القاهرة 18 فبراير 2021 الساعة 09:42 ص
كتب: جمال عاشور
لطالما حظى جبران خليل جبران باهتمام الكثير من الفلاسفة والباحثين، لأفكاره ومعطياته المختلفة عن الجميع، فلم يكن يتشابه مع أحد في نسج كلماته ولا طريقة كتابته أو كتبه المتميزة، ومن بين تلك الكتب التي أثارت ضجة كبيرة فور صدورها هو "عيسى ابن الإنسان".
يحاول جبران في هذا الكتاب أن يعرض آراء الناس المختلفة في المسيح، فيضع إلي جوار رأي الذين أحبوه، رأي الذين أبغضوه وقاوموه، ويكمن اختلاف الكتاب في وضعه الرأيين ليلتقيان على حب المسيح والرثاء لخصومه، حيث يجمع بين ضفتي الكتب آراء سبعين متكلمًا عاشوا منذ ما يقرب من ألفي سنة، كان منهم الحانق ومنهم المحب المجامل.
ويبدأ جبران أول آرائه بـ"حنه أم مريم" عن مولد عيسى، حيث تقول:
"هنا في الناصرة، ولد عيسى وهبط علينا ليلة مولده، قلت: لقد أنجبت ابنتي الليلة وليدًا وأنا على يقين أنهم سيغفرون لي تقصيري، إذ لم أوفهم حقهم، كان ابن مريم جميل الطلعة وعندما شاهد المجوس مريم وطفلها، أخرجوا من حقائبهم شيئًا من الذهب والفضة والبخور، وألقوه تحت قدم الرضيع، ثم ركعوا وصلوا بلغة غريبة، وفي الصباح قالوا إن الصبي لم يتجاوز بعد يومًا واحدًا، ولكننا رأينا نور إلهنا في عينه، وابتسامة الرب".
ويأتي جبران ليذكر رأي "مريم المجدلية" عن لقائها عيسى للمرة الأولى، حيث تقول:
"كان ذلك في شهر يونيه، كان يسير في حقل القمح، وقد انتحى جانبًا، وكنت أنا بين وصيفاتي فرفعت يدي ألوح له محيية، غير أنه لم يقبل علي بوجهه ولم ينظر إلي ما رأيته بعدها إلا في شهر أغسطس من خلال نافذتي، ارتديت ثوبًا من الحرير الدمشقي، وتركت بيتي أقصده، فنظر تجاهي وقال: "ما أكثر محبيك يا مريم، ولكنك لن تجدي غيري لك حبيبًا"، ويورد جبران ماقالته مريم المجدلية بعد ثلاثين عاما، فتقول: "إن عيسى قهر بموته الموت، ونهض من اللحد روحا وقوة وسار بيننا يلم برياضه آلامنا".
وقد كان محبو المسيح كثر، لسماحته التي اشتهر بها على مدار الزمان، ويرصد جبران فيما يلي بعضًا من الآراء منها: "لقد أراد أن يعيش حرًا متخففًا من كل واجب كما يعيش الطير في جو السماء، لهذا أردته سهام الصائدين صريعًا".
أما قيافا الكاهن الأكبر الذي يورده جبران بين طيات الكتاب، فقد حمل في قلبه رأيًا منافيًا عن عيسى، حيث يقول:
"كان ذلك الرجل عيسى من المندسين المفسدين، ولقد رددنا كيده في نحره، لقد علمنا نحن وبيلاطس البنطي ما في نفس هذا الرجل من شر، وكان من الحكمة أن نجعل له نهاية، ولسوف أعمل على أن ينتهي أتباعه إلى ما انتهي إليه"، ويذكر جبران رأي امرأة من الجليل حملت نفس الرأي، قالت: "إني أبغض عيسى الناصري الذي كان سببًا في أن أعيش وحيدة في حقل لم يظفر بعد بمن يحرثه، وبستان جفت شجيراته، نعم إني أكره الناصري وسوف أكرهه إلي آخر حياتي، لأنه سلبني ابني البكر – ابني الوحيد".
ويقول كاهن يهودي من كفر ناحوم:
"كان ساحرًا لحمًا ودمًا، وكان يسعى إلي نساء أورشاليم ونساء القرى المجاورة، يمكر بهن مكر العنكبوت بالذبابة، وكن يقعن بين خيوطه، فالنساء ضعيفات ألبابهن أهواء يجذبهن الرجل الذي يؤنس عواطفهن المكبوتة بكلمات رقيقة معسولة".