القاهرة 16 فبراير 2021 الساعة 09:42 ص
كتب: وائل الحسيني
صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب جديد للدكتور جميل عبيد، والكتاب يتحدث عن احتلال محمد علي لدولة اليونان وهو يبدأ بتتبع استراتيجة مصر في عهد محمد علي خطوة خطوة ويحاول تحليل موقف الدولة العثمانية التي كانت مصر جزءًا من إمبراطوريتها الواسعة.
ثورة اليونان ضد الاحتلال التركي:
في بداية القرن التاسع عشر ظهر اثنان من كبار المفكرين في اليونان وهما "ريجاس" والثاني، "كورياس"، الأول "ريجاس" دعا اليونان إلى حمل السلاح وإلى تكوين جمعيات تتولى جمع المال والسلاح لاستخدامهما في التخلص من الاحتلال التركي، أما الثاني "كورياس" فقد تأثر بأفلاطون وأرسطو وآثار ذكريات الإغريق العريقة وحضارتهم التليدة التي أهال عليها الأتراك التراب.
وهذه النهضة لم تكن لتنجح دون التواجد الواقعي والتعزيز الكبير للكنيسة اليونانية الأرثوذكسية والتي استطاعت الحفاظ على الطابع المميز للمجتمع اليوناني والتي استخدمت مراكزها ونواديها كبؤر يتجمع فيها الثوار اليونانيون، كما أنها وفرت خدمة أخرى وهي الإبقاء علي وسائل الاتصال بين الأقاليم اليونانية والعالم الخارجي.
ومع انتشار التعليم بين اليونانيين ومنهم من التحق بدراسات متقدمة في إيطاليا وفرنسا والتاثر الشديد الذي زرعته فيهم مبادئ الثورة الفرنسية، ومن ثم اتخذوا البندقية ومن بعدها فيينا مركزًا لنشر الثقافة اليونانية، كل هذا مع تدهور الإدارة العثمانية ثم ظهور الكثير من الجماعات اليونانية الخارجة على القانون ممن عرفوا باسم الكلفتس، وتقمص هؤلاء شخصية روبن هود ودوره، في مهاجمة الترك وإنقاذ اليونانيين المستضعفين من عمليات السلب والنهب التي كانوا يتعرضون لها خاصة من الانكشارية وانضم لهؤلاء (الكلفتس) الكثير من المواطنين والفدائيين اليونانيين.
وفي عام 1921 جاءت الأنباء بقيام أمير يوناني يدعى "إسكندر أبسلنتي" وهو الإبن الأكبر لحاكم مودافيا وولاشيا بالثورة، كما كان قائدًا في الجيش الروسي قطعت ذراعه اليمني في إحدى المعارك، وكان ذلك من العوامل التي أهلته لقيادة الثورة مع أصله النبيل وصلته الكبيرة بالقيادة الروسية فضلًا عن شجاعته وكفاءته، وحماسه الشديد لاستقلال اليونان.
وبقيادة هذا الأمير وجيشه وإصرار اليونانيين على نيل الحرية والاستقلال نالت الإمبراطورية العثمانية هزيمة قاسية على يد الثوار وأُبيدت الحاميات العثمانية في أنحاء البلاد، وأوقعوا القتل بعشرين ألف جندي عثماني مع شعار "لا بقاء لجندي تركي في اليونان".
وفي 13 يناير 1822 اُعلن عن أول محاولة لتكوين حكومة وطنية من الثوار لكل بلاد اليونان.
احتلال اليونان:
لذلك كان على السلطان العثماني أن يستنجد بأكبر ولاية عثمانية وهي مصر وقائدها محمد علي، وعُقد اتفاق بين السلطان محمود ومحمد علي باشا بشأن تعيين إبراهيم باشا حاكمًا عامًّا لشبة جزيرة المورة، بما فيها العاصمة أثينا، وقائدًا عامًّا للأسطول المصري، وفي 10 يوليو في ميناء الإسكندرية 1824 أبحرت القوة المصرية المكونة من 16 ألف جندي باتجاة اليونان لقمع الثورة.
