العاطفي: يعني قدرة الفرد على التعامل مع عواطفه بشكل أكثر ذكاءً؛ وذلك لمساعدتنا في اتخاذ ممارسات وقرارات أكثر فاعلية؛ ففي بعض الأحيان ينهمك بعض الأشخاص في تعويض ما فاتهم من العواطف، والتركيز عليها بشكل مُرضٍ غير فاعل، ويجب الاتفاق على أن الإفراط في هذه العواطف لا يُعَّدُ فاعلًا، كما أن التفريط فيها ليس مطلبًا يوافق الفطرة الإنسانية، فالذكاء العاطفي يعني استخدام العواطف والتفكير معًا لإحداث التوازن، ويمكن تعريف الذكاء العاطفي بأنه القدرة على تحديد العواطف الشخصية للفرد، وإدارتها، إلى جانب تحديد وإدارة عواطف الآخرين.
*تدريب عملي على انعكاس الذكاء العاطفي على الجانب البدني:
عند تجاهل ممارسة المشاعر لسنوات يكون من الصعب ضبط الإيقاع، والبعض يجد أنه من المفيد ملاحظة التغيرات التي تحدث بأجسامهم؛ هل الفم مقيد؟ هل هناك آلام بالظهر؟ هل القبضتان ترتجفان؟ هل الجبين مجعد؟.. وهكذا؛ لأن العلامات الجسدية قد تعطي أدلة تساعد على ملاحظة المشاعر العاطفية، فيجب اغتنام لحظة تأمل ومحاولة القيام بضبط إيقاع المشاعر عدة مرات يوميًّا؛ على سبيل المثال: ما الذي تعبر عنه مستخدمًا جسدك: الابتسام، العبوس، العضلات المشدودة أم المسترخية؟ ما نوع التفكير الذي تمارسه: التركيز، التشتت، التقييم، المراقبة؟ أي نوع من المشاعر يتملكك: الهدوء، الهياج؟ وأثناء هذه المشاعر ستصبح أكثر مهارة في ملاحظتها حتى عندما تكون صغيرة، أو غير واضحة، مما يفيد في ضبطها وتوجيهها.
*العواطف مُعدِية: فبصفتنا مخلوقات اجتماعية؛ فعواطفنا تخدم هذا الغرض من التواصل الإنساني، فتقوم بإرسال الإشارات إلى الآخرين، في شكل "حزمة"، تنبئ عن المخاطر، أو الفرص، أو غير ذلك. وبالتالي تشكل العواطف قناة اتصال شبه فورية. نقرأ العواطف من تعبيرات الآخرين، سواء بالوجوه، أو نبرات الأصوات، أو غيرها، ويمكن استخدام تلك البيانات في فهم سلوكياتهم، وقراراتهم. وهذه الأمور تحدث بشكل تلقائي.
*التفاؤل يمكن تعلمه: أحيانًا يتم وصف بعض الناس بأنهم "متفائلون"، أو "متشائمون"، كما لو أنها سمات شخصية ثابتة. ومع ذلك تظهر الأبحاث أن التفاؤل مهارة يمكن تعلمها في واقع الحياة. وهناك خرافة أخرى تقول إن التفاؤل هو نفسه "التفكير الإيجابي"، وأنه يعتمد على تجاهل المشكلات؛ بينما التفاؤل الحقيقي يتطلب منا مواجهة الواقع باقتناع، بأننا نستطيع إيجاد حلول للمشكلات التي نواجهها.
*التفاؤل الواقعي: توضح المؤلفة فكرة التفاؤل الواقعي؛ حيث تشير إلى أننا عندما نستغرق في التشاؤم، يبدو الأمر كما أنه لا توجد خيارات أخرى؛ ففي بعض الأحيان يصبح من المعقول، بل ومن المفيد أن يكون المرء حزينًا، وخائفًا، وحتى عاجزًا، أو يائسًا. ولكن لن نستطيع أن نحل مشكلة إذا بقينا في هذه الحالة؛ فُسر التفاؤل هو أن نسمح لأنفسنا بأن نشعر بتلك المشاعر التي توضح المشكلة، ثم نقوم بخلق خيارات جديدة، ورؤية مغايرة لإيجاد الحلول.
*الوعي الذاتي وأهميته في إدراك الآخرين:
إن رفع الوعي الذاتي رحلة تدوم مدى الحياة، ويتم كنتيجة لسلسلة من الاكتشافات عن الذات؛ فالحياة تأخذ منا الكثير من الأشياء، وتلهينا كثيرًا. ولهذا عليك تكريس وقت، وجهد لتكوين الوعي. وخلال رحلة اكتشاف النفس، والإدراك الذاتي؛ ستتمكن من فهم، وإدراك الأشياء التي أدت إلى التفكير، والشعور، والتصرف، بطرق معينة. وبواسطة الإدراك الذاتي، يرتفع مستوى إدراكك للمحيط الذي تعيش فيه، ويكون بإمكانك رؤية ما وراء ردود أفعال الآخرين، وتصبح أكثر تقبلًا، وفهمًا للأسباب التي تجعل الناس يتصرفون بطريقة معينة؛ وهو ما يساعد في تحكمك بصورة أفضل، في عواطفك، وأفكارك، وسلوكك.
*نظرة واقعية للذكاء العاطفي:
تطرح المؤلفة في ختام استعراضها لأهمية الذكاء العاطفي في تطوير حياة الأفراد سؤالًا موضوعيًّا؛ حيث تتقمص فيه دور القارئ، وهذا السؤال المهم هو: كيف يمكن تطوير مهارات الذكاء العاطفي، التي يملك الكثيرون العديد منها، خصوصًا في ظروف مجتمعاتنا التي تعجز للأسف -حتى الآن- عن فهم الذكاء العاطفي، والتعبير عنه بالشكل الأمثل؟!
فبالرغم من التركيز المتزايد على الذكاء العاطفي خلال العقدين الماضيين إلا أن العجز الشامل عن فهم وإدارة العواطف أمر مروع، فمن بين الأشخاص الذين تم اختبارهم؛ كان هناك 36% فقط قادرين على تحديد عواطفهم بدقة وقت الإحساس بها، مما يعني أن ثلثي الناس تحكمهم عواطفهم عمومًا ولم يكتسبوا بعد المهارة اللازمة لرصد هذه العواطف واستخدامها لصالحهم.
إن القرارات السليمة تتطلب أكثر من مجرد المعرفة الواقعية، حتى يتم اتخاذها بالاستعانة بمعرفة الذات، والتمكن العاطفي في أكثر الأوقات احتياجًا لهما.