القاهرة 16 فبراير 2021 الساعة 09:45 ص
إعداد: علي سرحان
بسبب أن مناخ مصر جاف للغاية، والمواد الفنية القابلة للتلف مثل الخشب، فقد نجا الجلد والكتان والبردي بكميات أكبر بكثير منه في الثقافات القديمة الأخرى، والحرفيون كانوا يعتبرون اجتماعيًّا متفوقين على العمال المشتركين في الأعمال الأخرى، لقد تعلم العمال فنونهم الحرفية بشكل يضمن الاستمرارية الأسلوبية في منتجاتهم الجميلة التي صنعوها من أجل الأحياء والأموات، وقد كانت المرأة تشارك في النسيج، وصناعة العطور، والخبز والتطريز، كما تم مكافأة القدرة الاستثنائية لعدد من الفنانين والعمال المهرة من خلال زيادة المكانة الاجتماعية .
الحجر:
بالنسبة للمصريين فإن صلابة ومتانة الحجر يرمز إلى الدوام والخلود، الحجر إذن هو المادة التي شيدت منها المعابد والمقابر، في حين أن مساكن المعيشة (المنازل العادية وكذلك الملكية مثل القصور) بنيت من طوب اللبن. على طول وادي النيل، وكانت هناك دوما إمدادات وفيرة من الحجر الجيري والحجر الرملي، كما كان هناك الجرانيت في أسوان.
الجواهريون في العمل: أحدهم يحمل ثقوبًا في خرزات حجرية مع تمرين القوس بينما يقوم الآخر بخيوطها لتشكيلها قلادة واسعة. رسم خطي بعد لوحة في قبر رخميرع.
استخدم النحاتون المصريون الأوائل حجر الصوان، ثم الأدوات المصنوعة من النحاس، والبرونز في وقت لاحق، في الألفية الأولى قبل الميلاد تم إضافة أدوات الحديد، ومع ذلك فالعمل أصعب في الحجارة، مثل الجرانيت والديوريت، وقد استخدم النحاتون في بعض الأحيان المطارق الحجرية الصلبة المكسوة بالخشب ومقابض لقصف الحجر حتى كانت قريبة من الشكل النهائي للتمثال ثم التشكيل النهائي له، وكانوا يستخدمون خلال عملهم أحجارا صلبة للغاية وإضافات أخرى من المعاجين الرملية الجميلة .
استخدم المصري القديم حجر الصوان في صناعة الأدوات الحجرية منذ العصور الحجرية الباكرة وحتى العصور الفرعونية، وكانت المواد الخام اللازمة موجودة بكثرة بالصحراء أو كان يمكن استخلاصها من تكوينات الحجر الجيري على طول وادي النيل، وكانت الصناعة الحجرية المصرية في عصور ما قبل التاريخ مشابهة للصناعة الحجرية بأفريقيا وآسيا وأوروبا، ولكن اختلفت الأمر في هذه الصناعة في مصر بآخر عصور ما قبل التاريخ، فأصبحت فريدة من نوعها ونتج عنها أجود أنواع الأدوات الحجرية بالعالم القديم بأكلمه، وكثر استخدام الأدوات الحجرية على مدار تاريخ مصر القديمة مثل أدوات الجزارة ومنها السكاكين، وأدوات الزراعة ومنها المنجل ذو الحد المصنوع من الصوان، وتتضح أهمية الأدوات الحجرية للمجتمع الزراعي بمصر القديمة مثل صناعة الفأس من الصوان ذو الأسنان الحادة والحافة المحدبة التي تستخدم في القطع .
الخشب:
بسبب المناخ الجاف، لا تنمو أشجار كبيرة في مصر اليوم، باستثناء النخيل، والتي هي ليفية جدًّا ولا تصلح للنحت، ولكن كان هناك المزيد من الأشجار في القديم، وخاصة في مناطق معينة من مصر الوسطى، مثل خشب السنط الذي كان يستخدم لصنع الأثاث والتوابيت، وكذلك العديد من التماثيل، وقد استخدم الفنانون جذوع وفروع الأشجار لصنع تماثيل صغيرة، وصنع شخصيات أكبر وتوابيت خشبية، وكان على النحاتين ربط قطع من الخشب معًا، ثم استخدام أدوات الصوان والنحاس والبرونز لقطع وتشكيل الخشب.