أما القيادة العُليا فوفقًا لسياسة الباب العالي التقليدية التي جرت على تقسيم السلطة فمنحت (خسرو) باشا (كقبطان باشا)، وهذا يعني القائد الأعلي لجميع الأساطيل المشتركة.
وما كان هذا ليرضي محمد علي بذلك فكلاهما يبطن العداء للآخر وهذا يضمن للسلطان استحالة اتحاد إبراهيم باشا وخسرو باشا ضده وضد سلطانه وكان بهذا العمل يضمن أيضًا استحالة قيامهما بعمل ناجح والحصول علي نصر حاسم.
وعلي كلٍ فقد اتفق الطرفان على أن يتجمع الأسطولان في جزيرة رودس ويتحركا في اتجاه الجزر اليونانية الصغيرة المتناثرة في بحر إيجه.
على أساس أن تلك الجزيرة معقل الثوار والقراصنة والذين هددوا سلامة الأسطول العثماني سواء كانت حربية أو تجارية واتفقا أيضا على اتجاه الأسطولين نحو المركز الرئيس للثورة الهيلنية، وكانت هذه الخطة من إعداد محمد علي باشا. ثم بدأ خسرو باشا تنفيذا الخطة الحربية وكانت بدايته مبشرة ففي الثالث من شهر يوليو استولي على باسرا، وكانت تمثل مركزًا مهمًّا للقراصنة في غرب جزيرة خيوس، وكان عليه أن ينتقل لخطوة أخري وهي احتلال جزيرة ساموس.
ولكنه ما طل لمدة شهر انتظارًا لوصول الأسطول المصري حتى يترك له الجانب الأكبر من عبء الحرب محملاً إياه الخسائر والتضحيات التي تصحب ذلك.
ولكن القراصنة من اليونانيين في 16 أغسطس استدرجوا الأسطول التركي إلى مناوشات كشفت ضعف وتخاذل الرجال، إذ خسروا ثلاث قطع بحرية مهمة، وولت القطع الباقية هاربة من ميدان المعركة.
وفي نهاية شهر سبتمبر قرر السلطان التركي إعادة (خسرو) باشا إلى اسطنبول لما أظهره من تخاذل وفشل وتركت القيادة لإبراهيم باشا منفردًا.
وفي يناير 1825 خرج إبراهيم باشا من مأمنه في خليج سودا واتجه إلي مودون علي الساحل الجنوبي الغربي لليونان واستطاع أن يهزم اليونانيين بسهولة أمام نافارينو والتي سقطت في يده في 18 مايو.
وتمكن الأسطول المصري من السيطرة على كل السواحل البحرية اليونانية بعد ذلك فحقق أعظم الانتصارات باحتلال (ميسولونجي) معقل الثورة الرئيس، وضرب فيها الجيش المصري أروع أنواع البطولة والفداء وبسقوطها تم القضاء على الثورة في اليونان.
ونتيجة لهذه الانتصارات المتتالية قررت الدول الكبري (بريطانيا وروسيا وفرنسا) التدخل خوفًا من عودة اليونان للعثمانيين ومن استفحال قوة الجيش المصري، فأرسلوا أسطولًا مشتركًا بقيادة الأميرال كورننجتون، من أجل الضغط علي القوات المصرية العثمانية بعد أن رأت تلك الدول أن النتيجة المباشرة لذلك النصر وخاصة بعد سقوط جزيرة كريت في أيدي القوات المصرية ستجعل شرق المتوسط بحيرة مصرية وخاصة وأن تلك الجزيرة ستربط بين سواحل الإسكندرية وسواحل اليونان الجنوبية.
وكانت مصر في الحقيقة هي التي سيطرت على اليونان وكان لابد للدول الكبرى التفاهم مع محمد علي، ثم توافد المبعوثون عليه وكان عليهم أن يدخلوا في مساومات ومفاوضات وهو ( الأمي) غير المتعلم وأهداف محمد علي كانت واضحة فهو يريد لمصر قوة وثراء، ويوفر لأسرته من بعده بقاءً واستقرارًا.
هذه قصة احتلال مصر لليونان، وهي قصة صراع عسكري وسياسي ودبلوماسي تستمر تبعاته حتى اليوم.