عادة ما تكون هذه الأنواع من الأعمال مغطاة بالرمل الدقيق أو مغطاة بالجبس، للإنشاءات الخشبية الكبيرة مثل السفن والهياكل المعمارية، وأيضا للتماثيل الجميلة، والأثاث، والتوابيت، وفيما بعد قام المصريون القدماء باستيراد الخشب من غابات الأرز في لبنان، وخشب الأبنوس وأنواع أخرى من الخشب الصلب المستوردة من أفريقيا الوسطى، ليستخدموا في المجمل أفضل الأخشاب المتاحة في العالم القديم لصناعة أجمل التماثيل وأرقى الأثاث، والتي كانت غالبًا ما تكون مطعمة بالمعادن النفيسة والعاج .
الصانع في ورشة النجار
كذلك برع المصرى القديم في الصناعات الخشبية واستخدم خشب الأرز المستورد من فينيقيا في صناعة السفن لندرة الأخشاب فى مصر وعدم صلاحية الأخشاب المحلية كالسنط والجميز والصفصاف، كما جلب خشب الأبنوس من النوبة وبلاد بونت لاستخدامها في صناعة أثاث القصور الملكية وبيوت الأمراء، وبرع المصرى القديم فى حفر الخشب وتطعيمه بالعاج والأبنوس، كما استخدم أدوات النجارة كالأزميل والمنشار وقطع من الحجر الأملس والرمل فى تسوية الخشب وصقله، ويعد النجارون في مصر القديمة فئة هامة من العمال المهرة الذين شملت أدواتهم الفئوس والمطارق والأزاميل والمناشير.
عمال داخل ورشة النجارة يصنعون تابوتا
رسم خطي لنجار في ورشة النجارة وهو يقوم بأعمال النجارة
صناعة المعادن:
كان الذهب يعتز به بشكل خاص لأن لونه ولمعانه يرمزان إلي الشمس، كما أنه لا يشوه، وكان أيضًا استعارة للحياة الأبدية، وقد تم استيراده من النوبة واستخراجه من الصحراء المصرية، وتم استيراد الفضة من غرب آسيا أو بحر إيجة، أما عن الأجسام المعدنية فقد برع صناع الجواهر والحلي في الورش الملكية في صناعة الحلي المزينة بالذهب، وكانت ملفقة من الصفائح المعدنية أو المدلى بها مثل الصدر، والقلائد واسعة طوق، والأساور، والأوسمة، وتم قطع الأحجار شبه الكريمة أو قطع من الزجاج الملون بالأشكال المطلوبة ووضعت داخل خلايا (تسمى كلويز) وقد تشكلت عن طريق دمج شرائح رقيقة من الذهب في اليمين زوايا إلى قطعة مسطحة الظهر الذهب.
وقد اكتشف المصريون القدماء نحو 125 منجما بالصحراء الشرقية ومنطقة البحر الأحمر والنوبة، والتي تعني أرض الذهب باللغة المصرية القديمة، وكانت مصر القديمة غنية بالذهب، وقد قال أحد حكام الشرق الأدني للملك أمنحتب الثالث: "ابعث لي بكمية من الذهب لأن الذهب في بلادك مثل التراب" وتشير البردية الذهبية في متحف تورينو في إيطاليا من عهد الملك سيتي الأول من الأسرة التاسعة عشرة إلي مناجم الذهب المنتشرة بالصحراء الشرقية، أما الاكتشافات الأثرية المتعاقبة فتعكس تمكن المصريين القدماء بخبرة هائلة في مجال التنقيب عن الذهب واستخراجه من عروق الكوارتز، فضلا عن خبرتهم الكبيرة في مجال التصنيع واستخدام النار والغاب المصنوع من الخزف وصهره.
كما استخدم البرونز، من بين مواد أخرى، للأدوات والأسلحة والدروع من عصر الدولة الوسطى وما بعدها قبل ذلك الوقت، وفي بعض الأحيان حتى خلال الدولة الوسطى، وكان النحاس المعدن الأكثر شيوعًا للأدوات والأسلحة كونها قيمة للغاية، وأذيب النحاس والبرونز باستمرار وأعيد استخدامه.
وتاريخ سبائك النحاس والتماثيل البرونزية ليست واضحة تماما حتى الآن، فقط نجا القليل من القطع قبل الفترة الوسيطة الثالثة، يصنع عمال المعادن أشكالًا صلبة أو مجوفة باستخدام تقنية الشمع المفقود، وعادة ما يتم تشكيل الأشكال الأولى تمامًا في الشمع، بما في ذلك جميع التفاصيل ثم يتم تغطية الشمع بطبقة من الطين، ويتم إطلاق النموذج، والذي يتسبب في إذابة الشمع ونفاد الطين ويتحول إلى الطين وأخيرا يسكب المعدن المنصهر في المكان الذي كان الشمع فيه، وهي طريقة التصنيع المسماة اليوم بالاسطمبة.